أطلقت الشرطة السودانية الأحد الغاز المسيل للدموع على متظاهرين قبيل مسيرة مرتقبة نحو مبنى البرلمان في مدينة أم درمان، في وقت شدد فيه الرئيس عمر البشير على أن المتظاهرين الذين قتلوا في التظاهرات لم يسقطوا بأيدي أجهزة الأمن. ويشهد السودان منذ 19 ديسمبر احتجاجات دامية عقب قرار الحكومة رفع أسعار الخبز. وتصاعدت حدتها مذاك، لتتحو ل إلى تظاهرات واسعة ضد حكم البشير المستمر منذ ثلاثة عقود. ومع دخول الحركة الاحتجاجية شهرها الثاني الأحد، حاول مئات المتظاهرين التوجه نحو البرلمان في أمدرمان، لكن شرطة مكافحة الشغب سارعت إلى منعهم وأطلقت الغاز المسيل للدموع في اتجاههم وفق شهود. وقال الشهود إن المتظاهرين هتفوا “حر ية سلام عدالة”، وهو الشعار الرئيسي في الاحتجاجات، وكذلك “تسقط بس، تسقط بس”. في وقت متأخر الأحد، واصل سكان أم درمان التظاهر في ثلاث مناطق، وفق اتحاد المهنيين السودانيين الذي يقود الحركة الاحتجاجية. وقال الاتحاد الذي يمثل نقابات الأطباء والمعلمين والمهندسين في بيان “بعض المتظاهرين غابوا عن الوعي بسبب الغاز المسيل للدموع، بينما جرح البعض”، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل. وأضاف أن المحتج ين في أم درمان خططوا للتوجه إلى البرلمان لتقديم “مذكرة للنو اب” تدعو البشير إلى الاستقالة. وقال شهود إنه بالإضافة إلى أم درمان، نظم محتجون تظاهرات في منطقة بوري شرق العاصمة، وضاحية بحري الشمالية. وأشار شهود إلى أن تظاهرات خرجت في بلدة مدني في الوسط. وتفيد أرقام رسمية بأن 26 شخصا، بينهم عنصرا أمن، قتلوا منذ بدء الحركة الاحتجاجية في 19 ديسمبر. لكن منظمة العفو الدولية أشارت الأسبوع الماضي إلى أن حصيلة القتلى بلغت أكثر من أربعين. وشكلت هذه التظاهرات التحدي الأكبر للبشير الذي جاء إلى السلطة عام 1989 في انقلاب مدعوم من الإسلاميين. كما تأتي في وقت يعاني فيه السودان أزمة اقتصادية يغذيها نقص حاد في العملة الأجنبية وانكماش متصاعد أدى إلى مضاعفة أسعار الغذاء والدواء. وقادت شرطة مكافحة الشغب السودانية وجهاز الأمن والمخابرات الوطنية حملة خاطفة ضد الحركة الاحتجاجية التي شهدت اعتقال معارضين وناشطين وصحافيين منذ اندلاع التظاهرات. وأثار الرد العنيف للحكومة انتقادات دولية، وات همت منظمة العفو الدولية الأجهزة الأمنية السودانية باستخدام العنف ضد المتظاهرين. ورفض البشير في كلمة في بلدة الكريدة بولاية النيل الأبيض هذه الاتهامات، زاعما أن جماعات بين المتظاهرين تقف وراء عمليات القتل. وقال البشير في خطابه الذي نقله التلفزيون السوداني الرسمي “هناك بعض الأشخاص بين المتظاهرين يقومون بقتلهم”. وأضاف “آخر مثال على ذلك، هو الطبيب الذي قتل في بوري (في شرق الخرطوم). فقد قتل بسلاح لا يستخدمه الجيش أو جهاز الأمن أو الشرطة”. ولفت إلى أنه “قتل بواسطة شخص من بين المتظاهرين”. ولاحقا، قالت لجنة أطباء مرتبطة باتحاد المهنيين إن الطبيب قتل برصاص حي، من دون أن تحدد الجهة التي تقف وراء الطلقات النارية. وقالت سارة جاكسون نائبة مدير برنامج شرق أفريقيا في منظمة العفو الدولية الجمعة إنه “أمر مروع استمرار أجهزة الأمن السودانية في استخدام القو