اليهود المغاربة في صميم الحضارة المغربية التي ميزت الشعب المغربي عن بقية الشعوب العربية لم يستطع أي رافد من روافد الثقافة المغربية أن يؤثر في حضارة الشعب المغربي قدر تأثير الثقافة العبرية التي بصمت بقوة على كثير من مظاهر حياة الشعب المغربي وفنون عيشه قبل اتساع مساحة المثاقفة وهيمنة الحضارة الغربية. كان للمغرب اتصال قديم بأقوام وشعوب وحضارات، بل سادت فيه منذ الأزل ديانات ومعتقدات وما يزال وفيا لتاريخه في القبول بالآخر وبالتعايش مع ثقافاته، متفاعلا ومنفعلا يؤهله في ذلك موقعه الجغرافي والصهرة الاثنية لشعبه. غير أن الوجود اليهودي في المغرب مكن الهوية المغربية من مقومات أوسع في الثقافتين الأندلسية والمتوسطية إن في الفن أو الصناعات الحرفية والمعمار أو اللباس والمطبخ، أو في بعض العادات والطقوس التعبدية والاحتفالية وفي التجارة والبيع. ووجد اليهود سواء الذين أدركهم الاسلام في المغرب أو الذين هاجروا اليه الهجرات المتتالية بعد سقوط الاندلس ثم خلال محنتهم مع النازية، ما استشعروا به الطمأنينة ليتخلصوا من وزر سنين العبور ويحطوا الرحال بما حملوا. حمولة اليهود ما كانت ثقافة عبرية خالصة ولكنها، كانت مزيجا من ثقافات عدة صقلها اليهود بمهارة وحذق ليتعيشوا من ممارسة بعض فنونها وصنائعها في بلدان الاستقبال ومنها المغرب الذي شجع لدى اليهود المغاربة روح الابداع والابتكار والعمل والتفاعل أيضا، بقيم التعايش والتسامح التي بلغت أحيانا درجة الانصهار. انصهرت الثقافة العبرية في الثقافة المغربية تلقائيا كما انصهر يهود ومسلمون في علاقات أسرية بالتزاوج والمصاهرة وإثر ذلك ارتد كثير من اليهود عن ملة موسى وكاد يُظَنُّ كثير من المسلمين للمخالطة والمعاشرة في (الملاح) أنهم يهود. بدا تأثير الثقافة العبرية وبصمةُ اليهود المغاربة واضحا وقويا في عدد من مناحي الحياة التي ميزت الشعب المغربي في ثقافته وحضارته عن شعوب الجوار قليلا في الجزائر وتونس وببوْنٍ شاسع عن شعوب البلاد العربية من ليبيا الى الخليج. المغاربة يلبسون بتنوع وتعدد ويأكلون بغنى وثراء، ويؤثتون بأناقة ورقي ويسكنون الرياض والقصور ويَشْدون بميازين الطبوع والصنائع طول أوقات الليل والنهار، يستمتعون في كل ذلك بفن العيش لأنهم ورثوا حضارة غرناطة ودمشق وبغداد وشرق المتوسط وصقلية ولأنهم حضنوا اليهود عندما نبذهم كل العالم. المغرب أيقونة لحوار الثقافات، حضن كبير وزخم وفير لمظاهر ثقافية متعايشة ومتحدة ومنصهرة في وحدة حضارية أصبحت بلا لون أوجنس، غير أنها وفية لأصولها كما أقرها الدستور عربية اسلامية أمازيغية صحراوية حسانية إفريقية أندلسية عبرية متوسطية. ويتجلى هذا التنوع والغنى الثقافي للحضارة المغربية في عدة مظاهر من فن العيش والطقوس والعادات وتقاليد الناس من خلال التأثير العبري لليهود المغاربة. ومن خلال ذاكرة الناس والأشياء يبرز ثراء الثقافة المغربية في اللباس والمطبخ والصياغة والحلي والعادات والتقاليد وطقوس التعبد والتقرب والغناء والموسيقى، وفي الاحتفالات والمآثم والصنائع والحرف وفي السياسة والحكم... ما كان لليهود المغاربة فيه حضور وكان ذا اثر للفخار يُذكر. الزي المغربي التقليدي استوحي تفصيلاته من لباس الأحبار اليهود والرهبان المسيحيين مهارة اليهود المغاربة جعلت اللباس المغربي يتربع على قمة أناقة الزي التقليدي في العالم يتميز الزي المغربي التقليدي بتنوعه وغناه في تفصيلاته وما يزخر به من تطريز وتوشيات يتساوى في ذلك ما يلبسه الرجال وما تكتسي به النساء. وينفرد الزي المغربي بخصوصيات مشهودة نتيجة عوامل كثيرة وثقافات متعددة في مقدمتها الثقافة العبرية التي تعتبر رافدا من روافد الهوية الوطنية للمغرب جعلته يتربع على عرش أناقة الزي التقليدي في العالم. وأغنت الثقافة العبرية الزي المغربي من خلال مهارة اليهود المغاربة واتقانهم للصناعة المرتبطة بمكونات هذا الزي لاسيما الجلباب والقفطان الذي تخصص اليهود في إبداع ياقته والانشوطة