ظلت لوتا و يولي تجوبان الغابات بولاية سكسونيا الألمانية والمناطق المجاورة لها بحثا عن فريسة، وذلك على مدى ستة أشهر حتى الآن. أما لوتا، وهي ذئبة بالغة، فقد جابت نحو 200 كيلومتر مربع من الغابات، بينما تجولت يولي التي لم يتجاوز عمرها عاما، أكثر من نصف هذه المساحة بقليل. تقول الباحثة الألمانية إيلكا راينهارت، المتخصصة في حياة الذئاب: "لازلنا لا نعرف حتى الآن ما إذا كانت لوتا و يولي أما وابنة أم عمة وابنة أخت". تم تزويد الأنثيين بأجهزة تتبع، وذلك بعد أن قررت ولاية سكسونيا استئناف برامج تتبع الذئاب في الولاية بعد فترة من الانقطاع. تتبعت الأقمار الاصطناعية الذئبتين في رحلاتهما التي أخذتهما إلى أماكن بعيدة وصلت إلى بيلاروسيا (روسياالبيضاء) والدنمارك. رغم أن الذئاب تفضل تجنب البشر، إلا أنه تم رصد الذئبة يولي تتجول في أطراف مدينة كوتبوس الألمانية. تعتقد الباحثة راينهارد أن يولي ربما كانت بصدد تأسيس أسرة، "والمشكلة هي أنها بحاجة إلى أرض"، حسب راينهارد، الباحثة في معهد لوبوس الألمانية. تتوقع راينهارد أن تتزايد أعداد الذئاب كلما وجدت أرضا ومناخا مناسبين. تتجه أعداد الذئاب للاستقرار بمجرد أن تستتب الأحوال للحيوانات و"تتشبع" المنطقة التي تعيش بها الذئاب بأعداد من هذه الحيوانات المفترسة". كانت ولاية سكسونيا أول ولاية من بين الولايات الألمانية ال 16 يتم رصد أشبال ذئاب بها، وذلك بعد 96 عاما من بدء إطلاق النار على آخر نوع من الذئاب في المنطقة. ومنذ ذلك الحين بدأت الذئاب في الانتشار شمالا وغربا، باتجاه ولاية براندنبورج وولاية سكسونيا السفلى، مستفيدة من تمتعها بوضع الحماية. ولا يزال انتشار الذئاب يتم ببطء باتجاه المناطق المرتفعة في الجنوب، بما في ذلك جبال الألب. تؤكد راينهارت أن بعض الخبراء يعتقدون أن الذئاب التي تعيش في السهول تحجم عن الانتقال الجبال، رغم أن ذلك يظل مجرد نظرية. ولكن الذئاب ستواصل الانتشار، حتى في أوقات التغير المناخي، حيث إن الذئاب تتمتع بقدرة كبيرة على التكيف مع الظروف المحيطة، حسبما توضح الخبيرة الألمانية. لم يكن وضع الحماية الذي تتمتع به الذئاب هو وحده الذي أدى إلى أن تستطيع هذه الحيوانات الانتشار في ألمانيا بلا عائق. رغم أن عودة الذئاب للانتشار في ألمانيا يسر حماة الطبيعة إلا أنه يثير غضب أصحاب الماشية هناك، وذلك لأن تزايد أعداد الذئاب يعني تزايد أعداد الأغنام والماعز والأبقار التي تفترسها الذئاب. وفقا لبيانات المكتب الألماني لمراقبة الذئاب فإن عام 2018 شهد 639 هجمة من قبل الذئاب على الماشية، قتل خلالها أو جرح 2067 من هذه الحيوانات، مقارنة ب 472 هجمة عام 2017 جرح فيها أو قتل 1667 حيوانا، و 285 هجمة عام 2016 تسببت في مقتل أو إصابة ما يصل إلى 1079 حيوانا. ولكن ليست هناك علاقة بالضرورة، "فقد أظهرت مقارنة للأضرار التي لحقت بالماشية في عدد من الدول الأوروبية أن حجم الأضرار في الماشية لا يتوقف على حجم الذئاب في بلد ما ولا على عدد حيوانات الماشية"، حسبما أكد المكتب الألماني لمراقبة الذئاب في تقرير حديث له، مشيرا إلى أن الأمر الحاسم في ذلك هو مدى حماية الأغنام والماعز من هجمات الذئاب، "وهو التحليل الذي أكدته تجارب أصحاب الماشية في ألمانيا"، حسب المكتب. وفقا للمكتب الذي يوثق اعتداءات الذئاب على الماشية اعتمادا على بلاغات أصحاب الماشية فإن أكثر الهجمات التي تقوم بها الذئاب ضد الماشية تقع في المناطق التي تنتقل إليها الذئاب حديثا وتعيش بها، أي قبل أن يلتفت أصحاب الماشية إلى وجود الذئاب، "وغالبا ما تتراجع الأضرار في هذه المناطق عندما يطبق أصحاب الحيوانات إجراءات حماية قطعانهم بشكل صحيح". عندما تهاجم الذئاب قطيعا من الماشية فإن ذلك يتسبب غالبا في مذبحة، تماما كما حدث في خريف عام 2018، عندما هاجمت عدة ذئاب بالقرب من مدينة فورستجين شرق ولاية سكسونيا، قطيعا من الأغنام والماعز وقتلت 40 حيوانا. يقول مكتب ولاية سكسونيا لرصد أنشطة الذئاب في الولاية إن هذا التصرف من جانب الذئاب معروف عنها في أماكن أخرى، وإن الذئاب لا تستطيع قتل أكثر من حيوان عندما تهاجم حيوان اليحمور الأوروبي "الغزال" في المساحات المفتوحة، "حيث تستغل الذئاب فرصة وجود الأغنام في سياج وتقتل منها أكثر مما تستطيع التهامه وقت الهجوم". تعتبر الخسائر في الماشية السبب الحقيقي للصراع بين الإنسان والذئاب، حيث إنه من غير المحتمل كثيرا أن يهاجم الذئب الإنسان، والسبب بسيط: وهو أن البشر ليسوا ضمن قائمة فرائس الذئب. ضل أحد الذئاب طريقه، يوم الاثنين الموافق 30 من دجنبر الماضي إلى فناء أحد المنازل بمدينة جورليتس الألمانية، وشوهد هناك نهارا، وتم الإمساك به فيما بعد. ربما أصبح الأمر صعبا على الذئاب مستقبلا بقوة القانون، حيث قرر البرلمان الألماني قبيل أعياد الميلاد الماضية تسهيل عملية صيد الذئاب بهدف حماية الأغنام وغيرها من الماشية. وسيكون من الممكن في ألمانيا إطلاق النار على الذئاب مستقبلا أيضا، إذا لم يكن من الواضح أي الذئاب هو الذي اعتدى على قطيع الماشية، وسيسمح القانون بالاستمرار في إطلاق النار على الذئاب في منطقة ما إلى أن تتوقف هجمات الذئاب على الماشية في هذه المنطقة، حتى وإن اقتضى ذلك قتل جميع أفراد قطيع الذئاب.