الذئب المعتزل في شعف الجبال وفي البراري وفي التلال والصحاري، عواؤه المهيب الذي ترتجف منه الغنم والمعز في المراعي وتنكمش إلى بعضها، حيث يشم أنفاسها ويقرأ شيفرتها، فأنفه خبير بلغة نسمات الرياح التي تحكي له كل ما صادفها، لا يأكل الجيفة لأنه من السباع ومن سلالة الملوك، يتزوج الذئب من ذئبة واحدة مدى الحياة ولا يخونها، كذلك الذئبة لا تجد في غيره بديلاً، وهو يعرف أبناءه فهم يُخلقون من أم واحدة وأب واحد، وإذا مات أحدهما بقي الآخر في حداد لأشهر وربما يموت حزناً وكمَداً… ومجتمع الذئاب مجتمع رحيم يحمي قطيعه، ويدبّر معاشه، فقطيعه الصغير يحكمه الأبوان معاً، ولا تتنافس فيه الذئاب، وإذا بلغ أحد أولاده مبلغ النضج، خرج من القطيع واتخذ له حِماه، ولم يتّخذ صاحبة له من محارمه كما تفعل كثير من الحيوانات البليدة، وهو يصيد مفرداً وفي جماعة، ويحافظ على تقليد العائلة العريق، لا يخرج عنه، وهو شريف المأكل، لا يتناول جيفة، كما لا يأكل صغار الصيد إذا اصطاد عائلهم، بل إنه يضع لهم بعض اللحم قبل أن يغادر، والذئب مرضي وشديد البر بوالديه، يأتيهما بالصيد، ويقطع لهما ليأكلا إذا عجزا عن الصيد والمطاردة… والذئب لا يغدر ولكنه يمشي على طبعه الذي نشأ عليه لا يخالفه إلى غيره، إذ هو بري وحشي لا يألف البشر، ولا يحب الخضوع لهم، وإن مرّ به بشري وهو عاجز استغاث بإخوانه الذئاب فنفَروا له مجيبين، ولم يفعل فعل الأسد أو النمر الذي لا يبالي في حال عجزه بمرور البشر قربه، ولا ينفر أصحابه لإغاثته، وإذا هاجم ذئب قوي فرداً في القطيع انحنى له صاحبه، فيحتمي به ويحميه من عضة الذئب المهاجم، وإذا احتنَك المرءُ، وبلغَ العقلَ، فلابد أن يستعير حياة "أوس وأويس" الذي هو الذئب ليعيش في أمن واستغناء، سبحان من غرس فيه هذه الفطرة وعلمه هذه الصفات النبيلة التي أصبحنا نفتقدها في بني البشر، صفات البر بالوالدين وعزة النفس والوفاء والإخلاص.