التي تتدلى من الياقة في (التحتية) التي يلبس فوقها القفطان. الديباج والخمائل صناعة اليهود المغاربة وكان اليهود المغاربة يصنعون الى وقت قريب السفيفة التي تحيط بطوق القفطان المغربي وتنسدل على امتداد الطول عند الصدر وحتى القدمين معقودة سوى عند الساقين. كما أنهم تخصصوا في فن التطريز والتوشية لهذه السفيفة بخيوط السبائك الذهبية والفضية التي يتولى حرفيون مسلمون خياطتها على تفصيلات قماش من الحرير المستورد من الهند وكشمير غالبا. وارتبطت صناعة السفيفة بصناعة الخمائل والمجدول وهي ضفائر خيوط الحرير التي كان النساء يربطن بها أكمام القفطان الى الأدرع بعملية شد وثاق المجدول بين الكتفين كما كن أحيانا يشددن به الحزام. واستعملت الخميلة كأنشوطة في التحتية التي كان يلبسها الرجال وهي مجدول يتدلى من الياقة الى الصدر يؤدي جذبه ناحية الاسفل الى إحكام ربط الياقة على العنق. ونشط اليهود المغاربة في صناعة مكونات الزي المغربي التقليدي والتجارة في مواده خيطا وسبائك وقماشا أيضاً حتى أصبحت أحياء الملاح في المدن المغربية أسواقا رائجة لهذه السلع دون غيرها وتعاطى إثر ذلك النسوة اليهوديات الى حرفة الخياطة التي كانت تتأفف منها النساء المسلمات بل كانت الخياطة ممجوجة لدى المجتمعات العربية بصفة عامة ومارسها اليهود. غير أنه سرعانما طفقت أسر مسلمة تنافس اليهود المغاربة في صناعة الزي المغربي دون ذاك الذي اختصت به البادية المغربية من نسيج الصوف وحياكة الوبر وذلك من خلال جيل من بنات العصر اللواتي اختلفن الى بيوت اليهوديات لتعلم أصول الطرز والتوشية وفنونهما ثم ما لبثن أن اكتسبن الصنعة وتفنن فيها وأبدعن. مسلمو الرباط يُوَرِّثون مدينتَهم فنون الطرز والتوشية وما يزال نوع من الطرز (الطرز الرباطي) يحمل صفة الرباط التي كانت محطة أفواج اليهود الأندلسيين عقب سقوط غرناطة أواخر القرن الخامس عشرة الميلادي ولما يسلموا حتى دارت عليهم دهور تطبعت الرباط ببعض طباعهم وحتى قال المغاربة عن سكانها (مسلمو الرباط) كناية عن أصول بعض العائلات التي كانت في أصلها الاندلسي يهودية وأسلمت في الرباط بعد زمن عن التهجير والترحيل من الفردوس المفقود. ورثت الرباط كغيرها من المدن المغربية التي استوطنها اليهود او نشأوا فيها كثيرا من الصنائع والعادات وفنون العيش من الثقافة العبرية المتفاعلة مع غيرها من الثقافات سواء في شرق المتوسط او في الاندلس. واشتهرت مدن مغربية دون غيرها بصنائع تتعلق بالزي المغربي التقليدي المديني تحديدا بقدر حجم اليهود المغاربة وكتلتهم من بين ساكنتها كأزرو وفاس ومراكشوالرباط ومكناس وصفرو والجديدة وأسفي والصويرة. وحملت أسر وعائلات أسماء ترتبط بهذه الصنائع ومنها عائلات أسلمت وقد كانت يهودية في أغلب الظن ك"الصقلي" و"الكوهن الصقلي" و "الحرار" وغيرها. يؤكد السيد جاكي كادوش رئيس رابطة اليهود المغاربة في جهة مراكش-أسفي أن "الكوهن" لفظ عبري ومعناه الكاهن والمقصود به الحَبْر و"الصقلي" أي الذهبي ويحاول إيجاد علاقة بين الصفتين في ارتباطها بمدى تأثير الثقافة العبرية في الزي المغربي فيشير الى أن للحبر اليهودي الاعظم (كوهين هاكادول) لباسا مخصوصا مذكورا بتفاصيله في الكتاب المقدس (التوراة) يكون مطرزا بالديباج ومميزا بصدرية موشاة بالجواهر واللآلئ والأحجار الكريمة. ويعدد السيد كادوش صفات هذا اللباس الديني (المقدس) وأنواعه والذي ربما استوحى الزي المغربي نماذج منه لاسيما وأن التاريخ يحدثنا عن أن المرأة والرجل كانا معا يلبسان نفس الزي بل إن الزوجة كانت تستعير في المناسبات الاحتفالية قفطان زوجها للظهور به في الاعراس. قيم التعايش تستوحي الزي المغربي من لباس الأحبار والرهبان فلكأنما الجلباب والقفطان و"البدعية" و"التحتية" و"التشامير" و"الجبادور" و"الصدرية" و"السلهام" البرنس نماذج من الزي استوحت تفصيلاتها من لباس الأحبار اليهود ثم بعدهم الكهنة والرهبان المسيحيين حافظ المغاربة على أصولها مع التغييرات التي