[ وخاف لوط أن يسكن في صوغر، فصعيد إلى الجبل، وأقام بالمغارة هو وابنتاه. فقالت الكبرى للصغرى: « شاخ أبونا في الأرض رجل يتزوجنا على عادة أهل الأرض كلهم. تعالي نسقي أبانا خمرا ونضاجعه ونقيم من أبينا نسلا» فسقتا أباهما خمرا تلك الليلة، وجاءت الكبرى وضاجعت أباها وهو لا يعلم بنيامها ولا قيامها. وفي الغد قالت الكبرى للصغرى: وضاجعت البارحة أبي، فلنسقه خمرا الليلة أيضا، وضاجعيه أنت لنقيم من أبينا نسلا». فسقتا أباهما خمرا تلك الليلة أيضا وقامت الصغرى وضاجعته وهو لا يعلم بنيامها ولا قيامها. فخملت ابنتا لوط من أبيهما، فولدت الكبرى ابنا وسمته موآب، وهو أبو المؤابين إلى اليوم. والصغرى أيضا ولدت ابنا وسمته بن عمي، وهو أبو بني عمون إلى اليوم». (سفر التكوين) سأنطلق من فكرة كون العمل الشعري، والفني عامة، هو الممارسة الاجتماعية لإنسان معزول، وأن هذا الإنسان لا يملك قناة أخرى يرى منها إلى الآخرين. ذلك أن الإيقاع، وهو المكون أو الدال الأكبر الذي أروم تقصِّي بعض ألاعيبه في «سدوم» ، هو الذي يسيّح العمل الاجتماعي ويمثله تمثيلا شاملا، لأنه ليس مجرد مكون خارجي أو حتى داخلي أم جلبه لتعضيد النص وإتمام نسجه، بل هو النبض الذي يثير حواسنا وقوانا الإدراكية ويجعلنا ننصرف تماما عن المداميك النصية الأخرى.. لهذا اعتبر الإيقاع في الدراسات الشعرية الحديثة، الدال الأكبر، كما سلفت الإشارة، أي ذلك الجوهر إلي يسري في جسد النص الشعري عبر العصور وتنخرط المكونات المرئية واللامرئية، الشعور واللاشعور في تكوينه. هو إذن خصيصة مائزة للشعر باعتباره طريقة في تقبل العالم والحياة وإعادة تشكيلهما، بغض النظر عن حضور الوزن، بمعناه العروضي، أو غيابه، ذلك أن الإيقاع هو الوزن محررا من إكراهاته، حسب كپدي ?ارغا. وعندما أقول الدراسات الشعرية الحديثة، فإنني أعني بالتحديد شعرية ميشونيك القائلة بأسبقية الدال في الخطاب الشعري عكس الشعريتين البنيوية والدلائلية اللتين تضعان الدليل في مكانة أسمى من الدال: فبما أن الخطاب غير منفصل عن معناه، فإن الإيقاع غير منفصل عن معنى هذا الخطاب، مادام الإيقاع تنظيما لكل من المعنى والذات عبر حركتهما في الخطاب. الأمر هنا يكاد يكون شبيها لحكاية ناتاشاروستوا مع بيير بيزوخوف والأمير أندري، فبقدر ما ترى الأولى أنها « لا تمتع بأن تكون ذكية» بقر ما ينبهر الاثنان أكثر بذكائها الفائق وسخف أفكارهم. إن الشاعر لا يعرف عادة مكامن القوة في نصه. خلافا للمنجز النصي السابق، فإن الشكل في « سدوم» كف عن أن يكن بسيطا أو مفهوما خاضعا لإرادة/ إرادات المتلقي، رغم كون القاموس مألوفا، بسيطا، ورغم كون محمد بنطلحة لا يخرج عن مألوف التجربة الشعرية العربية الحديثة، صورة ووزنا وتخيلا: إنه إذن، الإيقاع يزيح المعنى عن المشهد الشعري ويدفع بمعنى اللامعنى إلى الواجهة، فيحدث ذلك ما يحدث من إزعاج لقوانا الإدراكية. ولقد علما جاك ديريدا، أن