كتاب "الموساد وأسرار الشبكة اليهودية بالمغرب: 1955-1964′′ يصف تسع سنوات من نشاط الحركة الصهيونية بالمغرب والشبكات التي أقامتها من أجل إقناع المغاربة اليهود بالهجرة إلى "الأرض الموعودة" بشكل غير قانوني وضد رغبة السلطات التي كانت تشجب هجرة اليهود نحو فلسطين. وحسب صاحب الكتاب ميشيل كنافو، فإن فترة العمل السري بدأت شهر أكتوبر من العام 1955، بعد وصول أول فريق من "الموساد" إلى المغرب بشكل سري، وذلك من أجل العمل على تشكيل خلايا سرية لتسهيل عملية ترحيل اليهود بشكل غير قانوني إلى إسرائيل. في هذه الترجمة للكتاب يحاول "الأول" الكشف عن أهم الجهات التي تواطأت في تسهيل عملية تهجير اليهود المغاربة إلى فلسطين في الحقبة الممتدة من سنة 1955 إلى 1964، عبر تسليط الضوء على أهم ما جاء في الكتاب، الذي اعتمد في الكشف عن خبايا تحركات "الموساد" بالمغرب على دراسة لأرشيف جهاز المخابرات الإسرائيلي، وعلى لقاءات مع عدة عناصر من الموساد، ومذكرات عملاء شاركوا في ترحيل اليهود من المغرب، وشهادات عدد من المهاجرين وشخصيات تقلدت مسؤوليات سياسية وعسكرية. الحلقة 2
نهاية العام 1955، وبينما كانت معركة الشعب المغربي للحصول على الاستقلال قد وصلت مداها، فيما الإرهاب يعيق التحرك داخل المدن، وحينما شرع جيش التحرير الوطني في خوض أول معاركه، سجلت عمليات ترحيل اليهود من المغرب أرقاما قياسية، بعدما انتقلت من 3 مهاجرين إلى 4 آلاف في الشهر الواحد. كما عرفت الأنشطة الصهيونية ذروتها في تلك الفترة. وعلى بعد 25 كيلومترا جنوبي الدارالبيضاء، كان يقع مخيم العبور "كاديما" (كان يطلق عليه اليهود المغاربة اسم مخيم مازاغان)، الذي كانت تصل طاقته الاستيعابية إلى 1500 مهاجر كان في وسعهم المكوث بالمعسكر لمدة وجيزة قبل ترحيلهم على متن البواخر إلى مدينة مارسيليا بفرنسا. كانت جوازات السفر توقع ويؤشر عليها داخل مكاتب الوكالة اليهودية "كاديما". وبما أن سلطات الحماية لم تخول أبدا للوكالة التحرك باستعمال اسمها الحقيقي، فقد لجأت هذه الوكالة منذ إضفاء الطابع القانوني على هجرة اليهود في العام 1949، إلى استخدام غطاء جمعية ذات أهداف خيرية.. وقد استمرت هجرة اليهود بشكل قانوني على امتداد الأشهر الأولى لاستقلال المغرب، بدءاً من 2 مارس 1956، وحتى إغلاق مكاتب "كاديما" بالدارالبيضاء شهر يونيو من نفس السنة. حينها قام مبعوثو إسرائيل والنشطاء المحليون بتسخير كافة جهودهم من أجل تمكين جميع اليهود المتواجدين بالمخيم من الهجرة، بعد حظر الهجرة القانونية. تنبغي الإشارة، وبصفة خاصة، إلى الدور الذي لعبه كل من باروخ دوفديفاني، المسؤول عن الوكالة اليهودية للهجرة من أوروبا وإفريقيا الشمالية، ومانديل فيلنر، المسؤول عن العلاقات مع شرطة الحدود، اللذين نجحا في ضمان استمرار هجرة اليهود رغم الحظر الرسمي. وبفضل مجهودهما، وجهود كل من أموس رابيل، رئيس مكتب "كاديما"، والأمين العام لنفس المكتب دافيد مويال، والمبعوثين اريي أبراهامي، ويعقوب حسن، والعديد من النشطاء اليهود المغاربة، تمت مواصلة عمليات ترحيل اليهود باستغلال وسائل متعددة كجوازات السفر الجماعية، وجوازات السفر الفردية، ومهمات الإبحار، وغيرها. كان يتم أخذ هاته الترتيبات باتفاق مع سلطات الميناء وشركة الملاحة الفرنسية "باكي". وقد تمكن بفضل ذلك نحو 13 ألف يهودي من مغادرة التراب المغربي حتى حدود شهر أكتوبر، وذلك رغم الإيقاف الرسمي لأنشطة الوكالة اليهودية للهجرة. آخر أيام معسكر "مازاغان" عن آخر أيام هذا المعسكر يحكي موشي ارنون (حبابو): "بعد الإغلاق شبه المحكم لميناء البيضاء، شرعنا في توجيه المهاجرين نحو طنجة. لم يؤدِّ ذلك الأمر إلى تخفيف وضعية اليهود الراغبين في الهجرة الذين كانوا يتواجدون بكثافة بمدينة البيضاء بعد إغلاق مخيم العبور من قبل السلطات المغربية. لم تكف السلطات عن المطالبة بإخلاء المعسكر، وعلى وجه السرعة، وانتهت في آخر المطاف بوضع عناصر من الشرطة والجيش، حول محيط المعسكر، من أجل عدم السماح بدخول مرشحين إضافيين محتملين للهجرة. من جهتنا، قررنا جلب جميع اليهود من القرى النائية