طالتها بفعل التطور والمعاصرة دون المساس بجوهر الجمالية والأناقة التي تميزها. إن الاعتراف بهذا الاستيحاء اعتراف آخر بالتلاقح الحضاري للثقافة المغربية وحوارها المنفعل والمتفاعل دون تعصب مع كل الثقافات بقيم طبعتها روح التسامح والتعايش. تشابه الطقوس ووحدة العادات في المزارات عند المغاربة مهما اختلفت دياناتهم تأثر المسلمين في المغرب بطقوس وعادات مواطنيهم اليهود في التبرك بالأضرحة وإحياء الطقوس التعبدية تواتر المغاربة على زيارة الأضرحة وإقامة المواسم وإحياء عدد من الطقوس التعبدية في حرم الأولياء يتساوى في ذلك المسلمون واليهود. وأضحى مألوفا لديهم إقامة عدد من الشعائر بطقوس تختلف من منطقة الى منطقة ومن فئة الى فئة ولكنها تتوحد في الأهداف التي من أجلها تقام هذه الشعائر وهي في الغالب رجاء التوبة والاستغفار والتماس البركات وطلب الشفاء من الامراض والعاهات التي تبدو مستعصية على الطب والعلوم. إحرام الرهبة والجلال في موسم الحجيج الى الأضرحة ويؤم المغاربة أضرحة الأولياء الذين يبلغون في تبجيلهم درجة التقديس حتى إنهم لا يشعرون بمخالفة الشريعة عندما يقسمون بأسمائهم ويحلفون بها، في حلل من الرهبة والجلال متهيبين خاشعين أذلة بالتوسل والاستعطاف لما يقصدون عليه (الربي) في تسمية اليهود، و(الولي الصالح/الشيخ) في تسمية المسلمين. ولا تكاد تخلو منطقة في المغرب من قبور يقصدها المغاربة للتبرك والاستغفار والتداوي، ولا تكاد تخفى هذه الرموس التي شيدت عليها قباب وأبنية تميزها عن غيرها وأحيطت غالبيتها بأسواق وبيوت وشيدت في محيطها أحيانا قرى ودواوير بل أحياء ومدن ربما سميت بأسماء دفينها. يأتي المغاربة الى الأضرحة محملين بالقرابين وبالشموع وبالأضاحي يختلفون اليها مثقلين بأعباء تنوء بها الجبال وما يخرجون الا وقد حطوا من عليهم الأوزار مغتسلين من "ذنوبهم" و "آثامهم" بالدموع المنهمرة في حضرة الجذبة أو لهج الترتيل وصخب الترانيم ودوخة الطواف على التابوث أو بالهزات والرجات تحت عصا "الصرع" من الجن والشياطين. واعتاد المسلمون على هذا الفعل وإن خالف الشريعة في دينهم بل إنهم تعودوا تنظيم مواسم الحج الى كثير من أوليائهم في أيام معدودات على غرار ما يفعله مواطنوهم اليهود في "الهيلولة" وهي أيام الحج الى "الربيين" الذين يتبركون بأرواحهم في ليالي إيقاد الشموع والنيران لطلب التوبة والغفران وإساحة دم الاضاحي تزلفا وقربانا. رسالة الشمع الى الأرواح تحت القبور لليهود المغاربة عادات في زيارة قبور أوليائهم وتقديسهم والتبرك منهم، يحجون الى أضرحتهم من كل فج عميق يصطحبون عائلاتهم وأبناءهم يستغفرون بالدموع والنحيب مبتهلين ضارعين في خشوع يلفه سكون الليل الذي تضيئ بهيمَهُ باهتاً شموعٌ في كل كف وفي كل ركن ومكان كَدَيْرِ الرهبان. وكذلك المسلمون عندما يزورون أضرحة صلحائهم يزورونهم ب"الضوء" وهي شمع في اليد يدلفون به قِبَلَ القبر يضعونه عند رأس الدفين أو يوقدونه ولو نهارا في زاوية من المكان أو يسلمونه للحفيد "الحفيظ" وهو أحد "الشرفاء" من أحفاد او أسباط الولي يكون قَيِّما على ضريح جده يُحَصِّل ما جادت به أَرْيَحِيَّةُ الزوار تبركا وتقربا. يفسر السيد جاكي كادوش رئيس رابطة اليهود المغاربة في جهة مراكش-أسفي، ظاهرة زيارة أضرحة الأولياء بالشموع "الضو" في ما تعودت عليه الطائفة اليهودية بالروح الخالدة والجسد الفاني معتبرا النور روحا والشمع جسدا يفنى باللهب لِتَخْلُدَ الروح. ويقول كادوش إن اليهود يوقدون الشموع على قبور أوليائهم ليجددوا الوفاء لهم ويؤكدوا لأرواحهم أنها ما تزال خالدة في ذكراهم باقية مع الأحياء في دُناهم ما بقي نور الشموع يبدد الظلمة وينير البهيم ويضيء الحياة التي يفنى فيها الجسد كما تذوب الشمعة وتخلد الروح كما يشع نور الشمع وتضيء النار التي تأكل الحطب وتحيله رمادا. من عادات اليهود كثير ما تعود عليها المسلمون وإن نهى عليه دينهم، فقد سبق اليهودُ الى المغرب الاسلامَ وجرت عاداتهم مجرى العبادة