الشكل، أي ، شكل، يثير انتباهنا عند نلفي أنفسنا عاجزين عن تحديد القوة الهاجعة فيه. ولي أن استحضر هنا قولة بول فاليري المضيئة» الشكل يكلف كثيرا» . أُسمي هذه القوة التي تنتظم «سدوم» «إيقاع السهر والحراسة»، ذلك أنه بدا لي، وأنا أقرأ هذه المجموعة، أن الشاعر مأخوذ بسحر عظيم، وأنه واقع تحت قوة اكبر منه بكثير، فصار يخبط خبط عشواء للإفلات منها، « لكنه « كلما مال إلى جهة رأى أنها لا تختلف عن سابقتها، فأسلم الأمر وانخرط في وصف ما هو فيه إلى حد انه أصبح هو نفسه ذرة من ذراته أو مكونا من مكوناته: «فرادى أو زرافات تصوغ الكائنات رماد قرباني، وتقدح حولهُ: سدما، كؤوسا شبه مطفأة حروفا عانسات، مومياءات، وأدخنة. أهذه سن رشد الماء؟ أم هذا حريق حول مكتبة؟ وطوفان قريب؟ بل شصوص تقتفي آثار ما شيتي، وذئباني. أليس لديّ زوج من جميع الكائنات؟ أليس لي فلكي؟ وطوفاني؟» (70). هكذا ننسى أننا أمام نص خاضع للوزن بمعناه العروضي. أو لنقل أننا أمام وزن بالمفهوم الإيقاعي للوزن. هو وزن كف عن ايكون عروضا فولى وجهه شطر الإيقاع، فتقبله الإيقاع باعتباره وزنا محرّرا من إرغاماته. وأحيل ثانية على ارغا. تتدخل الذات لإخضاع النص لوزنها إيقاعها الخاص. الوزن الذي هو وجه من أوجه التكرار ينتفي ويحل محله تكرار من نوع آخر. تكرار شبيه لدقات منبهة متباعدة ، تفصل بينها مسافات تدركها النفس ولا يدركها التقطيع العروضي، ذلك أن كل إيقاع مؤسس على مدد زمنية، لكن العكس ليس صحيحا، ليست كل مدة إيقاعا، لأن الذات المتلقية تقرأ وفق معناها. ومعلوم أن للتكرار دورا شديد الأهمية في تحديد - أو بالأحرى - ملامسة ضربات الإيقاع في النص الشعري، ذلك أن المتلقي يضع يده، من خلال التكرار، على خطورة اللعبة المنجزة فينخرط مأخوذا بلذاذة الأسر في تكرار أغنية لا يدرك معناه بالضرورة. وقد ترى بعض الدراسات الحديثة أن التكرار الذي قد يمنح الكلمة وزنا في البداية، يعود ليفقد الكلمة وزنها، كأن لم تكن أصلا. ذلك أن التكرار إذا غدا عملا آليا عطل الوعي، وصارت الحركة جمودا. ونحن نرى أن التكرار يقوي الإيقاع، وينقذه من الجمود لا العكس، لأن الكلمة المكررة لا تستقبل بذات الطريقة، وقد لا تنطق أو تقرأ أو تنشد بذات الطريقة لكونها كفت عن أن تكون حكمة محايدة معزولة، كما كفت عن أن تحمل معنى في ذاتها. لقد صارت جزءا من عالم نفسي شامل لدرجة قد لا ينتبه إليها البتة رغم ورودها أكثر من غيرها في النص. والاعتقاد الشائع بأن الكلمة المكرورة أداة لإثارة الانتباه، أو بؤرة يتمحور حولها النص أو إضاءة لعتماته اعتقاد يرى أن الكلمة هذه واقفة فيما يتحرك كل شي. في حين يبدو لكل من لا يصدر عن وعي قبلي أو إدراك مسبق لمقول النص أن هذه الكلمة شبيهة لتلك الصرخة الانفعالية في رقصة النشوة عند القبائل البدائية أو حتى عند الفرق والطوائف الدينية - الصوفية أو الضربات الموسيقية ذات الإيقاع الصاخب المعتمد على