ة المميتة ضد المتظاهرين والذين يقدمون خدمات رئيسية كالأطباء”. وأفادت منظمة العفو الدولية عن تعرض منشآت طبية لهجمات متكررة من أجهزة الأمن. وقالت إن تلك الأجهزة أطلقت الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي داخل المستشفيات وضربت أطباء واعتقلتهم. وأشار اتحاد المهنيين إلى أن تظاهرات ستخرج ليل الثلاثاء في العاصمة وأم درمان. وأضاف أن مسيرات أخرى ستخرج الخميس “في كل البلدات والمدن السودانية سودانيات يجدن فرصة للمطالبة بحقوقهن انضمت أسيل عبدو (26 عاما) إلى حركة الاحتجاج ضد نظام الرئيس السوداني عمر البشير، وتقول إنها مهددة، ما يدفعها لمغادرة المنزل والاختباء من السلطات. وتضيف الشابة التي تواصلت معها وكالة فرانس برس عبر تطبيق “واتساب”، “سأواصل التظاهر حتى لو استدعت الإطاحة بالنظام سنوات”. وتتابع أن أجهزة الأمن هددتها بالتوقيف ما أجبرها على تغيير مكان إقامتها مرات عدة. وتكثفت منذ 19 ديسمبر 2018 التظاهرات في السودان إثر قرار الحكومة زيادة سعر الخبز ثلاث مرات في بلد يعيش ركودا اقتصاديا. وبحسب حصيلة رسمية، قتل 24 شخصا منذ بدء الاحتجاجات. غير أن منظمتي “هيومن رايتس ووتش” والعفو الدولية تقولان إن عدد الضحايا بلغ 40 قتيلا على الأقل. وبحسب محللين، فإن حركة الاحتجاج الحالية تشكل أكبر تحد يواجهه الرئيس البشير منذ توليه الحكم في 1989 إثر انقلاب عسكري دعمه الإسلاميون. وعلى غرار عبدو التي تثور من أجل حقوق المرأة في السودان، لا تدخر المتظاهرات جهدا للنضال ضد النظام السوداني. ومنذ شهر، تنزل مئات من السودانيات إلى الشارع ويصفرن ويصفقن ويزغردن. وهن يشاركن بشكل فاعل في الاحتجاجات، بحسب ما تظهر أشرطة الفيديو التي نقلتها وسائط التواصل الاجتماعي، إذ يمكن رؤيتهن بوضوح بين المحتجين يميزهن غطاء الرأس الذي لا يفارقهن. وتهتف النساء مع باقي المتظاهرين “سلم، حرية، عدل” أو “الثورة خيار الشعب”، متحديات الغاز المسيل للدموع. واختارت أخريات تأمين الشاي والعصير للمحتجين الذين يعبرون أحياءهن، بحسب شهود. وتقول أسيل عبدو “هذا النظام لديه أسوأ القوانين المكبلة للمرأة”، مضيفة “يمكن أن تتعرضي للتوقيف بسبب ارتداء سروال أو اذا لم يكن غطاء الرأس يغطي تماما الشعر”. ويقول ناشطون إن مئات من النساء حكم عليهن بالجلد بسبب قانون مثير للجدل ينص على غرامات باهظة وأحكام بالسجن. وبعد حملة استنكار عالمية، تم تحويل الحكم إلى السجن لمدة خمس سنوات. ولفتت حالة هذه الفتاة الأنظار إلى موضوع الزواج القسري في السودان والتطبيق التعسفي للقانون الإسلامي والتقاليد القبلية. ووفرت التظاهرات للسودانيات فرصة لإسماع صوتهن، بحسب عماد بدوي، الأم التي تشارك بانتظام في الاحتجاجات ضد الحكومة والتي تهتف بشعارات للمطالبة بالحرية. وتقول بدوي إن حلمها يتمثل في “رؤية نهاية التمييز بحق النساء”. وتشارك أسيل عبدو في التظاهرات أيضا احتجاجا على سياسة الحكومة في دارفور. وتقول الشابة التي تتحدر من هذه المنطقة الواقعة في غرب السودان “نظام البشير ارتكب أفظع الجرائم في دارفور”. ويشهد إقليم دارفور الشاسع منذ 2003 نزاعا بين القوات السودانية ومتمردين يتحدرون من أقليات إثنية