لدى المغاربة قبل الفتح وحتى إذ أسلموا تطبعت معتقداتهم بتقديس الكرامات التي لايشكون أن الله سبحانه هو الذي أودعها بسر من أحد أسراره واحدا من خلقه أو أكثر، ثم رسخ التصوف واعتقاداتُ الصوفية لدى المغاربة هذه القيمةَ التي اصْطَفَتِ الْأَولياء الصلحاء اصطفاءا تعدد بشأنه الكلام. "الهيلولة" وحتى للمسلمين "هيلولة" ما يزال اليهود مخلصون في "الهيلولة" للقرابين بالذبائح والاموال وكذلك المسلمون الذين يتقربون ب"الوعدة" وهي الذبيحة أو الهدية التي يلتزم بها "الحاج" المتوسل حاجته لدى وليه إذا ما أوتي سؤله في زواج متعثر أو عُسْرِ قضاءِ حاجةٍ أو فسخ من سحر أو انسلاخ من عين أو ارتقاء درجة وتولية منصب او شفاء من علة ومرض او غيره. في "الهيلولة" يقيم اليهود المغاربة مزادات للشموع. مبلغ المزاد للشمعة -وقد يصل ملايين- يكشف لصاحبها حظه ومكانته في المزار وقبول الطاعة والنسك لدى "الربي" ويفتح له أفق السعد في الحياة بين "الحجين" اي موسم الهيلولة للعام الجاري والهيلولة للعام المقبل، وتخصص مبالغ المزادات للصدقة على فقراء اليهود عندما كان اليهود في المغرب بالآلاف وقبل أن ينحسر في بعض مئات لكن هذه المبالغ تدفع اليوم لأجل صيانة وترميم أضرحة "الربيين" التي تفوق أعدادها عدد أفراد الطائفة المقيمة. وعند المغاربة المسلمين تقام المزادات لنفس الغرض ولذات النية، يأتي المسلمون ب"الخبزة" غالبا ويعرضونها في مزاد يوما على الاقل في الاسبوع أربعاء أو سبت يرتفع السعر أو يقل لكنه يبدد شيئا من ثقل النفس المهمومة المنشغلة عن حاضرها بالمستقبل التواق الى غد أفضل بحياة أسعد شق نيل مطلبها غُلْبا فسعت النفس الى مطلبها زُلفا. يفتتح سعر المزاد في أضرحة الأولياء المسلمين على تراتيل الوِرد وآيات من القرءان الكريم ويختم بالدعاء الصالح، وتوزع مداخيل المزاد على الحفظة او الأحفاد أو المريدين وليس لصاحب "الخبزة" غير ما ناله من علم حظوظه في الدنيا إن كان له حظ، وما تزودت به روحه من اطمئنان أن سوقه ما تزال رائجة. يختلف المغاربة المسلمون عن مواطنيهم اليهود في ما يتعلق بذبائح القرابين أن اليهود لا يبرحون الأضرحة حتى يتزودوا من الايمان ومن الطعام، يرتلون ويبتهلون باكين شاكين ضارعين متوسلين يذكرون ويتذكرون حتى إذا فرغوا انصرفوا الى الاكل والشرب في لهو وقصف ورقص ثَمِلين منتشين متواددين في دعة وسكينة غير مبالين ولا آبهين لا يأخذون معهم ما جلبوه وإياهم فيما لا يأكل المسلم الزائر (الحاج) من ذبيحة قربانه شِرْكة لحم ولا يأخذ منه شيئا الى بيته. لحم الذبيحة كله يوزع على مَنْ في الضريح فقراء ومساكين وذوي الحاجة. وحدها المواسم في حرم الاولياء والصلحاء بالمغرب التي تكون مرتعا للأكل والشرب والحفلات ويجد فيها كل ذي بغية بغيته، هي "هيلولة" بطابع آخر لا يلغي فيها الجانب التعبدي "الديني" الطقوس الاحتفالية ب"التبوريدة" و "الشيخات" و"اعبيدات الرمى" على موائد الشواء من ذبائح الغنم وأطباق الدسم وفواكه الصيف مع تناول كل محظور. هنا المغرب: مساجد وكنائس وبيع للجوار وليس لِمُدَّعٍ ان يزعم أن ظاهرة زيارة الأولياء والأضرحة لدى المسلمين في المغرب إرْثٌ يهودي ولكن العادات والطقوس متشابهة وتكاد تكون واحدة في المزارات عند المغاربة مهما اختلفت دياناتهم. ولا غرو، إن كان في المغرب أضرحة يزورها كل من المسلمين واليهود معا بل إن من بين الأولياء صلحاء يهود يلتمس لديهم المسلمون المغاربة البركات كما يحدث الخلاف في ديانات بعض الأولياء الذين تدعي كل طائفة نسبتهم اليها. هذا هو المغرب وهذا هو شعبه الذي ربما فرقته الديانة ولكن وحدته القيم بتسامح وتعايش في تساكن دائم بين مسلميه ويهوده وأهل الذمة من النصارى المقيمين على أرضه التي تتجاور فيها المساجد والبيع والدير. إن المغاربة لا يشركون بالله إذ يزورون أولياءهم من الصلحاء في قبورهم ولكنهم باحثون عن فسحة أمل في ضيق العيش يتوجهون بلا واسطة الى خالقهم وحده الذي بيده الرزق ويقدر في حَرَمٍ دَرَجَ في ثقافة المغرب القديمة أن دفينه مولى حاجة ولتلك الحاجة يولي المغاربة القبلة ولا يولونها للدفين الميت المنقطع عمله. الصياغة صناعة اليهود المغاربة بامتياز اليهود ساهموا في أناقة المرأة المغربية وفي تأثيت بيتها بالأواني الفضية والنقوش العبرية اشتهر اليهود المغاربة في بلادهم بالحذق والمهارة في صنع الحلي والجواهر وصياغة الذهب والفضة وكانوا لهذا السبب في صميم كل بيت مغربي وكانت لهم علاقات وطيدة بنساء الأسر اللواتي يعتنين بزينتهن ويحرصن على الظهور بأجمل صورهن. وكانت الصواني والأواني الفضية هي كذلك صناعة تفنن اليهود المغاربة فيها من شدة حرص مجتمعهم على أن تكون الصينية ومتاعها من أثات البيت وجهاز العروس، حولها تتحلق الأسر وتتداول في كل ما يهم شؤون الحياة اليومية ويتعلق بالعائلة. وتضمنت فنون صناعة الذهب والفضة في المغرب عددا من النقوش والرموز والعلامات ذات الدلالات الدينية والثقافية والاجتماعية المرتبطة بالمعتقد اليهودي والتي تعكس الثقافة العبرية. لا غضاضة من النجمة السداسية ولم يكن المغاربة يجدون غضاضة في النجمات السداسية التي توسطت الصواني الفضية من نوع (الرايت) او الاقل قيمة ومعها متاعها من اواني السكر والشاي والنعنع. كما لم تثر مشاعر النساء المسلمات وأزواجهن الايقونات التي حملنها على صدورهن والتمائم التي صنعها اليهود للحفظ من العين والسحر بمرجعيات دينية ومعتقدية يهودية. فقد كانت القيم التي تؤطر المجتمع المغربي متسامحة مؤمنة بالتعايش، قاعدتها ما ورد في الآية الكريمة "لكم دينكم ولي دين" فلم يكن اليهودي مجبرا على التخلي عن دينه ليتم التعامل معه كما أن (الملاح) في المغرب لم يعد حيا مغلقا في وجه غير اليهود. تساكن اليهود والمسلمون في المغرب بطيب المعاشرة وحسن المعاملة، وهذه التوليفة انعكست على كثير من مظاهر فن العيش في البيت المغربي ومنها صياغة الذهب والفضة التي لن يجد الملاحظ صعوبة في تسجيل كثير من الرموز والإشارات والعلامات في نقوشها وتخريماتها تعايشا بين الدلالات الاعتقادية لدى المغاربة مسلمين ويهودا. هي الثقافة المغربية عبرية وعربية ولم يكن المسلمون يتعاطون قديما لهذه الصناعة التي كانت حكرا على اليهود ومع ذلك لم يتعصب الصناع لمعتقداتهم كانوا الى جانب نجمة داوود ينقشون في الأواني الفضية أشكالا هندسية خماسية الاضلاع عبارة عن نجمات ورسوم جمالية ويصوغون تمائم عبارة عن يد وعين وطواطم تطرد النحس وتجلب السعد في المعتقدين الاسلامي واليهودي. واستطاع هذا القبول بالآخر لدى كل طرف أن يوسع علاقات المثاقفة العربية العبرية لتشمل عددا من المظاهر التي يحتاج البحث عن أصولها في الثقافة المغربية الى دراسات أنتروبولجية وتاريخية عميقة لاسيما عند ملاحظة التشابه الكبير في عدد من العادات والتقاليد والطقوس في التقرب والاحتفال وغيرها بين الطائفة اليهودية وعموم المغاربة المسلمين. لا نزعة تعصبية للنقوش والعلامات العبرية في المصوغات الفضية يقول السيد جاكي كادوش "إنه يكاد في المغرب يصعب التمييز بين مسلم ويهودي مغربي لأن الديانة وحدها هي الفاصل، فالفريقان يعبدان الله ويوحدانه وكلنا نؤمن بالوطن"؛ مشيرا الى أن تاريخ الوجود اليهودي في المغرب يعود الى اكثر من 1300 عام صهرت سنينُها وأعوامُها الثقافةَ العبرية في الثقافة المحلية وتفاعلت مع كل الثقافات الاخرى الاسلامية والأندلسية والمتوسطية والأفريقية والصحراوية في بوثقة واحدة هي الثقافة المغربية. وأكد كادوش في أن ما ميز صياغة الفضة والذهب من نقوش عبرية ليست ذات اية نزعة للتعصب مشددا على ان الفن بصفة عامة ومنه هذه الصناعات المعدنية المغربية تعبير فطري قابل للتأويل ولكن التأويل بالضرورة ليس كشفا لنوايا الفنان أومرآة لحقيقة نفسه. واستدرك أن تعاطي اليهود لصناعة الصياغة التي أبدع فيها المغاربة ارتبطت حقيقة بالمعتقد اليهودي الذي ورد بشأنه في التوراة وجوب ارتداء الحَبر الأكبر صدريةً موشاة باللآلئ والياقوت ومختلف