الصراخ وإخضاع الجسم لميلان الصوت ونشوة العويل. ويجب أن ننتبه إلى أن الصرخة هذه تأخذ معنى ودلالة بقدر ما تتكرر. لكن هذا المعنى أو هذه الدلالة، ليست مدركا ولا تذكر بالصرخة التي قبلها، بل غدت فاصلة صغرى، أو بالأحرى غدت ذلك المكون البسيط الذي لا يقل عن أكبر المكوّنات خطورة على نحو ما يعلمنا تينيانو. أروم من وراء هذا الكلام القول إن المنجز النصي لمحمد بنطلحة في «سدوم» وفي بقية المجموعات يستدعي دراسة علمية متأنية تنهض، أساسا، على الإيقاع باعتباره وزنا كف عن أن يكون عروضيا. أورد رومان ياكوبسون قولة على لسان osip-Brik وهو ، في نظره، الشخص الأدهى من كل الشكلانيين الروس: إننا لا نتابع ولا نحاكم المتآمرين السياسيين إلا حينما تفشل مؤامرتهم، أما في حالة نجاح مؤامرتهم، فإن المتآمرين أنفسهم هم الذين ينصبون أنفسهم متهمين وقضاة. فلو تأصلت الخروقات التي تمارس على الوزن لاكتسبت هذه الخروقات ذاتها قوة القانون العروضي. وإن كنت قد ركزت على تكرار «الكلمة» فإنه المراد كما هو واضح هو الصوت والدلالة والمقابل التفعيلي والشحنة الدلالية وظلال المعنى القريبة والبعيدة والتمظهرات التوازنية من ترصيع وتجنيس واشتقاق وترديد وتضمين واتساق... وهي ظاهرة لافتة في «سدوم» كفيلة لوحدها، بمقاربة هذه الأضمومة مقاربة إيقاعية أصواتية - دلالية: للِْ للفرا للفراغ المعتق - إذ عاش منذ الطفولة في ربقة الكأس - ما ليس للكأس: نفي بهيجٌ ونحل يدخن عشب المفاهيم، ثم يقامر بالعتمة. أحقا ستقضم/جُرذان هذا الفراغ المطعم بالحنظل العذب ما ليس يخفى عن الكأسِ: أو داج ضوء بهيم، وركبة ذاكرة هرمة. (ص 95). ومما يقوي هذا الزعم أننا لا نعثر في المعاجم العربية، القديمة والحديثة، على معنى دقيق لكلمة «إيقاع» . في «العين» للخليل بن أحمد الفراهيدي، وهو واضع علم العروض كذلك، لا تتضمن ماده «و ق ع» كلمة» إيقاع» في مشتقاتها، وأهم ما يمكن استنتاجه من تلك المعاجم أن مادة « و ق ع « تحيل على «وقع المطر، ووقع حوافر الدابة، يعني ما يسمع من وقعه»، ألا ترى أن وقع المطر وما يحدثه في الأذن والنفس معا لا يكون واحدا وإنما يختلف من مكان إلى مكان بالنظر إلى المكان الذي يقع عليه المطر، ثم إن سرعة وحجم القطرة الواحدة من المطر يجعل قطرات المطر تختلف وقعا وإيحاء، كما أن وقع حافر الدابة تختلف من مكان صلب هش أو رخو، وأن الدابة قد تكون قوية البنية أو نحيلة وقد تكون مثقلة بحمولة وقد لا تكون. نعم ، إن علم العروض قد أخضع الإيقاع الشعري العربي لقواعد مشتقة من إنشاد الشعر، ولقواعد صوتية -أصواتية أصلا، فكان لزاما مراعاة السيتميرية والمدد الزمنية انطلاقا من الحركات والسكنات وما أطلق عليه الضرائر الشعرية أي كل تلك الخروقات المقبول ارتكابها من طرف الشاعر حتى بستوي الوزن. هنا نجد حجة أخرى نعلل بها زعمنا الذاهب إلى كون الوزن العروضي جزءا بئيسا من الإيقاع، وان المعول عليه هو