النظام الإجتماعي العادل لا يسمح للمتسول بمد يده للناس، بل يبحث عن المحتاجين في بيوتهم، لكن أغلب حالات التسول الحديث أصبحت مهنة أو دناءة نفس ولا علاقة لها بالحاجة، ومن تعوّد التسول يصعب تغييره، حتى لو أصبح من أغنى الأغنياء، وسيبقى متطفلاً على الغير. والسائل بغير حق على خطر عظيم، ففي الحديث المتفق عليه قال صلى الله عليه وسلم: (ما يزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم). وعند مسلم قال عليه الصلاة والسلام : (من سأل الناس أموالهم تكثّراً ، فإنما يسأل جمراً، فليستقلّ أو ليستكثر)، والمسألة تجوز للضرورة والحاجة، ولا سبيل لذلك إلا السؤال، أما أن يسأل ويتسول، وهو قوي البنية، صحيح الجسم، متوفر العمل، فهو محرم، وهو من آكل أموال الناس بالباطل. التسول ظاهرة مشينة في المجتمع، رغم التزايد في أعداد الفقراء بسبب غياب العدالة الإجتماعية وتزايد اللصوص الكبار، الحيتان آكلة البشر وأقواتهم، فلا عذر لوجود هذه الظاهرة في مجتمع مسلم، مجتمع "لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه" و "اليد العليا خير من اليد السفلى" و "لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرّة سويّ "… أما آن الأوان لتختفي هذه الظاهرة، وأن يُتابع مُمتهنوها ويُحالوا إلى الجهات المختصة لتنظر في أمرهم، والوقوف على مدى احتياجهم ؟ إلا أنه لا يمكن معالجة ظاهرة التسول بالتسول عبر الخرجات والشعارات السياسوية المخادعة، التي تجد في الفقراء والمتسولين جيوشاً من الأصوات تستعمل في تشكيل الخرائط الإنتخابية، من طرف أصحاب المصالح والدجالين وباعة الوهم وتجار الدين ومن معهم من أبواق الأحزاب، فلا يمكن أن نغسل النجاسة بالنجاسة. الثقافة السائدة اليوم حول مفهوم التسول هو أن كل المتسولين نصابون ولا يعانون العوز ولا الفاقة، وبالتالي يجب الإمتناع عن تقديم ولو شيء بسيط لهم، خصوصاً عندما نسمع أن بعضهم خلّف ثروة كبيرة، وأنك تراه في مدينة متسولاً وفي مدينة أخرى تراه يودع مالاً في بنك، وهناك تقارير تلفزيونية فضحت بعضاً من خفايا هذا العالم، ولكن لا نجزم أن بعضاً منهم فعلاً بحاجة ماسة دفعته إلى التسول. كان بعض الساسانيين في زمن الدولة العباسية يمارسون التسول المرتبط بفهم تام لأصول هذه المهنة المحترمة (من وجهة نظرهم) وكانت لهم فلسفة خاصة بهذا الموضوع ومنظرون يدافعون عن أخلاقيات هذه المهنة. على هذا النهج سار أكثر السياسيين، اختاروا التسول والنصب والإحتيال والكذب، ووجدوا فيه ضالتهم وطريقتهم المريحة للغنى والإثراء، هذه الظاهرة البغيضة، سببت تشويهاً بانعكاساتها السلبية على سمعة المجتمع وطنياً ودولياً، ظاهرة تؤنبنا في كل وقت وحين، أين مشاريع التنمية البشرية التي أنفقت من أجلها الملايير دون جدوى، بسبب خيانة الأمانة وغياب المحاسبة والرقابة والمواطنة الصادقة ؟ يا ليت الأغرار، وأهل الدلال يعلمون أن افتراش الأشواك أهون من حياة الذل، وأرحم من التسول على موائد اللئام !