بمناطق الأطلس، وتوجيه الأسر، بوتيرة مبرمجمة، نحو مراكش. وحينما كان يصبح عددهم كافيا، كنا ننقلهم نحو معسكر مازاغان على متن الشاحنات. كانت تتم عملية اختراق المخيم ليلا من خلال فتح ممرات عبر قطع الأسلاك الشائكة بمساعدة من النشطاء السريين. كان المسؤولون المغاربة لا يستوعبون كيف كان عدد المقيمين بالمعسكر لا يتقلص أبدا رغم عمليات الترحيل المكثفة". نافطالي الباز، ابن مدينة بوجعد، كان طالبا بالدارالبيضاء. وفي غشت 1955، وفي لحظة الذكرى الثانية لنفي السلطان، كان بصدد قضاء العطلة بمسقط رأسه. يحكي هذا الأخير عن تلك الفترة: "شهد المغرب بأكمله في تلك الفترة أحداثا دموية. وبمدينة واد زم القريبة، تم اغتيال العشرات من الفرنسيين، وشهد نفس الشهر حدث اغتيال جد شوول أمور (نائب سابق عن حزب الليكود وسفير إسرائيل ببروكسيل). كان العديد من اليهود يرغبون في الرحيل إلى إسرائيل، لكن سياسة الانتقاء الملعونة التي أعلنت عنها إسرائيل منعت الكثير منهم من تحقيق هذا الحلم. لقد راسلت الطائفة اليهودية مبعوثي الوكالة اليهودية وطلبوا منهم بإلحاح المجيء إلى أبي الجعد. مازلت أتذكر اليوم الذي حل فيه بالمدينة مانديل فيلنر، وباروخ دوفديفاني، وحايم تالمور، واريي ابراهامي، في الوقت الذي كان فيه المدير بالبيضاء هو اموس رابيل والأمين العام هو دافيد مويال. وفي لحظة عقد الجمع العام، ألححنا عليهم تقديم المساعدة من أجل الذهاب إلى إسرائيل ووضع حد للسياسة الانتقائية، وسط أجواء من الخوف بينما كانت مدرعات الجيش الفرنسي تمشط المدينة. وقال أمامهم رئيس الطائفة، أصاخار الباز: "أستوعب أن الأمر يتطلب تتبع عدة إجراءات والخضوع لفحوصات طبية، وغير ذلك. أنا بدوري أسألكم: من سيقوم بذلك هنا؟". حينها اقترح أحد المبعوثين ترشيحي للهجرة، وبذلك شرعت في ممارسة نشاطي. تعين علي التخلي عن دراستي لأجل تركيز كل اهتمامي على عملية ترحيل الأعضاء المنتمين لطائفتي. كنت أتولى قيادة الأسر نحو معسكر مازاغان للعبور. إضافة لهذا العمل، كنت أعمل كمراسل محلي لفائدة ثلاث جرائد وطنية، وكنت مبعوث المؤتمر العالمي اليهودي بأبي الجعد والمنطقة. وبسبب أنشطتي، كنت أصطدم بعدوانية الساكنة المسلمة المحلية. وعندما تناهى للشرطة العلم بنشاطي الصهيوني، كانت ستقوم باعتقالي. أعلمت حايم تالمور بهذا الأمر وعرض علي الذهاب إلى باريس خلال نفس اليوم. هاتفت والدتي لكي أعلمها بأنني سأتوجه إلى فرنسا. بكت كثيرا ومنعتني من مغادرة المغرب بدون بقية أفراد الأسرة. وبالتالي ألغيت رحلتي الجوية وربطت الاتصال مباشرة بمانديل فيلنر. شرحت له أن عائلتي غادرت منزلها وبأنها تعاني من فقر مدقع، وبعدها استسلمت بدوري للبكاء. قام فيلنر بأخذي إلى منزله وأجرى اتصالا بباريس. وفي النهاية، أعطاني رسالة تزكية لكي أسلمها إلى مدير المعسكر السيد ليبرمان. ذهبت إلى المخيم رفقة عائلتي، ولم أتأخر كثيرا هناك كثيرا قبل تحمل منصب هام داخل الإدارة. طلب مني فيلنر بعدها أن أرافقه لدى زيارته العائلات المرشحة للهجرة، وجمع الصور وتشجيعها على الالتحاق بأعداد كبيرة بالمعسكر. وبالفعل قامت العشرات من العائلات بالالتحاق به بعد مرور بضعة أيام. تكلفت شخصيا بجميع الأمور المرتبطة بذهابهم إلى إسرائيل. تزامن ذلك مع الفترة التي سمح فيها السلطان للمتواجدين بالمعسكر البالغ عددهم 6 آلاف بالذهاب إلى إسرائيل. ومن خلال تقديم رشاوي للموظفين المغاربة، نجح مانديل فيلنر في خداع السلطات من خلال تعويض الأشخاص الذين رحلوا بوافدين جدد. وقد أدى ذلك إلى وصول عدد المقيمين بالمعسكر إلى 10 آلاف شخص، في حين كان المعسكر مهيأ لاستقبال 1500 شخص كأقصى حد. أدى هذا الاكتظاظ إلى انتشار الأمراض وتزايد مخاطر تناقل العدوى، وهو ما تطلب إنشاء مشفى صغير داخل المعسكر، وهو ما تم بفضل هبة من القاعدة العسكرية الأمريكية بالنواصر. كانت هناك حالات عديدة من الوفيات، لاسيما بين الأطفال الرضع، بسبب غياب النظافة. وفي ظل هذه الظروف، كانت السلطات المغربية تسمح برحيل جميع الأشخاص المتواجدين بداخل المعسكر، الذي سيتم إغلاقه بشكل نهائي في أكتوبر 1956″.