رشيد العمري (و م ع) وقع الاختيار هذه السنة على البروفسور المغربي عبد الصمد الأزهري (المرشح الوحيد) ليتربع على رأس جمعية جراحة الدماغ والأعصاب الفرونكفونية بعدما ظلت الرئاسة لأزيد من 7 عقود حبيسة القارة الأوروبية، وذلك اعترافا بإسهاماته المتميزة والغزيرة في تطوير هذا الاختصاص. وتمكن البروفسور الأزهري، رئيس قسم جراحة الدماغ والأعصاب بجامعة محمد السادس لعلوم الصحة بالدار البيضاء، من انتزاع هذا التتويج عقب انتخابه بالإجماع في الجلسة الرسمية للمؤتمر السنوي للجمعية المنعقد يومي 18 و 19 فبراير الجاري بباريس، مكسرا بذلك هيمنة الأوروبيين على مقاليد هذه الهيئة الطبية العلمية التي لم تخرج رئاستها، منذ إحداثها عام 1948، من فرنسا وبلجيكا، وذلك بمعدل ثلاث سنوات في كل ولاية. ففي حوار خص به القناة الإخبارية (M24) التابعة لوكالة المغرب العربي للأنباء، أبرز البروفيسور الأزهري، المزداد في 1952 بخريبكة، أن هذه الجمعية المرموقة يقدر عدد أعضائها حاليا بنحو 500 من المنخرطين الناطقين باللغة الفرنسية من ذوي الاختصاص في هذا الميدان الطبي الأكثر تعقيدا، والتي تستهدف أكثر من ألف جراح بمختلف أرجاء الكرة الأرضية). واعتبر البروفسور الأزهري أن هذا الاعتراف هو ثمرة سنوات من البحث والممارسة والإسهام في ترسيخ ثقافة العناية المكثفة بالمرضى، والاحتكاك عن قرب بآخر ما جادت به الأبحاث العلمية في المجال، مما جعل من المغرب موضع اهتمام من قبل العديد من الخبراء عبر العالم لاستكشاف مؤهلاته وقدراته العلمية والعملية، كما هو الحال في الشأن الكروي. وقال إن هذا الإنجاز يرجع الفضل في تحقيقه لثلة من القامات المغربية التي ساهمت بقوة في التعريف وتطوير اختصاص جراحة الدماغ والأعصاب، وفي طليعتهم البروفسور عبد السلام الخمليشي الذي شكل القاطرة الأولى للسير قدما، توالت بعده سلسلة من الإسهامات لزمرة من زملائه وطلبته ممن اقتدوا بعل مه، وهذا يبدو جليا من خلال حضورهم المتميز والمكثف في العديد من المحافل والمؤتمرات العالمية التي تقام بمختلف الدول بما في ذلك اليابان والولايات المتحدةالأمريكية وأوروبا وآسيا والدول العربية. وقد عرف المؤتمر الأخير للجمعية مشاركة 24 دولة يدرس أو يمارس فيها الطب بلغة موليير، وذلك كشبكة واسعة النطاق تسخر سنويا أحد اجتماعاتها بباريس، والآخر بإحدى دول العالم لتطوير البحث في جراحة الدماغ والأعصاب، وكذا لتبادل الخبرات والتجارب حول آخر المستجدات والتطورات ذات الصلة. وبانتخابه على رأس هذه الجمعية، سيفسح المجال إلى الانفتاح أكثر عن البلدان الإفريقية الفرونكوفونية انسجاما مع السياسة التي تعتمدها المملكة، حيث سيعمل من خلال هذه الهيئة على تطوير الخبرات وتوسيع الرؤى عبر التدريس والتكوين والتدريب بشكل يغني المرضى المغاربة والأفارقة عن اللجوء للخارج لإجراء مثل هذه العمليات الجراحية التي أضحت اليوم أمرا متاحا بالمغرب. وذكر البروفيسور الأزهري، في هذا السياق، بسلسلة من الدروس الفرونكفونية المبرمجة التي سيشرع في تلقينها على مدى ثلاث سنوات وبشكل دوري بمختلف دول القارة السمراء الناطقة بالفرنسية، وذلك تعزيزا لما يعرف بالدروس المغاربية التي يعود