الأحجار الكريمة ورداءا مطرزا منمقا بالذهب (الصقلي) ولهذا كانت صناعة الحلي والجواهر وصياغة السبائك ذهبا وفضة صناعة يهودية بامتياز. ونفى كادوش أن يكون اليهود المغاربة احتكروا هذه الصناعة ولكنهم كانوا اغلبية في الصاغات واشتغلوا معهم في ورشاتهم مغاربة مسلمون هم أيضاً عندما تولوا هذا القطاع بأغلبية حافظوا على تلك النقوش والرسوم التي توصف انها ذات دلالات وحمولات دينية يهودية. المرأة سر تفوق اليهود في صناعة الحلي والجواهر وأضاف أن أحد أهم أسرار عناية اليهود بصناعة الحلي والجواهر هو شغف المرأة بالزينة واهتمامها بالحلي كمظهر من مظاهر إكمال أناقتها وجمالها لافتا الى أن المرأة ركن رئيس في البيت اليهودي وهمٌّ يومي للرجل اليهودي من أجل إرضائها وتلبية رغباتها وتطييب خاطرها بكل ما يلين نفسها ليجعل ذلك الركن زاوية للسكينة والطمأنينة. وما تزال الصياغة في المغرب صناعة يهودية بامتياز رغم اكتساح المغاربة المسلمين لقطاعها وقطاع المتاجرة فيها، لأنها ورثت أصالة الصناعة من يد الى يد تتطور في اطار المحافظة على الموروث الذي الى اليوم يصر على مقاومة التغيير في نقوشه ورسومه وتخريماته سواء في الأواني الفضية للبيت المغربي او في الحلي والمجوهرات. لليهود بصمة على الصالون المغربي بمهارة وإتقان اليهود المغاربة اختصوا بصناعة الافرشة من حشوة الصوف او القطن او الحلفاء الصالون المغربي اناقة فريدة وذوق رفيع استأثر بهما داخل المعمار العربي الاندلسي لا يخلو بيت مغربي من مجلس الضيوف وهو "صالون" مؤثث بأنواع الافرشة التي تضمن الراحة لضيوف البيت وتشعرهم بالاطمئنان يحمل بصمة اليهود المغاربة بمهارة وإتقان. صالون البيت المغربي هو في الغالب فراش من عهن وستائر من حرير وبساط من صوف ووسادات للاتكاء وبعض أثاث للاستقبال. اليهود ميزوا الصالون المغربي عن صالونات الارائك وفراش الصالون المغربي حشوة صوف أو قطن أو حلْفاء في قماش من نوع "الكيرية" كان يخيطه فئة من اليهود المغاربة اختصوا به وميزوا بذلك البيت المغربي عن غيره من بيوت العرب الذين يفترشون السجادات قبل مداهمة الارائك لفنون عيشهم. حشوة "الكيرية" تعكس مستوى الاسر بين الاقتدار والعفاف وضيق اليد. كان الميسورون يحشون أفرشتهم من جيد الصوف المنفوش المعد للنوم والتوسد ويكتفي المتوسطون بالقطن حشوة، والقطن إنما هو فضلات المصانع من نسج القطن والاشتغال به فيما حشوة الحلفاء للذين لا تسع الصوفَ والقطنَ أيديهم. الحلفاء سعف من دَوْمٍ يشذب ويقطع ويدق أو يطحن حتى يصير شرائك رفيعة قصيرة يابسة وتحشى بها الافرشة دون المخدات. كان اليهود المغاربة مختصون بخياطة الافرشة عندما كانت الخياطة مهنة ممجوجة لدى العرب، وبرعوا فيها وأبدعوا حتى أزرى الصالون المغربي بصالونات الارائك. ادوات الخياطة وطعنات اليهودي أعطت لفراش الصالون اسمه استعملوا "المخيَط" وهو إبرة في عقبها ثقب (سَم) ينفث منه خيط رمادي اللون قطني المادة مفتول بإتقان متينٌ يرتقون به الثوب من نوع "الكيرية" ويرقعون عليها "النبّاتة" وهي وردة من قماش يشدون بها بطن الفرش الى ظهره ليُؤَزِّرَ نفسه ويستحمل ثقله وثقل الذين سيستعملونه نوما وقعودا. والمخيَط مسمار بطول دراع رجل كان اليهودي يرشقه في حشو الفرش بعد أن يكون خاط الحواشي سوى من فوهة يظل يلقي بجوفها الصوف او القطن او الحلفاء حتى إذا امتلأت بمقدار سمك لا يعلو عن 20 سنتمترا ولا يطول أكثر من مترين وعرضه بين 65 و 70 سنتمترا شد الخياط وثاق الفوهة مع الحواشي بلفة متقنة كَسورِ القلعة تحيط بالفرش من أعلاه ومن أسفله. طعنات اليهودي ب"المخيَط" للفرش هي التي استمد منها هذا الفرش في اللسان المغربي اسم "المضربة" لكثرة ما نالت من الضرب مع الطعن، فكلما كان "مول المضارب" يتقدم في صناعة الفرش زاد طعنه وضربه امعانا في تحقيق الاستواء والمرونة التي تزداد مع مرور الايام لكثرة الاستعمال قبل مرحلة الارتخاء والترهل عند القِدم. الكيرية القماش الذي لا يبلى ويجهل لاسمه