خرق حدود المتوقع، كأن أنتظر نهاية وزنية للبيت، أي عروضية فإذا بوقفة معنوية يعضدها النبر، بالأساس، تفسد علي المتوقع وتصرفني عن استقبال النص الشعري انطلاقا من المتعارف عليه في قواعد التلقي العربي، كما تجعلني لا أولي اهتماما للوقفة بأنواعها الثلاثة: العروضية والدلالية والنظمية، لأن للعبة الإيقاعية وقفات أخْرى ليست عروضية، فالإيقاع أوسع من العروض، ولا بالدلالية لأن النص كله يتحول إلى دال واحد: [لك يا منازل ضعف ما للبحر في سفر الخروج. لك الكلام المر، والفرص التي لم تأت بعدُ، وهالة الخطإ العروضي. انتهى قولي. وليس لدي غير ثواب معصية...] (نص رؤوس أقلام. ( 7) ?من الكامل). صحيح أن المعنى هنا جاء مغلفا أو محمولا على الوزن، والعكس، لكن الدلالة لشدة طغيانها ولدرجة عدولها وانزياحها لا تترك أي مكان للوزن حتى يبرز ويطل، هكذا يصير الوزن جزءا من دلالة النص. كثافة المعنى وثقله وكذا جدته ليست هي استعارته لأننا ألفنا نعت الشعر بالاستعارة متوهمين مع ياكوسبون أنَّ النثر كناية والشعر استعارة، ومع جان كوهن أن الشعر استعارة ممتدة الأطراف. في حين أن الاستعارة مبثوثة في اللغة البشرية كما يذهب الى ذلك هنري ميشو نيك، فالشعر يمر عبر الاستعارة كما يمر عبر كل شيء، ذلك أن ذاكرة النص الشعري، كما أسفلت، ليست هي ذاكرة صاحبه فقط بل هي «مزيج غريب يكف بعد حين عن أن يكن غريبا: مزيج من الأعراف والتجليات الثقافية والأفكار وطرق العيش وتمثل الوجود والأعيب اللغة ودهاليزها وإيقاعات الذات والنفس وعتمات العواطف والأحلام يسيّج الذات الشاعرة فيجعلها تدور في فلكه وتبدع وفق مشيئته فينخرط المتلقي في طقس النص الذي يشكل إيقاعه متناقضات: خليط من الرغبة والرهبة، الشجاعة والخوف، الأقل واليأس، التذكر والحلم، العذوبة والعذاب، الماضي والقادم... يعانق النقيض نقيضه: الشك اليقين، السؤال الجواب، الخطأ الصواب، المرئي اللامرئي، الواقع الأسطورة...: نهودا من الثلج ذبنَ -على عجلٍ حيث لاشيء سوى هذه الورقة. رويك؛ يامرأة ! إن أصل الرؤى مطرقة.] (ص 9.) (والنص من المتقارب : فعولن...) الإيقاع، إذن، بناء على ما اصدرٌ عنه هو خميرة وخلاصة ثلاثُ بنيات متداخلة: بنية المضمون - بنية اللغة - بنية الوزن، وتشكل بنية الوزن اضعف ضلع ضمن هذا الثالوث لأن الإيقاع تغَيّرُ والوزنَ ثبات. الوزن المتكرر الثابت المجرد يدرك بشكل آلي سريع، نعرفه عن طريق التقطيع. إنه الجامد المتوقع، في حين يحطّم الإيقاع الإدراك. الإيقاع يُحطّمُ الأماني، فيصبحُ المتوقع لا متوقعا كأنما هو اللا متوقع حقا، لأن القارئ أو المستمع إنما ينتظر الغريب، ما هو غريب، فإذا بالشاعر يفجأه بالمألوف، فيتحول المألوف هنا إلى لا مألوف، ذلك أن ما تريده القصيدة وتشتهيه وتسير نحوه، كما يورد ذلك الشاعر الأمريكي ارشيبالد ماكليش في «الشاعر والتجربة» «شيء يزول عندما تنتهي القصيدة، شيء عصي على القبض. ليس للشعر