يؤسس الدكتور محمد كنوني في مشروعه النقدي المرتبط بقراءة التجربة الشعرية المغربية المعاصرة والمتوجه الى تجارب شعرية فردية كما في كتابيه اللغة الشعرية : دراسة في شعر حميد سعيد او البنية الايقاعية في شعر محمد الخمار الكنوني (1) كأحد الاثارات الشعرية التي تنبض بالقيم الفنية والجمالية لسبر اغوار التفاصيل الجزئية من خلال بناء وتداولية مفاهيم نقدية تؤطر للكتابة الشعرية في ديوان رماد هسبريس ، وذلك من خلال الاشتغال على مفهوم الايقاع والبحث عن افق اشتغاله في ابعاده الخارجية والداخلية برؤية جديدة تتجاوز حقيقة أن الإيقاع هو الملمح النوعي للشعر العربي منذ القديم خصوصا وان التجربة الشعرية المعاصرة انطلقت من التفعيلة كمكون ايقاعي يخرجها من سياقها السمعي الى سياقات اخرى ومنها : الطابع البصري في تبادل وتناغم منسجمين فكلاهما يقتضي الاخر لإبراز ملامحه. (2) يبرز الدكتور محمد كنوني دور الوزن واهميته في صياغة البناء الشعري والتي يرى انها تحقق شعرية النص وانزياحه كما نجد عند جان كوهن ، او كما تحددث في ادبيات نصوص الشكلانيين الروس حيث تنطلق من مفهوم الوزن للتمييز بين الشعري والنثري باعتبارها خاصية من خصائص الابداعية الشعرية التي لاتتحق الا بكمياء الشعر التي تجعل من لغته لغة خاصة فالوزن الشعري في افق اشتغاله ما بين وزن خارجي وداخلي يخدم معا القارئ والشاعر حيث يقول : ان الوزن نظام أي عبارة عن قالب تجريدي من الحركات والسواكن ، يستطيع الشاعر وفقه ترصيف كلماته الشعرية بما انه نظام كمي يخدم التقطيع الشعري الى مقاطع عروضية متساوقة وعلى هذه الاساس يستحيل الى اطار خارجي يفيد على المستوى العلمي القارئ والشاعر معا . (3) من بين الاستنتاجات التي يصل اليها الناقد الدكتور محمد كنوني هو رصده لحالة تماهي الشاعر محمد الخمار الكنوني بحالات التنوع الايقاعي في صيغته الخارجية من خلال قصائده ومن خلالها يتأكد ما يسميه الدكتور محمد العمري بإفلاس النسق العروضي القديم وعجزه عن الاستجابة للحساسية الحديثة وهو تنوع يتجلى في المزج بين عدة بحور شعرية هيمنت على المتن الشعري في ديوان رماد هسبريس ومن خلال قصيدة واحدة نجد فيها البحر المتدراك والوافر والرجز والكامل والمتقارب . اما عن بنية اشتغال مفهوم البنية الايقاعية الداخلية فينطلق فيه الناقد من ان اللغة الشعرية الحديثة لا تحقق وجودها الا من خلال تجاوز النموذج الكلاسي المرتبط بأفقية المعنى لأنها شديدة الانغلاق وبانها لا تعدو ان تكون محطة نهائية في اطار الشعر التقليدي، بمعنى ان الايقاع الداخلي كمظهر اسلوبي هو الذي يبني كيان النص الشعري كبنية لها قيمتها الشعرية لأنها ، تحقق اهداف بعض الدراسات الاسلوبية الداعية الى اعتبار النص وحدة كلية في لحمته وسداه : (4) وارتباطا بمفهوم الانشاد الشعري فان الإنشاد يتعدى مجال القوافي، ليشمل البيت كله، بل القصيدة برمتها ولا شك أن طريقة الإنشاد تخضع لعوامل خارجة عن النص: كالحالة النفسية للشاعر، ومقام الخطاب، وأحوال المتلقي وهي خاصيات يبرز الناقد محمد كنوني في كتابه بصعوبة رصدها لأنها فيزيولوجية بالإضافة الى المظهر الاسلوبي للغة الشعرية في ثنائية تعمل على صياغة الاثر الشعري المرتبط بأبعاده الفنية والجمالية أي بكل ما يحقق ابداعيته . وعن المكون الصوتي في ابعاده الدالة كالصورة والايقاع والتركيب نجد ان الناقد محمد كنوني يتناوله من خلال بناء المعنى الشعري و في إطار حوار بين الصوت و الدلالة، أي بين الانسجام الصوتي والاختلاف الدلالي من جهة و بين التمفصل الدلالي و التقطيع النظمي من جهة ثانية فالتوازن هو في الأساس اتفاق الأصوات و اختلاف الدلالة و هو التعريف نفسه الذي أعطاه القدماء للتجنيس و الذي يتألف من عناصر لغوية مشخصة وهو ما نجح فيه الناقد في كتابه: البنية الايقاعية في شعر محمد الخمار الكنوني بشكل كبير وكذلك في دراسة نقدية بعنوان : التوازي ولغة الشعر (5) وذلك من خلال البناء المنهجي لمفاهيم كالتكرار والتوازي وهو احد البدائل اللسانية التي حلت محل المفاهيم التي تختزل كل اشكال التوازن والتناظر، عرف الناقد كيف يوظفها الى جانب مفاهيم نقدية اخرى وفي تفاعل بين مرجعتين نقديتين أي ما بين البلاغة الكلاسية والخطاب النقدي للشكلانيين الروس وشعرية جان كوهن وفي توافق معرفي علمي و ابداعي يبرز القيمة الفنية والادبية لتجليات الشعر في ديوان رماد هسبريس لمحمد الخمار الكنوني . هوامش: * البنية الايقاعية في شعر محمد الخمار الكنوني : منشورات السفير-ط1 مكناس 1991 * نفسه : ص11 * نفسه : ص10 * نفسه : ص47 * التوازي ولغة الشعر – محمد كنوني- مقال منشور بموقع اليكتروني على الرابط: http://www.aljabriabed.net/n18_07kannuni.htm