تاريخ بدايتها إلى نحو 3 عقود. وأشار الجراح المغربي إلى أن المغرب يتوفر اليوم على كافة الأدوات والتجهيزات المستحدثة في عالم الكشف والجراحة للحد من آلام الدماغ والأعصاب، فأضحى بذلك ينافس حتى الدول الأوروبية وغيرها من الدول المتطورة في هذا الميدان، مستعرضا في هذا الشأن جملة من التقنيات المبتكرة التي من الصعب إيجادها بدول إفريقية والتي يمكن اعتمادها في مجال التكوين بتنسيق وتعاون مع نخبة من الجراحين والخبراء الأجانب المشهود لهم بالكفاءة المهنية. ومن خلال تسليط الضوء على مسار البروفيسور الأزهري يتأكد أن الاعتراف الدولي الأخير بإسهاماته ليس الأول من نوعه، حيث سبق للأخصائي المغربي أن حظي بسلسلة من الالتفاتات التقديرية، منها تقلده وسام الشرف في حفل رسمي أقيم في 8 شتنبر 2015 بالعاصمة الإيطالية روما، على هامش اجتماع للاتحاد العالمي لجمعيات جراحة الأعصاب. كما خصته الجمعية المغربية لجراحة الدماغ والأعصاب، والمؤتمر المغاربي لطب جراحة الأعصاب بتكريم خاص، استحضر تفاني ومساهمات البروفيسور، والتي أهلته لتقلد عدة مسؤوليات ذات صلة بجراحة الأعصاب، كرئيس للاتحاد الإفريقي لجراحة الدماغ والأعصاب والرئيس الشرفي لكنفدرالية القارة الإفريقية لجراحة الدماغ والأعصاب. وسبق للبروفيسور الأزهري أن تولى رئاسة كل من الجمعية المغربية لجراحة العمود الفقري والجمعية المغربية لجراحة الدماغ والأعصاب، وبعدها رئاسة الفيدرالية المغاربية لجراحة الدماغ والأعصاب. وفي السنة ذاتها (2015)، اختارته الأكاديمية العالمية للجراحة العصبية عضوا فاعلا ونشيطا ضمن فريقها العلمي، وبعدها، في 2017 بتركيا، سل مته الفيدرالية الدولية لجراحة الدماغ والأعصاب ميدالية الشرف، اعترافا منها بكفاءته العلمية وما راكمه من خبرات مك نته من تكوين أساتذة وأطباء متخصصين في المجال، إضافة إلى آلاف الطلبة. ويعود للبروفيسور الأزهري، الذي يشرف منذ سنة 1999 على أكبر أقسام جراحة الأعصاب بالمغرب، الفضل في انعقاد وضمان حضور مغربي في العشرات من المؤتمرات العلمية سواء على الصعيد الوطني أو الدولي، خاصة بأوروبا واليابان وأمريكا وبعدد من الدول العربية، إذ شارك في حوالي ستة مؤتمرات في السنة. وفضلا عن إصداره للعديد من الكتب والأبحاث العلمية القي مة، فآخر ما يحسب له في مشواره المهني المتميز ترأسه لفريق طبي متخصص في جراحة الأعصاب بمستشفى الجامعي الدولي محمد السادس ببوسكورة بإجراء أول عملية جراحية في السنة الفارطة بالمغرب لفائدة مريضة مصابة بورم في المخ باستخدام أحدث ماسح ضوئي في العالم Airo، وهو أول نظام للتصوير التجسيمي أثناء العملية في إفريقيا يسمح بإجراء العمليات بتقنية ثلاثية الأبعاد في الوقت الفعلي مع التخفيف بشكل ملموس من التعرض للأشعة السينية. يذكر أن البروفسور الأزهري، الحاصل على شهادة البكالوريا في 1973، تخرج من كلية الطب بالرباط في 1981، ثم انخرط في تدريس الطب. وقد انطلق مشوار البروفيسور في جراحة الدماغ والأعصاب سنة 1983، بإجرائه أول عملية جراحية في هذا التخصص، كما أنه أشرف على تكوين نحو 70 طبيبا أخصائيا في جراحة الدماغ والأعصاب، ممن يمارسون اليوم بمختلف أرجاء المملكة وخارجها.