لاشك أن الأسرة هى المؤسسة التربوية الأولى التى يترعرع فيها الطفل وتتشكل شخصيته في أحضانها، على اعتبار أن مرحلة الطفولة هي من أهم المراحل التي تبني شخصية المرء، إلا أن ما يحدث أن بعض الآباء يعتقد أن استخدام أسلوب الترهيب في تربية الأبناء هي الطريقة المثلى في تقويم سلوك الأبناء، وذلك من خلال تخويف الطفل ب»الغول أو الحرامي أو كاميرا المراقبة والسجن»، أو من خلال ربط التعذيب الإلهي مثلا بالسلوك الغير السوي للطفل دون توضيح مساوء الإقدام على فعل معين أو شرح أسباب رفض هؤلاء الآباء لسلوك الطفل، وهو ما قد يؤثر سلبا على الطفل. ولذلك تؤكد عدد من الدراسات على حاجة الوالدين إلى تفهم واستيعاب سلوكات الطفل وطباعه، ويشير الطبيب النفسي الأمريكي «بايرون إيجلاند» بعد إجرائه عدة دراسات عن تربية الأطفال ونمو الطفل في المراحل الأولى من عمره، إلى أن الآثار الناتجة عن تعرض الطفل للترهيب والعنف العاطفي لا تقل قسوة وتدميرا عن العنف البدني. «التجديد» تتناول مع الأخصائي النفسي أحمد المطيلي آثار الترغيب والترهيب الأسري على تربية الأبناء. الوعيد والترهيب ينزع كثير من الآباء والأمهات إلى تخويف أبنائهم وبناتهم على سبيل الترغيب في فعل أو النهي عنه، ويجد بعضهم في منزعهم ذاك كثيرا من النفع حينما يصلون إلى مبتغاهم وقد امتثل ابنهم إلى أوامرهم جلبا لرضاهم ودفعا لغضبهم أو سخطهم، وما أسرع أن يقع في ظنهم أن التخويف أنجع طريق لحظ الطفل على فعل محمود أو ثنيه عن فعل مكروه. وفي هذا الإطار، يقول الأخصائي النفسي، أحمد المطيلي: «لا ينكر أحد أن الوعيد والترهيب أمضى سلاحا لمقارعة إرادة الطفل وكسر شوكة عناده وعصيانه، وتنفيذ ما يؤمر به بأسرع ما يكون مثله مثل حكم العصا أو أشد». وأضاف «المطيلي»، أن «للترهيب والعنف سلطان شديد الوقع على النفوس إذ تستثير فيها مشاعر ضعفها وقصورها وحقارتها أمام جبروت القوة والبطش، وأن أسوأ ما في الأمر حينما يتخذ الترهيب وسيلة مثلى في مجال التربية الدينية بوجه أخص، فقد درج كثير من الناس في هذا الصدد على أن يخوفوا أبناءهم بعذاب الله وبشدة عقابه الذي يلحق بالقوم الكافرين، بل لا يكتفي أحدهم بعذاب جهنم فلا يجد غضاضة في تخويفه بعذاب القبر وبسائر مخلوقات الله كالجن والعفاريت يريد بها زجر الطفل وكفه عن نوازعه. وليس أبلغ دلالة في الاختلال الذي يصيب موازين الثواب والعقاب في هذا الباب أن تصير كلمة «رحمة الله» التي وسعت كل شيء وسيلة نروع بها نفسية الطفل ونسد بها منافذ المغفرة ودواعي السكينة التي يجدها قلب كل مؤمن بالله ورسوله ؟» يشدد المتحدث نفسه. من جهة أخرى، أثار الأخصائي النفسي ما تسفر عنه تربية الأطفال بنهج أسلوب الترهيب قائلا، «ما أشد الضرر الذي يلحقه الترهيب بنفسية الطفل، وما أبلغ الأثر الذي يخلفه في البناء النفسي لشخصيته النامية، غير أنه ليس بمقدور مثل هؤلاء الآباء أن يتبينوا مبلغ الضرر الناجم عنه إذا ما وثقوا في بديهتهم، وهم يشهدون بأنفسهم نفاذ حكم الترهيب وأشباهه ويعاينون فعله