فقدت مدينة القصر الكبير واحدا من رجالها الكبار الذي شرَّف حضور هذه المدينة وطنيا وعلى صعيد المغرب العربي وكل الوطن العربي الكبير؛ إنه المجاهد السي الهاشمي الطود، الذي غادر مدينته الصغيرة هاته ذات صباح قاصدا الزعيم محمد عبد الكريم الخطابي النازل بقاهرة المُعز في رحلة على الأقدام. كما كان مبعوث الزعيم جمال عبد الناصر والمجاهد محمد عبد الكريم الخطابي لقيادة الثورة الجزائرية بهدف تحديد توقيت الطلقة الأولى التي أثمرت ثورة استثنائية في التاريخ العربي والإنساني ثورة الأول من نونبر 1954، من خلال لقائه بالراحل الكبير عبد الحميد مهري. وبعد حوالي 60 سنة كنتُ سببا في لقاء السي الهاشمي مع السي عبد الحميد في إسطنبول حيث سلم الأول للثاني نسخة من الرسالة نفسها التي كان قد سلّمه إياها قبل 60 سنة؛ لقد كانت لحظة مفعمة بالمشاعر والعواطف. كانت لي معه جولات وصولات سأحكي جزءا منها قريبا. كان يجذبني وجوده بأصيلا لزيارة هذه المدينة الهادئة، كما كان يصر على لقائي حين زيارته للدار البيضاء (في الصورة حيث ترافَقْنا لزيارة السيدة عائشة كريمة الزعيم محمد عبد الكريم الخطابي في بيتها سنة 2012). غادر هذا العالم دون أن يفقد حُلمه في نهوض هذه الأمة، وتحرير فلسطين التي كان لها مكانة خاصة في قلبه. كيف لا وهو الذي قاتل في ربوعها سنة 1947 وتمكن من أسر إحدى العسكريات المنتميات لعصابة الهاجانا الصهيونية (من رومانيا). وحين زرته قبل مدة سألني عن العراق الذي تدرب فيه، وعن فلسطين التي قاتل فيها، وبعد أن وضعته في الصورة قال لي: "ليتني كنت قادرا على حمل السلاح للدفاع عن فلسطين" وأطرق قليلا قبل أن تنزل قطرات دمع من عينيه، كانت لحظة رهيبة بالفعل، لم أتمالك فيها نفسي. لم يقفد إيمانه بوحدة المغرب العربي الكبير، تلك الرسالة التي ظل يلهج بها لسانه إلى أواخر حياته. قصة هذا الرجل طويلة، وتستحق أن تُروى. كيف لا وهو المنتمي لمدرسة الزعيم المجاهد محمد عبد الكريم الخطابي الذي كانت تربطه به علاقات خاصة. رحم الله السي الهاشمي وأسكنه فسيح جنانه على ما قدمه لأُمّته وشعبه ووطنه. لأبنائه وبناته وأصهاره ومحبيه، وكل عائلة الطود الكريمة خالص العزاء.