ويرون أنه تم تهميشهم من نظام البشير. وخلف النزاع أكثر من 300 ألف قتيل و2,5 مليون نازح، بحسب الأممالمتحدة. والرئيس السوداني ملاحق منذ فترة بعيدة بمذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بتهمة جرائم إبادة وجرائم حرب في دارفور. وفي مسعى لإنهاء حالات الزواج القسري في السودان، أسست أسيل عبدو منظمة غير حكومية حظرتها السلطات على الفور، كما تؤكد. وتضيف “قالوا لي إن مكانك هو المطبخ وإنه علي غسل الأطباق”. ونجحت التظاهرات التي تجمع نساء ورجالا، أيضا في أن تشمل سودانيين من مختلف القبائل والإتنيات. ويقول بابكر محمد، المسؤول في منظمة إنسانية بواشنطن “رأيت في هذه التظاهرات مواطني يتجاوزون العنصرية المتأصلة في مجتمعنا”. ويضيف “المتظاهرون الذين يهتفون في الشوارع +كلنا دارفور+ يمنحوننا أملا بأن التغيير حتمي”. وترى بدوي أن هذا “التغيير” حان أوانه. “حتى ابني البالغ من العمر 11 عاما تفاجأ عندما علم أن الرئيس البشير يحكم البلاد منذ 30 عاما”. حشد عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الرغم من حملة قمع متواصلة في السودان، وجد معارضو الرئيس عمر البشير فرصة لإسماع صوتهم عبر الإنترنت، مستخدمين مواقع التواصل الاجتماعي لنشر دعوات إلى التظاهر في أنحاء مختلفة من البلاد وصور حول استخدام العنف من جانب قوات الأمن لكبح هذه التظاهرات. ويشهد السودان احتجاجات بدأت سلمية في عدد من مدنه في 19 ديسمبر بعد قرار الحكومة رفع سعر الخبز ثلاث مرات في بلد يعاني من ركود اقتصادي. إلا أن هذه التظاهرات السلمية تحولت إلى مواجهات مميتة بين المتظاهرين وقوات الأمن أدت إلى مطالبات بإسقاط الرئيس الذي يحكم البلاد منذ ثلاثة عقود. ويقول ناشط يبلغ من العمر 24 عاما لوكالة فرانس برس عبر تطبيق “واتساب”، إن “مواقع التواصل الاجتماعي مهمة للغاية من أجل الحراك”. وخلال الأسابيع الأربعة الماضية، قام الناشطون بتوثيق المواجهات وإغراق مواقع التواصل الاجتماعي بمقطع فيديو مصور يقولون فيه إنهم “يفضحون” حكومة البشير. وشهدت المدن الرئيسية في البلد العربي الواقع في شمال افريقيا احتجاجات شملت العاصمة ومدينتها الشقيقة أم درمان، ما يشكل، بالنسبة إلى محللين، أكبر تحد للبشير منذ بدء حكمه. ويقول المتظاهر البالغ من العمر 24 عاما، والذي لا يريد الكشف عن اسمه حرصا على أمنه، إنه يعرف بأمر التظاهرات عبر الإنترنت. ويؤكد أن الغضب من مقاطع الفيديو “الرهيبة” للمواجهات مع قوات الأمن يدفع الكثير من الناس إلى الخروج إلى الشوارع. ويظهر أحد المقاطع عربة تقدم على أنها تابعة للأمن السوداني تقوم بمطاردة المتظاهرين من أجل دهسهم، بينما تسمع أصوات طلقات نارية في الخلفية. ويظهر مقطع آخر أشخاصا يندفعون في محاولة لإزالة جثة أحد المتظاهرين المغطاة بالدماء بعد أن أطلقت عليه النيران. وتمت مشاهدة المقطعين مئات المرات وتقول السلطات إن 24 شخصا على الاقل قتلوا في الاشتباكات، بينما تقول منظمتا حقوق الإنسان “العفو الدولية” و”هيومان رايتس ووتش” إن عدد القتلى بلغ 40 شخصا، وتم اعتقال أكثر من ألف شخص. ويظهر شريط فيديو تم تداوله بشكل واسع أيضا على الإنترنت حشودا غاضبة تنادي إمام