الفوري عن كثب». وعن نتائج اتخاذ بعض الآباء لأسلوب الترهيب يؤكد «المطيلي» أن من النتائج المرتقبة التي يزرعها الترهيب وكل أنماط الأساليب التي تنهج نهج القسوة والعنف اللفظي منه والبدني أن ينشأ الطفل هيابا منكسر الإرادة قليل الثقة بالنفس، وكثير التوجس من أخطار يخالها آتية لا ريب فيها من كل جانب، ومن شأن الخوف و الرعب الذي يبثه الترهيب المستمر والمتواصل من لدن أحد الوالدين أو كليهما أو بعض الإخوة أو الأقارب أن يرسخ في نفسه مشاعر بليغة من الضعف، ويوطد في كيانه نزعة الاحتماء بالغير والارتباط الشديد به حتى ليبلغ الأمر حد الخنوع التام لمن يأنس فيه قدرة على الحماية والمناعة. متسائلا: كيف لمن كان هذا حاله أن يستقيم بنيانه النفسي إن لم يحي في كنف أسرة تمحضه عطفا وودا، وتضمن له قدرا من الأمن والسكينة والطمأنينة ؟ الترغيب كبديل ناجع أحيانا، يكثر الآباء من تخويف الطفل بأن الله سيعذبه ويدخله النار، ولا يذكر أن الله يرزق ويشفي ويدخل الجنة، لذلك تعد تربية الأطفال من المهام الصعبة أمام الآباء، ولم لا فهم رجال ونساء الغد، لذلك يوصي علماء التربية بضرورة نهج أسلوب الترغيب، وفي هذا الإطار تساءل الدكتور المطيلي قائلا:» من قال بأن اللطف أضعف أثرا من العنف ؟» موضحا، أن التجارب العلمية الحديثة في مجال التربية (أي علم التربية) أثبتت بما لا يدع المجال للشك أن الترغيب أدعى إلى استمالة الطفل إلى المبتغى متى عرفنا كيف نتلمس الأساليب المناسبة لتحميسه وحشد الأسباب التي تستحثه على الفعل دونما إكراه أو تخويف وترويع. وأوضح المتحدث نفسه أن « الترغيب يقتضي من النفَس والدربة ما لم نتعود عليه في تربيتنا ونحن صغارا، فيبدو لنا العنف بأنواعه، السبيل الأوحد لمغالبة نوازع الطفل وقمع تمرده أو إسكات صوته، وما درينا أن الهالة التي تخلفها في النفس الأساليب الضاجة بالصراخ أو السياط إنما تفقد فاعليتها بعد حين فتصير بلا جدوى. وعن التربية القائمة على التبشير بدل التنفير والتيسير بدل التعسير، أكد «المطيلي»، «أنها كفيلة بأن تبعث النفس على العمل عن طيب خاطر وبكامل الانشراح والحماس، وأن ومن شأن التربية القائمة على اليسر واللطف في القول والفعل أن تمهد الطريق لبناء شخصية واثقة بنفسها، معتدة بقدرتها على التصرف المتزن، والمالكة لزمام أمرها في معترك الحياة رغبة لا رهبة، وراضية غير مكرهة ولا ساخطة. فهلا سعى الآباء إلى تجريب أساليب تغلب جانب التحبيب في الشيء بدل الإكراه والتبغيض؟ وهل بوسعهم أن يغالبوا ما انطبع في نفوسهم من العسف حتى يطمئنوا بأن التودد للطفل والتحبب إليه وتشجيعه واستمالته وترغيبه بالتي هي أبعد أثرا في تغيير سلوكه وتوجيهه الوجهة المستقيمة نحو النضج والكمال والاتزان ؟ أليس حريا أن ننشئ الطفل على محبة الله ورسوله فنبشره بما أنعم الله علينا به من نعم ظاهرة وباطنة في الدنيا وبجنة الخلد في الآخرة بدل تخويفه حتى ليفقد الطمأنينة التي يجدها المؤمن في ذكر الله وهو ما عليه من البراءة الأصلية؟» يوضح المتحدث نفسه.