في مثل هذا اليوم، منذ اثنا عشر شهرا، انطلقت سفينة "الأول" تمخر عباب بحر متقلب، كان "الأول" مجرد فكرة في البداية، حلما، لمجموعة من الصحافيين الذين قضوا دهرا ليس هينا في الصحافة المكتوبة، والذين اقتنعوا اقتناعا كاملا، – رغم أن تحقيق هذا الاقتناع لم يكن بالسهولة التي قد يعتقدها البعض-، بأن المستقبل للصحافة الرقمية أو الالكترونية، لذلك قرروا خوض غمار هذه التجربة، وذلك لعدة اعتبارات، نسرد منها فقط وبعجالة، أن قرابة عشرين مليون مغربي أصبحوا مرتبطين بالأنترنيت ولهم حساب على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة "فيسبوك"، وأن هذه الدعامات الرقمية أصبحت مصدرهم الرئيسي لتلقي المعلومات، كما أن الصحافة الورقية تعرف انحسارا كبيرا في كل بقاع العالم، وتشهد انهيارا لا تفسير له بالمغرب. بالإضافة إلى التسارع الذي أصبحت تعرفه حركة التاريخ في أيامنا هذه، والتي أصبحت تتطلب سرعة زائدة من وسائل الإعلام من أجل ملاحقة الأحداث التي تضج بها الساحة الدولية والوطنية، سواء على المستوى السياسي، أوالاقتصادي، أو الثقافي، أوالرياضي. حيث لم يعد الخبر قابلا للانتظار دقائق بعد حدوثه، فما بالك بالساعات التي يتطلبها إخراج العدد الواحد من الجريدة الورقية. لقد فوجئنا منذ اليوم الأول لانطلاقنا بحجم الترحاب الذي تلقفنا به قراؤنا المتعطشون لصحافة مهنية واحترافية، تبذل مجهودا معينا للحصول على الخبر، ومن تم نقله إلى القارئ الكريم في قالب شيق ووعاء جميل، محاولين الابتعاد ما أمكننا عن صحافة "انسخ وألصق"، وعن الصحافة الفضائحية التي تنبش في أعراض الناس، أو التي تراهن على سذاجة بعض المواطنين البسطاء، من أجل التنكيل بهم أمام الملأ لأجل رفع نسب المشاهدة. حيث عملنا جاهدين على احترام ذكاء قرائنا والارتفاع معهم إلى مستوى راق من الإخبار والتثقيف. وإذا كنّا قد فوجئنا بحجم الترحاب من قبل قرائنا ومتتبعي ما نعرضه من إنتاجات سمعية بصرية على موقعنا، إلا أننا فوجئنا أيضا بالحجم الكبير للجهات التي أرادت إقبارنا منذ اليوم الأول لصدورنا، حيث رافقنا اللغط، والهرج والمرج من كل جانب، وخرجت مواقع وجرائد مشبوهة تتهمنا تارة بالعداء للوطن وتارة أخرى بخدمة أجندة معينة، بعد مرور شهر واحد على ولادة "الأول"، فقط لأننا كنّا نسعى أن نكون جريدة إلكترونية مستقلة بكل ما للكلمة من معنى، فآذتهم استقلاليتنا من حيث لم نقصد، لأن "المكلفين بمهام قذرة" يكرهون رؤية النقاء، ويرغبون في أن يكون الكل شبيها بهم. ولذلك حاولوا التنقيب في ذمتنا المالية، وحاولوا ربط الموقع بأكثر من جهة مالية أو سياسية، فقط لأنهم لم يسعفهم الحظ لأن يكونوا يوما مستقلين، وكانوا دائما مرتبطين بمن يمنحهم " النفط مقابل الغذاء". ولأنهم يغيرون ولاءاتهم مثلما يغيرون جواربهم، فقد اعتقدوا أن الجميع مثلهم. إن موقع "الأول" تجربة إعلامية، سعت منذ اليوم الأول لتأسيسها أن تكون شفافة وواضحة، ولا غموض يكتنفها، حيث عملنا عكس الكثيرين، على أن ننطلق بشكل مؤسساتي، مهيكل وقانوني في كل المراحل التي قطعناها، رغم أن العديد من الزملاء و الأصدقاء نصحونا بتفادي أو على الأقل تأجيل الكثير من الخطوات التي ستكلفنا كثيرا من الناحية المالية، إلا أننا كنّا مصرين، على القيام بكل الخطوات التي تمهد لتأسيس نموذج اقتصادي مهيكل، قانوني وعقلاني لمؤسستنا الصغيرة. وأن تكون مصاريفنا واضحة، كما هي مداخيلنا. كما أن خطنا التحريري كان واضحا منذ اليوم الأول، حيث أعلنا أن خطابنا سيكون نقديا للجميع، بلا مجاملة، هاجسنا الأول والأخير، هو تقديم صحافة مواطنة، تقف إلى جانب المدافعين عن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحداثة التي تمتح من فكر الأنوار، على كل المستويات. إن موقع "الأول" يقف على نفس المسافة، من كل الفاعلين السياسيين، وسوط نقده مسلط على الجميع، من أجل مراقبة تحركاتهم السياسية والتي تهم تدبير الشأن العام، وأيضا كل الفاعلين الاقتصاديين، الذين يستفيدون من أموال الدولة القادمة من جيوب دافعي الضرائب، وكل من يشتغل في الفضاء العمومي وعلى علاقة بما يخص الشأن العام. ولا يضيرنا في ما نقوم به من واجب ما نتعرض له من اتهامات وهجمات "وضربات تحت الحزام"، لأننا مقتنعون بما نقوم به. فشكرا لكل قرائنا الأوفياء الذين رافقونا طيلة هذه السنة، والذين كانوا يزدادون يوما بعد يوم، ونعاهدكم أننا سنسعى لتطوير أنفسنا دائما من أجلكم، ومن أجل حقكم في إعلام يحترم ذكاءكم.