المصدر أما "الكيرية" فهو القماش الذي أفرده المغاربة لأفرشتهم من "المضارب" ولم يجعلوه لغيرها وكان رمادي اللون مضلعا بخطوط سوداء ثم أصبح موردا واتخذ بعد ذلك رسومات مختلفة وألوانا عديدة، كان قماشا متينا جدا لا تنال منه صروف الدهر ولا يكاد ينال المخيط من عذريته شيئا بل لايفتأ بصعوبة ينسَلُّ من نسج خيوطه. لا يعلم لاسم "الكيرية" مصدرا ولكن اليهود كانوا في أحياء الملاح والاسواق المتخصصة تجار هذا القماش يبيعون كل ما تعلق به من خيط وحلفاء وقطن ويخيطونه الا الصوف فهي تجارة المسلمين في سوق الغَزْلِ بامتياز يبيعونها "ودحة" تذعن لأيدي النساء اللواتي يحرصن على غسلها وتنقيتها ونفشها وانتقاء ما يصلح منها ل"المضربة" وما يصلح للمخدة. وحدهم اليهود المغاربة من كانوا يخيطون الافرشة للصالون المغربي ولغرفة النوم للزوجين، ولم يكن المغاربة يحتاجون الى الارائك ولم تكن الارائك تغري الاسر للاستعاضة بها عن بلاط الارض الذي يكسوه المغاربة عادة باللبد او السجادات أو البساط كل أسرة وما طالت يدها مما يزخر به فن العيش المغربي في الزربية المحلية أطلسية أو صحراوية أو فاسية أو رباطية أو حنبلا. أصالة الصالون المغربي مرآة الثقافة المغربية المتسامحة المتعايشة وكان الصالون المغربي سباقا الى فرشه الذي حافظ على أصالته واستأثر دون بقية مجالس البيوت العربية في شمال افريقيا والشرق الأوسط أوالخليج بذوقه الرفيع وأناقته الفريدة التي يزيد من بهائها وبديع جمالها حسن المعمار ورونق الزخرف من فسيفساء الجدران وتنميق السقوف. ولم يكن كل ذلك ليتأتى دون قيم الانفتاح والتعايش والتسامح التي طبعت حياة المغاربة منذ زمن بعيد في علاقاتهم بالآخر مهما تغيرت ديانة هذا الآخر أو عقيدته أو مذهبه وهو ما أغنى الثقافة المغربية وعدد روافدها التي تعتبر الثقافة العبرية إحداها. إن صناعة الافرشة في المغرب وخياطة "المضارب" وهي كالخيام عنصر استقرار وضمان السكن والسكينة تجسيد آخر لمعنى التعايش بين الثقافات وحوار الحضارات في أرض المغرب الذي كان ليهوده بصمة على فن عيش سكانه وأهله. المسلون واليهود في المغرب فرقتهم العقيدة والدين ووحدتهم المائدة المطبخ المغربي الألذ والأشهى والأكثر تنوعا وغنى بين ما هو مسلم عربي وبين ما هو يهودي عبري تغري موائد اليهود المغاربة بكل ما يفتح الشهية للغذاء من الأطعمة المتبلة (الحلال) المطهية بإرث مئات السنين من فنون المائدة العبرية. ويحافظ اليهود المغاربة على أصول الطبخ العبري رغم كل ظروف التواصل واللقاء مع الثقافات الاخرى ومنها الثقافة العربية الاندلسية والمتوسطية الاوربية، وما يزالون حريصين على عوائدهم التي تجعل المطبخ اليهودي متميزا. وصية الحلال (كاشير) وقد أوصى المسلمون المغاربة في قولهم المأثور بطعام اليهود لشدة الحرص فيه على حسن الذبحة وتجنب كل لاشية وكثرة استعمال الثوم والتوابل المقوية والعطور التي تفتح الشهية. وشهدت أصناف الأطعمة على الموائد اليهودية إقبالا كان يتزايد عند مشاركة المسلمين لليهود احتفالاتهم ب"الكيبور" وأعياد رأس السنة العبرية وفي "الهيلولات" وأمسيات "الشباط" فستثارت شهياتهم "السخينة" و"الرقاق" وصنوف الحلويات المحشوة والمعسلة والعجائن المالحة وبدون ملح وغيرها. كما كان المسلمون لا يحجبون موائدهم في المناسبات الدينية والعائلية عن جيرانهم وأصدقائهم وشركائهم من اليهود المغاربة. المسلون واليهود في المغرب فرقتهم العقيدة والدين ووحدتهم المائدة في بلد أصبح مستحيلا التفريق فيه في صنوف الأطعمة المغربية التي بوأت المغرب في المركز الثالث عالميا بعد المطبخين الفرنسي والياباني ضمن تصنيف المطابخ الألذ والأشهى والأكثر تنوعا وغنى بين ما هو مسلم عربي وبين ما هو يهودي عبري. وحده مشروب "العرق" أو "ماء الحياة" ميز المائدة اليهودية عن العربية المسلمة فيما ميز هذه الاخيرة مشروب الشاي المنسم بمختلف النبتات العطرية. إغراء الحلو والمالح في توليفة الطعام الفريد بالعالم وقد استفاد