في المراحل الأولى لحياة الطفل، يخوفه أهله بالإسم الخرافي "بوعو" ثم بإبرة الطبيب، يكبر قليلاً فيخوفوه بالشرطي، بعدها يذهب إلى المدرسة فيخوفه الأستاذ بالعصا، بعدها ينتقل إلى العمل فيخوفه المسؤول بالفصل عن العمل والإقتطاع من الراتب والحرمان من الترقية، بعدها يأتي دور السلطة فتخوفه بالإعتقال والتعذيب إن فتح فمه معترضاً على سوء حاله، بعدها يذهب للمسجد فيخوفه الإمام بعذاب القبر وعذاب جهنم وبالتفصيل عن العذاب الشديد، ومن هنا يعيش طول حياته من الحبو إلى القبو خائفاً يترقب… إذا أردت أن تنشىء طفلاً ضعيف الشخصية، متناقضاً، محتاراً، متردداً، خوافاً، لا يقدر على اتخاذ أي قرار، فقط اجعل الأب في المنزل يعطي قراراً والأم تعطي قراراً مخالفاً، الأب يقول افعل، الأم تقول لا تفعل، الأب يقول لا تذهب، الأم تقول اذهب، فيكبر الطفل بين قرارات التخويف، ويصبح بليد الحس بجرعة الخوف الزائدة، ولأن البليد لا يملك أداة لقياس الكرامة ولا يحسب مآلات الأفعال والأقوال فيبدو جريئاً غير هياب وهو في الحقيقة سميك الجلد ثقيل الروح يترك أثراً سيئاً في نفوس المتواصلين معه وإن أخفوا ذلك عنه… اعلموا رحمكم الله أن التربية على الخوف أو بالأحرى بالتخويف تنتج جيلاً من الجبناء، والأوطان لا تنهض على أكتاف الخواف ومن يرخص نفسه مهما جد واجتهد.