قتل طبيب وطفل أمس الخميس في السودان خلال احتجاجات ضد نظام الرئيس عمر البشير الذي فرقت الشرطة بالغاز المسيل للدموع مسيرة نحو المقر الرئاسي لمطالبته بالتنحي. وقالت لجنة أطباء السودان المركزية “لقد قتل طبيب وطفل في احتجاجات الخميس”. ولجنة الأطباء جزء من اتحاد المهنيين السودانيين في تنظيم الاحتجاجات. وأكد أقارب الضحايا لوكالة فرانس برس وفاتهما. وسج لت احتجاجات خارج المستشفى الذي نقلت إليه جثتا الضحيتين، بحسب ما أفاد شهود. وبدأت التظاهرات في 19 دجنبر احتجاجا على ارتفاع أسعار الخبز والأدوية في بلد يشهد ركودا اقتصاديا، ثم تحولت الى تجمعات شبه يومية مناهضة للبشير الذي يرفض بشكل قاطع التنحي بعد ثلاثة عقود في الحكم. وبعد نحو شهر من انطلاق الحركة الاحتجاجية، تجم ع مئات السودانيين ظهرا في وسط العاصمة الخرطوم حيث انطلقوا باتجاه المقر الرئاسي هاتفين “حرية سلام عدالة”، لكن الشرطة تدخ لت لتفريقهم بواسطة الغاز المسيل للدموع، بحسب شهود عيان. ثم عاودت مجموعات من المتظاهرين التجم ع في حي بوري حيث رشقوا بالحجارة قوات الأمن التي رد ت بإطلاق الغاز المسيل للدموع، بحسب شهود. وأظهرت مشاهد محتج ين مصابين يحاول رفاقهم تضميد جروحهم، لكن لم تت ضح ماهية الإصابات التي تعرضوا لها. ونظ م تجم ع آخر في حي بحري في العاصمة السودانية حيث تم إحراق إطارات على الطريق المؤدي إلى مقر الرئاسة بحسب مراسل فرانس برس، كما شوهدت آليات عسكرية متمركزة أمام القصر. وأفاد شهود بقيام تظاهرات في منطقتي بورتسودان والقضارف (شرق) وفي عطبرة (250 كلم شمال شرق الخرطوم) حيث كانت انطلقت أولى التظاهرات قبل ان تتمدد بسرعة إلى العاصمة وكذلك إلى دارفور (غرب). وخلال جلسة لمجلس الأمن حول السودان ناشدت الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا السلطات السودانية احترام حق التظاهر، معتبرة أن مقتل متظاهرين أمر “غير مقبول”. ويقوم جهاز الأمن والمخابرات الوطني إجمالا بتفريق المتظاهرين. وذكرت منظمات غير حكومية أن أكثر من ألف شخص أوقفوا، بينهم قادة من المعارضة وناشطون وصحافيون. ودعا المنظمون، وعمادهم اتحاد المهنيين الذي يضم أطباء ومهندسين وأساتذة جامعات، المواطنين إلى “أسبوع انتفاض”. وتتم تعبئة المتظاهرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ “مدن_السودان_تنتفض”. والخميس قال المتحدث باسم التجمع محمد الأسباط خلال اتصال هاتفي معه من باريس “نحن نطالب المجتمع الدولي بحماية المتظاهرين السلميين في وقت نخشى لجوء السلطات إلى مزيد من العنف”. ومن جنيف أعربت رئيسة المفوضية العليا لحقوق الانسان ميشيل باشليه عن “قلقها البالغ” من “الاستخدام المفرط” للقوة. ويرى المحللون أن هذا التحرك الذي بدأ بسبب الاستياء من رفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف يشكل أكبر تحد للرئيس البشير منذ وصوله إلى السلطة في 1989 على أثر انقلاب دعمه الإسلاميون. ويردد المتظاهرون الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للتعبئة، هتافات “حرية عدالة سلام”، ويهتف بعضهم “الشعب يريد إسقاط النظام” شعار “الربيع العربي” الذي بدأ في 2011. بمعزل عن خفض الدعم للخبز، يواجه السودان وضعا اقتصاديا صعبا ويعاني من نقص حاد في العملات الأجنبية. ويعاني السكان من نقص دائم في المواد الغذائية والمحروقات في العاصمة والمدن الأخرى، بينما تشهد أسعار الأدوية وبعض المواد الغذائية ارتفاعا كبيرا في التضخم. وتعتبر الخرطوم أن واشنطن تقف وراء الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها. فقد فرضت الولاياتالمتحدة في 1997 حظرا قاسيا منع السودان من ممارسة أي نشاطات تجارية أو إبرام صفقات مالية على المستوى الدولي. ورفعت القيود في أكتوبر 2017. وكان البشير وصف المتظاهرين بأنه “عملاء” و”خونة”. والإثنين قال الرئيس السوداني أمام حشد كان يردد هتافات تدعوه إلى البقاء في السلطة، في نيالا، عاصمة جنوب دارفور قبل أيام، “الحكومة لن تغير بالمظاهرات والطريق واحد للحكومة”. وأضاف البشير (75 عاما) أن “صندوق الانتخابات الفاصل بيننا، صندوق الانتخابات والشعب من سيقرر من يحكمه في 2020”. وفي نظر معارضي النظام، يتحمل البشير مسؤولية سوء الإدارة الاقتصادية والإنفاق بلا حساب لتمويل مكافحة متمردي دارفور والمتمردين بالقرب من الحدود مع جنوب السودان. وكان السودان أكبر بلد في إفريقيا قبل انفصال جنوب السودان في 2011. وحرم هذا الانفصال اقتصاده من ثلاثة أرباع احتياطه النفطي والجزء الأكبر من عائدات الذهب الأسود. وبين 1964 و1985، أدت انتفاضات شعبية إلى سقوط النظام الحاكم خلال أيام. لكن هذه المرة، أمام الناشطين طريق طويل يجب قطعه، حسب المحللين. تقول الخبيرة في شؤون السودان ويلو بيريدج “حتى الآن، يبدو أن البشير لا زال يحظى بتأييد معظم قوات الأمن”. ورأت “مجموعة الأزمات الدولية” في تقرير أن حكم البشير يمكن أن يبقى رغم التظاهرات، مضيفة “لكن إذا تحقق ذلك، فسيكون لقاء استمرار التدهور الاقتصادي وغضب شعبي أكبر ومزيد من التظاهرات وقمع يزداد قسوة”.