بعد مضمون بلاغ المكتب السياسي لحزب التقدم الاشتراكية المتشبث والملتحم بموقف نبيل بنعبد الله، والذي لم يكن منتظرا، نظرا لحجم الانبطاح الحزبي الذي أصبح العنوان البارز للمرحلة السياسية الراهنة، يسود جو من الترقّب من مثل هذا العصيان الناعم الذي شكله البلاغ "المطروز" سياسيا ولغويا. إن حجم الجدل واللغط الذي أصبح يتدفق في هذه اللحظة الانتخابية، يؤكد أن الانتخابات في المغرب، ومنذ عشرين فبراير2011، تحديدا، أصبحت جزءً أساسيا من الصراع السياسي غير المتحكم فيه بشكل كلي من قبل النظام، وقد انكشف أكثر هذا الجزء من الصراع مع حكومة بنكيران الذي نجح في كشف "تورط وانحياز" الحكم في المعركة الانتخابية بغرض التحكم في المشهد السياسي وترتيبه على المقاس. من وجهة نظري، فإن البلاغ السياسي لحزب التقدم والاشتراكية يُعدُّ سابقة سياسية أقدم عليها حزب ظل يعتبر حتى وقت قريب بأنه حزب يرفُل في ظل النظام السياسي، بل هناك من قيادييه المنسحبين من قال إنه انزاح كليا عن قيم اليسار التي تأسس عليها (هذا البلاغ) تضمن نقطتين جوهريتين: الأولى هي رفضه التفريق الذي قام به بلاغ الديوان الملكي بين الحزب وأمينه العام، ومحاولة شخصنة الموقف الذي عبّر عنه بنعبد الله. ثانيا، فإن بلاغ التقدم والاشتراكية اعتبر أن هذا النوع من التصريحات يدخل في باب التدافع السياسي، وهو ما يُفهم منه، بشكل مُضمر، أنه إذا اختار النظام دخول التدافع السياسي والانتخابي فما عليه إلا القبول برفع القدسية عنه، وخوض التباري بوجه مكشوف وبلغة واضحة.، وهذا نوع من العصيان الناعم. إن الحكم على حزب التقدم والاشتراكية، و بصرف النظر عن مواقفه المتسمة بالتدبدب، ومهادنة نظام سلطوي، خصوصا موقفه من حركة عشرين فبراير، التي رفض الانخراط فيها بشكل قاطع بل ووقف ضدها، لا يجب أن يصدر عن حقد سياسي أو عمى إديولوجي كما يفعل بعض الطفوليين اليساريين، بقدر ما يجب أن يكون موقفا ملموسا لواقع، جديد، ملموس سِمته الفرز السياسي الجديد بالمغرب، والذي أصبح يتجه من الصراع إلى شكل من "العصيان" بفعل جزء من النخبة أصبحت تحوم في فلك الحكم وتدافع عن "الاستبداد" ليس لقطع الطريق عن الأصولية دفاعا عن الحداثة، كما تدَّعي، بل إنها تدعم "الاستبداد" لحماية "الفساد" الذي ذاقت منه وأعجبها. هذه المرحلة تعرف تغيُّرا في المواقع حسب التناقضات القائمة، وعودة جزء من النخبة السياسية للصف الديمقراطي المستقل بقراره السياسي، بعد أن مالت لسنوات نحو السلطوية. وبالتالي فعلى قوى التغيير الديمقراطي والتقدمي التقاط هذا التحول وخلق فضاء سياسي وبنية استقبال مرِنة لهؤلاء "العائدين" ومنهم التقدم والاشتراكية وجزء من الاتحاديين الغاضبين وغير المنتظمين داخل أي حزب، وابتداع مفاهيم تليق بحساسية هذه المرحلة المهمة والعصيبة، وليس كما يذهب جمهور التقدميين "المطمئنين لوضعهم" الغارقين في بحر الاديولوجيا، ولا شيئ غير الاديولوجيا، الواقفين في الدرجة الصفر من السياسة.