ليست مأساة جرادة وليدة اليوم.. إنها مزمنة وقديمة.. يعرف مراراتها النقابيون الأصلاء والمناضلون والشباب الجميل الحالم من أزمنة الثمانينيات والتسعينيات. وقتها كانت زيارة المدينة العمالية وهي تقبل على تصفية مناجم الفحم فيها حجا حقيقيا واختبارا لقوى الديمقراطية. قلة من كان يجرؤ على القدوم إلى المدينة الواعية والمسيسة حتى النخاع.. عيون ادريس البصري كانت لا تنام. ….. وبرغم الوجوه الموشومة بالفحم.. كان أبناء المدينة؛ هناك في المغرب الشرقي يكتبون ملحمتهم؛ نشيدا وحياة يومية وحلما. لم تهزمهم الطبيعة ولا معالجات حكومات السمع والطاعة. ومن هناك كان يصدح صوت شريف في العمل النقابي وفي الحياة وفي الفن وفي الأغنية.. لم يكن القلب إلا ليخفق يسارا. …. هل انتهت المعاناة وجبر الضرر؟ الواقع يقول لا.. وينبهنا بقسوة إلى أن مشكلات ماضي البلاد لا تفتأ تفرخ في الحاضر كي تبيض مشكلات أقوى في المستقبل. ولن تكون جرادة إلا فصلا من فصول الدفاع عن حياة كريمة والحق في وطن للجميع.. للأغنياء وللفقراء.. للحاكمين والمحكومين. ولشرف المواطنة أيضا. ….. يقول متشائم: ليس هناك ما يفعل؟ تقول الحكومة: الزموا النظام. يهتف ابن المنطقة: نريد خبزا وزيتونا.. نريد بعضا من كرامة. السياسي يعلل ويؤجل الحل، أو ليس في جعبته.. الأمني يرغب بالهدوء.. المواطن يصرخ.. فحين تكون في غرفة مليئة بالصراخ لا يسعك إلا أن تصرخ. …. يذهب البرلماني الشاب عمر بلافربج إلى المدينة.. يمشي في الشارع لساعات.. ينصت ويجيب ويحاول أن يفهم.. ثم يكون خلاصته: هناك تفاوت طبقي وسوء توزيع للثروة. الوقت لا يسعفه كي يبقى بين الناس..هناك.. ربما لا يستطيع أو ليس مطلوبا منه ذلك.. هو كون الخلاصة وفضيلته أنه ذهب إلى هناك. …. ماذا لو ذهب غيره من الشباب في البرلمان.. من كل الحساسيات والأحزاب. أليس ذلك فرصة لكسر الصمت واجتراح دواء جديد لمشكلات المغرب، اسمه: التضامن.. والعزاء في التضامن. ان ذلك هو الحل السحري في انتظار عودة الرشد إلى السياسات العمومية.. وهو يعني رسالة واحدة: لقد عجز المسير وفشل حيث يجب أن ينجح. …. سلسلة طويلة من زيارات التضامن.. إلى كل المغرب الهامشي؛ سياسيون شباب ومثقفون وباحثون وأصحاب خير.. عسى أن ينزاح قليل من السواد ونرسم ولو فرحة مؤقتة: بأننا جميعا هنا في هذه السفينة.. ولا مهرب لنا أو وطنا بديلا.