المطبخ المغربي من التوليفات التي ميزت المائدة اليهودية بين المالح والحلو وتَطَبَّعَ بكثير من عادات التنويع في المأكولات واستعمال الخضر بكثرة في أصناف الطهي وأضْرُبِ الأطعمة كما استعمال الفواكه مع اللحوم. إن المطبغ المغربي ضَمِنَ الفرادة والتميز إقليميا وجهويا في بعض صنوف الطهي التي آلفت بين الحلو والمالح واستعملت البُرَّ مع المرق مثل (الهركَمة) التي متحت بعض خصوصياتها من طبق (السخينة) اليهودي. و"السخينة" طبق يعد زوال يوم الجمعة قبل ان يسبت اليهود الذين تحرم عليهم عقيدتهم بين عصري يومي الجمعة والسبت إشعال النار وإيقاد النور، ويكون هذا الطبق قابلا للتسخين لأجل الاكل دافئا وهذا أصل تسميته لكنه مهيج بتوابله مثير أيضاً للذة والشهوة الجنسية لأن اليهود مساء السبت ينصرفون للهو ومداعبة الزوجات. توابل السخينة وغيرها من الأعشاب العطرية التي استعملها اليهود استفاد منها المغاربة المسلمون في طبخهم الذي لا تكاد تختلف اطباقه عن الأطباق اليهودية. تقول السيدة سارة عضو الطائفة اليهودية المغربية في مراكش، ان اليهود والمسلمين تمازجوا وتداخلوا ولم يعد ممكنا الفصل في الطبخ بين الاصيل والوافد او بين العبري والعربي، "فكلنا يطبخ الكسكس ويأكله وجميع المغاربة يهتمون بالمخللات ويعتبرون الطاجين طبقهم اليومي المفضل". وتؤكد السيدة سارة التي تعتز بهويتها المغربية أن المطبخ اليهودي هو نفسه المطبخ المغربي مع اختلافات بسيطة مشيرة الى ان اليهود كانوا سباقين الى طبخ الفواكه (البرقوق) و(المشمش) و (التين) و(الكرز) مع اللحوم والدجاج والذي اصبح في ما بعد من الاطباق المقدمة في المناسبات عوض (الشواء) للفئات التي لا تقدر على إطعام الولائم بالخرفان. وتضيف ان المطبخ اليهودي اهتم بالكسكس بنكهة الزبيب والعسل والذي درج على موائد المسلمين ب(التفاية) مسجلة ان اليهود حافظوا على (كسكسهم) الذي أغنى أطباق الكسكس المغربي باللحم او الدجاج مع الخضر أو الحمص والجزر او الزبيب والبصل. المطبخ المغربي معيار حقيقي تقاس عليه قيم التسامح والتعايش وتتحدث السيدة سارة عن الحلويات وحشوات العجائن لاسيما البريوات التي اعتبرتها إنتاجا يهوديا طور المطبخ المغربي حشوته باللوز والأرز المنسم بماء الزهر والقرفة وبالخضر وبالزبانخ واللحم المفروم وغيره. ويستدرك السيد جاكي كادوش رئيس رابطة اليهود المغاربة في جهة مراكش تانسيفت الحوز بشأن اهتمام المطبخ اليهودي بالسمك والحوت لاسيما أسماك الأنهار والاودية التي تحضر بنكهات مختلفة باستعمال الأعشاب العطرية والتوابل المهيجة للشهوات الجنسية لاسيما بعد (الشباط) مؤكدا أن وجبة السمك تكاد تكون مقدسة في الاسبوع مرتين. وينفي أن يكون المطبخ المغربي اليوم قابلا للنظر الى موائده وأطباقه على أساس التمييز بين اليهودي والمسلم او العبري والعربي لأن المطبخ المغربي هو المعيار الحقيقي الذي تقاس عليه قيم التسامح والتعايش التي آمن بها المجتمع المغربي. المائدة المغربية نتاج ثقافة شعب عظيم وحضارة تليدة وتاريخ عريق ولعل الملاحظ يسجل ان المطبخ المغربي مختلف كثيرا عن المطبخ العربي سواء في شمال افريقيا او في الشرق الاوسط والخليج العربي بتنوعه وغناه واستعمالاته المتعددة للتوابل التي لا ينتجها المغرب والأعشاب العطرية المستوردة من آسيا وذلك لأن هذا المطبخ كان قابلا منذ الهجرات الاولى لليهود الى هذا البلد وتلاقحهم مع السكان الاصليين من أمازيغ ثم من عرب وما تلا هذه الهجرات من أخرى متلاحقة ابتداءا من القرن ال15 كانت رافدا تعزيزيا لرصيد هذه المثاقفة الحضارية على ارض المغرب. وليس مهما الان البحث عن الاصول الفزيائية للمطبخ المغربي او الجواب عن الاطباق وصنوفها هل هي عربية ام عبرية ولكن المهم هو تلذذ هذه الاطباق والاستمتاع بنكهة المطبخ المغربي والاعتراف له أنه نتاج ثقافة شعب عظيم وحضارة تليدة وتاريخ عريق ماكان ليكون لو انغلق المغاربة على انفسهم وغلقوا دونهم الابواب وتعصبوا حيث لا يجب التعصب..