معنى إلا المعنى الذي يتكون إثناء قراءتنا له، وبمجرد أن ننهي القراءة ينتهي المعنى كأنه لم يمكن أبداً. ولا يمكن استرجاع هذا المعنى إلا بعودتنا مجددا إلى كلمات الشاعر، كلمات الشاعر ضمن وفي سياق نصه الشعري. من هنا افهم لماذا ينتهي محمد بنطلحة في «سدوم» إلى ما يشبه الخيبة وانكسار الأمل، إذ تتميز هذه الاضمومة ضمن ما تتميز به بتأملها نفسها، أي بتأمل الشعر لنفسه ومحاولة القبض على ماهيته، لأن الشاعر أدرك، بعد طول مراس سبعيني انقاد فيه النص الشعري، المغربي إلى الإكراه الإيديولوجي، أدرك أن للشعر مسؤولية واحدة، ووحيدة هو الكشف عن ذاته، والحق أن هذا الهم حاضر في «بعكس الماء» و «قللا أكثر « بشكل أكثر بروزا: [ ثوبنا جسد: قدماهُ مقصّ ٌ، ومنكبه ضحك، أو بكاءْ يا أمير القوافي ! ويا ظِلَّ من يرتدي - في ركاب التوهم ? - خفين أصلهما عطش ٌ - ورواء ! - أفي فتنة القول متسع للزيادة - والنقص؟ - أمن أن شكل المقص - يحدد شكل الرداء؟] (نص ضربة مقص ص 32 (من الخبب) فعلن ? فعلن لنتأمل عناوين النصوص ، فهي أوضح في تعليل ما نبتغي تأكيدهُ: [ رؤوس أقلام - حفلة من غبار - فيزياء العبارة - هاملت - طبيعة ميتة - نشاز عفوي ليل الكلام - بالعين المجردة - ضربة مقص - سهو -سري جدا - نشاز مقصود - مدخل نظري - رتوش - عمود الشعر- اليد الثالثة- مديح بالمجان - مصباح أرسطو- ثلاثاء الرماد (ونتذكر أربعاء الرماد لإيليوث) - تصويب ...] هكذا نجد الشاعر فرحا نشوانا بغموض وكثافة العوامل التي يدفعه إليها الشعر وجبروته، بعيدا عن الطقس الذي طالما وضع الشعر العربي في المغرب نفسه فيه، أو بالأحرى زج بنفسه فيه: طقس النضال الاجتماعي - السياسي، ومعانقة الأحداث الكبرى بل تبنيها والذود عن حياض كل ما قد يبدو نورا وخيرا ضدا على طغيان ما كان يبدو ظلاما وشرا. نحن إزاء شاعر لا يقول كلمته ويمضي بل تقوله كلمته وتمضي: وهذا ليس ضعفا وانكسارا أمام القصيدة ولكنها القوة بعينها.؟ ذلك أن الخروج من أبهة الكلام ورونق الأسلوب والنفاق الشعري والطبطبة على أكتاف الجماهير والعمال والطلبة ، والخروج من دائرة المكرور اللغوي والتخييلي، وهجر الإنشاد وما يشبه البكاء والعويل، ومغادرة النقطة التي يتآكل الإيقاع عندها ليصير نيئا، ثم إغلاق أبواب العوالم المفتوحة والدخول في طقس اللامعلوم والتوسل بأدوات أخرى أكثر إسعافا في طرق نوافذ الخبيء والعصي على الفهم وترك الذات لرحمة تدفق الصور والأخيلة كلها شروط تسيّج راهن الشعر الإنساني عامة. بناء عليه، أوجز ما أضافته هذه المجموعة إلى المنجز النصي الشعري المغري: أ - إخضاع الوزن للإيقاع، لا العكس، لقد صار الوزن جزءا من دلالة النص. ب- إيجاد إيقاع خاص به، وهذا رهان كلّ شاعر يجعل الشعر منفذا للإطلالة على نفسه وذاته وأن يري الكون والعالم من خلالهما. ج - إجبار المتلقي على القراءة بدل الإنصات. د - دعوة الدرس النقدي حول الشعر إلى شحذ أدواته.