إن الذهاب إلى "كان" معناه الدخول في حضرة العاشقين للسينما والحالمين بغد أفضل يعيش فيه الناس حياتهم مثلما يعيش أبطال الأفلام حياتهم الفيلمية ،غير أن غنى هذه القارة السادسة التي لها أرضها وشعبها وبحارها وجبالها وسماءها وليلها ونجومها، تجعلك تعيش صعوبة الاختيار. فأي الأقسام تختار وهي ثمانية:المسابقة الرسمية ،عروض خاصة ، نظرة ما ، كان كلاسيك ،أسبوعي المخرجين ، أسبوع النقاد ، عروض السينما المستقلة (أسيد) . وتشتمل هذه الأقسام على ما يقارب ثلاثمائة فيلم بالإضافة إلى سوق الفيلم الذي يتجاوز عدد أفلامه الخمسمائة. من هنا تستنتج أن الدورة التسعة والستين لمهرجان "كان" غنية أولا على مستوى الكم العددي لسينما تمثل كل الجنسيات. أما من الناحية النوعية فقد بدت قوة المهرجان من خلال اختيار فيلم الافتتاح Café society للمخرج الأمريكي "وودي آلان" الذي يقال عنه أنه مخرج أمريكي ينتج أفلاما ليشاهدها المجتمع الفرنسي ويجد نفسه فيها .يحكي الفيلم قصة شاب يقرر أن يغادر عائلته المستقرة بنيويورك ليلتحق بخاله المتواجد بهوليود مصنع الأحلام للبحث عن عمل. أثناء سرد الحكاية يعرض "وودي آلان" مقاطع من أجمل أفلام الثلاثينيات تعيد إلى ذاكرة الأجيال كيف استطاعت السينما أن تخلق هذه الكائنات النورانية وتجعل منها حياة موازية لحياة الناس وكأنه يقول لنا اجعلوا السينما هي الأصل وعيشوا كما تعيش هذه الشخصيات وعندما تسأمون انزلوا ومارسوا حياتكم. ولكي يظل مهرجان كان في دورة هذه في مستوى هذا الافتتاح فقد شارك في المسابقة الرسمية أقوى السينمائيين العالميين. وسبق لكثير منهم أن فازوا بالسعفة الذهبية وعلى رأسهم الإخوة داردين وبيدرو المودوفار، واشكار فارهادي، وكريستيون مانجي، وكين لوش، وجيم جارموش، واوليفييه اسياس، وبول فيرهوفن، ونيكولا ويندينج، ريين وكزافييه دولون، وسيين بان، وبريونت ماندوزا، وكليبير ماندونسا، وجيف نيكولس، واندري ارنولد، ومارين ادي، وبارك شان ووك، وبرونو ديمون، وكريستي بوي، والان جيريدو. وهكذا يكون حصاد الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية هو واحد وعشرون فيلما، كلها أفلام قوية ووراءها مخرجون ومخرجات أقوياء، وراءهم تجربة وخبرة في الحكي والكتابة بالصورة من أجل تحريك الإحساس والوجدان وجعل المتفرج يرى ويسمع، يحس ويتأمل ويفكر. إن مهرجان كان في بداية تأسيسه في الثلاثينيات، كان يهدف إلى محاربة الثقافة الفاشية التي فرضها هتلر وميسوليني على أوروبا وعلى العالم . لكنه أصبح بعد ذالك محجا لكل المشتغلين في حقل السينما من أجل خلق تجارة رابحة لسوق الفيلم وترويجه عبر العالم، وقد نجحت هذه السياسة وبدون منازع. غير أن عودة التطرف والانغلاق وانعدام الأمن أيقظت في كثير من المخرجين المؤلفين، مؤخرا، الإحساس بأن السينما باستطاعتها من جديد أن تقاوم كل مظاهر الحقد والتميز العرقي والديني. وقد تجلى ذلك في كثير من الأفلام المعروضة في كل أقسام المهرجان الأخرى. في المراسلة المقبلة نتكلم عن الأفلام وعن المواضيع التي تعالجها.