يُشكل النقد مسألة عقلية ومنطقية يُمارسه من يمتلك حصافة الفكر بعمق المعنى حاملا معه معاول الحفر غير آبهٍ بخطورة المسالك التي يعبرها، غير أن النقد أساسا يتوجه إلى النص المكتوب أو المادة كيفما كانت طبيعتها لتبيان ضُعفها الحجاجي وسندها العقلي والمنطقي والإتيان بنقيضها مُعززا ذلك بالقوة الحجاجية الدامغة ليحمل من يتلقى خطابه على الإقناع. وليس في الأمر عيبا أن يسلك الناقد طريقه مُستندا إلى القوة المعرفية في المجال الذي يطرقه مستعينا بأبلغ الحجج داعما تصوره الفكري ليفكك المادة موضوع نقده، عبر تقليب القضايا وفحصها فحصا شاملا، لينتهي في الأخير إلى عصارة فكرية تدحض سفاسف الأمور والقشور. لكن عندما يصير النقد مسألة تثير المساس بالأشخاص وكرامتهم دونما أفكارهم، فإن هذا النقد يتحول إلى سيف على رقاب من ادعى النقد، وهنا أستحضر مقولة شهيرة للسوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو، يقول فيها: " إن الكتابة كيفما كانت طبيعتها، فهي في الأساس تُشكل موضوعاً للنقد، شريطة أن يكون هذا النقد موضوعيا." وعليه، يصبح النقد تطويرا للكتابة من حيث هي إنتاج للمعنى، ولا لتداول المواضيع وكفى. فالفلسفة في حد ذاتها، لم تعرف تطورا وغزارة في الإنتاج الفكري إلا لأن تاريخها انبنى على النقد الفلسفي أساسا. وإن لم يُمارس الفلاسفة الحس النقدي لما وصلتنا هذه المتون على كثرتها. إن النقد يتطور معه الفكر بل يضحى فكر الفكر بتعبير هيجل.