(عضو اللجنة المركزية لحزب الاستقلال) قبل أسابيع قليلة ، كان الاستقلاليون يعيشون حياة حزبية تكاد لا تبدي علامات واضحة على إرادة كسر الجمود السياسي وانسداد الآفاق، والطموح إلى المشاركة في تدشين حركية سياسية جديدة واعدة حزبيا ووطنيا. إلا أننا اليوم، وبعد أن تم إلقاء حجر ثقيل في بركة السكونية والإجترار، بدأنا نطالع فصول حوار فكري سياسي استقلالي تفاعلي، يرفع من سقف الطموح والحماس، ويدفع بدينامية تنظيمية جديدة نحو التبلور، ويضعنا جميعا، كمناضلات ومناضلين مؤمنين بالتغيير، أمام واجب رفع الحجر والحجز عن مصادر قوتنا كمشروع تاريخي يأبى التهميش والإقصاء والانتظارية والأدوار الثانوية، مسلحين بالوعي وبالجرأة والحماس على ممارسة النقد الذاتي، بعيدا عن البحث الخامل عن أي شماعة خارجية، وبعيدا عن شيطنة الآخر. فالاستقلاليات والاستقلاليون يخوضون اليوم بحماس من مواقع تنظيمية وسياسية متنوعة، رهان التحضير لمؤتمرهم 17 بإثارة نقاش جدي رصين حول رزمة من القضايا السياسية والتنظيمية التي تعكس وعيهم الحاد، وطموحهم الجريء في استعادة موقعهم التاريخي الطبيعي في الحياة السياسية للبلاد، واضعين نصب أعينهم، وإن لم يصرحوا بتفصيل دائما، ضرورة إدراك وتحليل أسباب انحسار نتائج حركيتهم النضالية ، ضمن سيرورة من التحولات السياسية قادتهم إلى الموقع الذي يجدون فيه اليوم، إزاء المشاركة في صناعة القرار السياسي بالبلاد، مؤمنين بأن استعادة ذلك الموقع وتطويره ، يرتبط حتميا برد الاعتبار للنقاش، السياسي، الفكري، التنظيمي الداخلي، لا أقل ولا أكثر. في هذا السياق، يمكننا فهم الدينامية الجديدة على أنها إعادة صياغة وطرح لسؤال معنى أن تكون استقلاليا اليوم. ومن خلال الإنصات للمقاربات التي بدأت تعلن عن نفسها، يمكننا أن نقف على بعض ملامح جواب أخد في التبلور، تمهيدا لمحطة المؤتمر التي يؤمل أن تصوغه على أعلى مستويات الدقة والحكمة. فأن تكون استقلاليا اليوم يعني فيما يعنيه، أن ترفض بسبب وعيك الأخلاقي، شتم الواقع أو الآخر، وتشبثك بالحوار كوسيلة للدفاع عن المشاريع والاقتراحات، وأن تؤمن بأن الحوار الناجع لا يكون كذلك حقا، إلا إذا كان منظما ، و مفتوحا، وشفافا، ونزيها، وحرا، ومرتبطا بأهداف مشتركة محددة تصب في اتجاه إنجاح المؤتمر وما بعده. أن تكون المرجعية الاستقلالية، ومشروعها التعادلي، والتاريخ النضالي الحزبي الوازن، وراهن البلاد بأسئلته وإشكالاته وقضاياه الوطنية والديمقراطية والتنموية والثقافية، بوصلتك التي لا تحيد عن الأفق المشترك. أن تكون على قناعة راسخة بأن حزبك في حاجة إلى بلورة وتطوير قوته التنظيمية والاقتراحية من موقع متقدم في الحياة السياسية الوطنية، لما فيه صالح البلاد والعباد، باعتباره حزبا وُجد للمساهمة في إبداع وترسيخ أدق صيغ التوازن والاستقرار وأكثر مرونة وتجددا. أن تؤمن بأن ترسيخ الديمقراطية في البلاد، لا ينفصل عن تأصيل حياة تنظيمية داخلية دائمة التحول والتجدد، مواكبة لتجدد وتطور الحياة السياسية الحزبية، باعتبارها حياة قائمة على قيم الإنصات والتثمين لاقتراحاتها ومتغيراتها الذاتية الأصيلة. أن تؤمن بأن حمل مشروع تاريخي يستحق الحياة، لا يمكن أن يتساكن مع الجمود والسكونية وإرادة الهيمنة والإقصاء. إنه أفق جديد متجدد يفتح أمام الاستقلاليات والاستقلاليين، يُؤمل أن يجعل من مؤتمرنا القريب بوابة نحو مواصلة كتابة التاريخ السياسي المعاصر للبلاد، من موقع القوة الأصيلة المتجددة، التي تفهم وتمارس أدوارها السياسية الحزبية كأدوار وطنية بامتياز.