مسجد ليقود الاحتجاجات ضد البشير خلال صلاة الجمعة. ولم يتسن لفرانس برس التحقق بشكل مستقل من صحة ما نشر من مقاطع الفيديو. وتداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي صورا عديدة لما بدا ضربا يقوم به أفراد الأمن ضد المتظاهرين بالهراوات. ويقول ناشط آخر يقيم في الخرطوم “نحن شعب لا يرضى الظلم وما يتعرض له المتظاهرون من غاز مسيل للدموع أو رصاص حي هو ظلم واضح”. ورفض ذكر اسمه خوفا من التعرض لإجراء انتقامي. ويضيف “أي تظاهرة يحدث فيها انتهاك (من جانب الأمن) تتبعها عادة احتجاجات أكبر”. ويقود التظاهرات “اتحاد المهنيين” الذي يضم أطباء ومهندسين ومعلمين وأساتذة جامعات، ويعلن بانتظام عبر الإنترنت عن المسيرات مستخدما وسم #مدن_السودان_تنتفض و#تسقط_بس. وتقول المؤرخة البريطانية ويلو بيريدج الخبيرة في شؤون السودان والمحاضرة بجامعة نيوكاسل الانكليزية، إنه بفضل مواقع التواصل الاجتماعي، “تم التنبه إلى الانتفاضات في المدن الإقليمية بسرعة أكبر بكثير”. وتتابع أن هذا “كان له تأثير على ما يحدث في الخرطوم بسرعة أكبر بسبب الطبيعة المتغيرة للتكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي”. وبينما لا يبدو أن الاحتجاجات في طور الانحسار، يقول ناشطون ومحللون إن الحكومة السودانية تسعى إلى الحد من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. وأبلغ مستخدمو الإنترنت عن صعوبات تواجههم في الاتصال بمواقع مثل “فيسبوك” و”تويتر” و”واتساب” منذ الأيام الأولى للاحتجاجات. وهي ممارسة عادية بين الحكومات المتسلطة. وتدفع المخاوف من قطع الإنترنت الناشطين السودانيين إلى البحث عن بدائل، بينها استخدام خدمات الشبكة الافتراضية الخاصة (في بي ان) لتجاوز القيود. ويقول المحلل السوداني مجدي الجازولي من معهد “ريفت فالي”، “إن منع الاتصال بمواقع الإنترنت أثبت أنه مهزلة”. ويضيف “على الفور تقريبا، كان معظم مستخدمي الإنترنت السودانيين عبر الإنترنت من خلال في بي أن.” ويرى النشطاء أن تحرك الحكومة السودانية غير فعال. ويقول ناشط بالغ من العمر 25 عاما، إن رد فعل الحكومة “أعطى الناس إشارة بأنها خائفة”. ويتابع “لقد عزز روح الثورة في الناس، وأظهر أننا نسير على الطريق الصحيح”. فيما يعتقد الناشط الأول أن القيود المفروضة على وسائل الإعلام عبر الإنترنت “غير مجدية”، ولا تؤثر على التظاهرات. وصنف السودان في المرتبة 174 من أصل 180 في مؤشر حرية الصحافة العالمية من 2015 إلى 2018. في عام 2018 ، أقر السودان القانون الخاص بجرائم الإنترنت وتعديلات على قانون الإعلام ترى مجموعات حقوق الإنسان أنه يهدف إلى تشديد القيود على الإنترنت. ووفقا لتقرير صدر في نوفمبر عن مؤسسة “فريدوم هاوس” التي تتخذ من الولاياتالمتحدة مقرا لها ، فإن شخصا واحدا على الأقل قد سجن بسبب “تعليق ناقد على مواقع التواصل الاجتماعي” في السودان، واعتقلت السلطات “العديد من الصحافيين والنشطاء بسبب جرائم الإنترنت المزعومة”. لكن جيزولي يرى أن محاولات الحكومة لسحق المعارضة على الإنترنت كانت “بلا جدوى”. ويضيف أن “هذه الإجراءات عززت من الغضب الشعبي تجاه قيام الحكومة بفرض قيود أمنية على الإنترنت”.