بكلمات محسوبة أجاب السيد رئيس الحكومة على جعجعة الطواحين الفارغة التي حاول السيد لشكر إطلاقها بكل ما يستطيع حلقه أن يصنع من الضجيج، وأخمد النار التي حاول إشعالها وهو ينفخ بكل ما يمكن أن تحتويه رئتيه من الهواء. فعل السيد رئيس الحكومة ذلك وهو يتحدث كلام الثقة والمشروعية والمعقول، حين أكتفى بالقول " مازلنا على نفس الموقف. القضية بسيطة ولا يظهر لي أنه تحتاج إلى كل هذا النقاش. سي ادريس ما وجَهت لو حتى كلام. ما طلبت منو يدخل للحكومة ما والو، هو كيجاوب". وردا على سؤال أنك طلبت منه لائحة الاستوزار، أجاب " أييه، ولكن علاش مجابهاش. فعوض ما يجي لعندي مشى عند أخنوش: إذن إظن أنا ماشي معني بالموضوع". أين استقرت إذن بوصلة البلوكاج الحكومي ؟ يجيب السيد رئيس الحكومة بخلاصة حاسمة "أنا مازالت كنتسنى سي عزيز أخنوش وسي امحند العنصر إيكولو لي واش باغيين إدخلو معايا للحكومة ولا مباغيينش. ملي إيكولو لي، ديك ساعة نعرف كيفاش نتصرف". فماذا ينتظر إذن السيدين أخنوش وامحند العنصر ليقولوا هذه الكلمات ببساطة : "نعم سندخل للحكومة" أو "لا، لن ندخل للحكومة" دون ربطها بمشاركة أو عدم مشاركة أي حزب أخر؟ في مقابل هذا الوضوح في موقف رئيس الحكومة يحاول البعض بكل صعوبة أن يبني مشروعيات انقلابية على مؤسسة رئاسة الحكومة وأن يجد تبريرات كلامية للإلتفاف على وضوح منهجية السيد بنكيران، باختلاق مفاهيم جديدة كذريعة المنهجية التفاوضية، التي لا تعني في العمق إلا الرغبة في تعويض الخسارة التي منيت بها بعض الأطراف السياسية والحزبية يوم 7 أكتوبر بمكاسب غير مشروعة من خلال منهجية "تخراج العينين" وقلب الحقائق والتشويش على وضوح عناصر المفاوضات، مع محاولات التحكم في منهجيتها وإملاء الأطراف التي يجب ان تشارك وتلك التي لا يجب أن تشارك في الحكومة. وقد تكفل أحدهم بالجواب على هذا المنطق الهجين حين قال بأنه "الأن، نحن نعيش زمنا آخر بعد دستور 2011، الذي أعطى الشرعية الحقيقية للمنتخب: فمن أراد أن يصبح رئيس حكومة، أو أراد أن يصبح وزيرا، يجب أن يكسب شرعيته عبر المنهجية الديمقراطية وليس عبر المنهجية التفاوضية". وإذا كانت منهجية إدارة المفاوضات اجتهادا يوازن بين الأهداف والأطراف والإمكانات، فإن من سمع السيد لشكر يتحدث سيُتخيل له وكأن المنهجية التفاوضية مِسطرة منزًّلة، مكتوبة بحبر لا ينسخ، بل ثابتا خامسا من الثوابت الوطنية في الدستور إلى جانب الاختيار الديمقراطي والوحدة الوطنية والنظام الملكي والدين الاسلامي، حيث يشكل المس بها مسألة خطيرة في الحياة السياسية حسب قوله. ليعمد السيد لشكر إلى تحوير معاني الأمور وتشويهها بالقول خلالها ندوته الأخيرة " لا يكفي أن تكون حزبا أول لتقول من معي ومن ضدي، تصَّافوا أولا عاد نداكروا" ! ليُتتم " بأنه دعا "رئيس الحكومة لنتحدث عن الهيكلة وعن البرامج، الشيء الذي "قد يسعف في التقريب بين وجهات النظر وفي تحديد الحلفاء اللي غادير معاهم غدا الأغلبية". لا بد من التساؤل كيف يمكن لهذه المنهجية التفاوضية أن تجد لنفسها طريقا إلى التطبيق والنجاح بهذه الشاكلة التي يقول بها السيد لشكر ؟ هل كان يجب على السيد بن كيران أن يتحدث عن البرنامج وعن الهيكلة مع الأحزاب الستة التي عبرت عن نيتها المشاركة في الحكومة ؟ وعن أي هيكلة أو برنامج يمكن الحديث وأنت إذا توافقت مع حزب على برنامج وهيكلة لا تعلم إن كانت الأحزاب الأخرى، كل واحد على حِدا، ستوافقك الرأي على نفس البرنامج والهيكلة ؟ أليس هذا سبيلٌ مُلولب سيدخِل الجميع في متاهات مفاوضات لا نهاية لها مع كل طرف وتفتح مرطونا لا ينتهي من الذهاب والإياب بين الأحزاب ؟ وبعد هذا وذاك، أليست منهجية المفاوضات من اختصاص رئيس الحكومة، فهو الذي يضع قواعد التواصل بين الهيئات السياسية ومنهجية بناء فريقه الحكومي بحكم مكانته السياسية كأمين عام للحزب الفائز بالانتخابات، وبحكم التعيين الملكي الذي يعطي لرئيس الحكومة الشرف والاعتبار والمكانة والأفضلية في قيادة مشاورات الحكومة واختيار الأطراف التي ستشارك فيها وتحت رعايته وقيادته. وبالتأكيد، فالمنهجية المتبعة في تدبير المفاوضات هي الأكثر توازنا وواقعية، حيث وجب الاتفاق أولا على مبدأ المشاركة كشرط عام، مبني على الانسجام في التوجهات السياسية والأولويات الإصلاحية بين الأحزاب التي يمكن أن تشارك في الحكومة، وبعد ذلك يمكن المرور إلى التفصيل في هيكلة الحكومة وبرنامجها التفصيلي بحسب القطاعات. أما قلب هذه التراتبية فهو ضرب من العبث ونفق كان سيدخلنا في متاهات لا مخرج منها. وهي منهجية لازالت قائمة إلى اليوم، وبفضلها يمكن أن نقول بأن الأمور واضحة ولا تحتمل أي مزيد من المراوغات والتلاعبات. فالبلوكاج ينتظر اليوم كلمة واحدة ممن وَجَّه إليهم رئيس الحكومة دعوته للمشاركة في حكومته، نعم أم لا؟ أما كلام الأخرين وبياناتهم وندواتهم الصحفية فلا فائدة منها ولن تقدم ولن تؤخر شيئا البتة. انتهى الكلام.