عند نهاية كل دورة أو سنة دراسية، لا يتداول في الأوساط التعليمية والاجتماعية، إلا سؤالان متلازمان " كم معدلك؟ وهل نجحت؟". يرن هذا السؤال المزدوج في آذان الأطفال من جميع المستويات الدراسية أكثر من مرة، فإما يقابل بابتسامة وتعبير إيجابي، وإما بخفض الرأس وتجهم وانسحاب. فأصبح، منذ مدة زمنية، المعدل والنجاح هاجسا لدى التلاميذ والأمهات والآباء والأطر الإدارية والتربوية والسلطة التربوية محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا. فالتلميذ يريد أن يرى نفسه بين زملائه الناجحين، والأب والأم ينظران إلى النجاح ماديا واجتماعيا، والسلطة التربوية ترى مقاعد تفرغ ومقاعد تملأ لتسجيل تلاميذ جدد والاحتفاظ بالقدامى. وقد جرى الحديث عن عتبة النجاح منذ مدة، فارتفعت وانخفضت، واعتمد العمل بها مرتفعة سنوات ، فأسالت حبرا وأثارت زوبعات، واستمرت منخفضة سنوات، وووجهت بمواقف وانتقادات. ويتم التفكير في تحديد عتبة، استجابة لمطلب تربوي يبدو موضوعيا، فما هي عتبة النجاح؟ وما هي أدوارها ووظائفها؟ ولماذا يتم اعتمادها؟ وما هي المردودية المدرسية؟ وأي علاقة تربط عتبة النجاح بالمردودية المدرسية؟ ومن خلال أي شروط وفي أي ظروف يصح العمل بعتبة النجاح؟ سنحاول، قدر المستطاع، مناولة هذه الأسئلة الفرعية المؤطرة لإشكالية قرارات النجاح والرسوب المبنية على معدل خام يعتبر عتبة، من تخطاها من التلاميذ مقبول، ومن كان دونها مرفوض، وذلك بشكل آلي، دون مراعاة عوامل النجاح والرسوب، ودون اعتبار ظروف التمدرس ومناخ العملية التربوية ومحتويات المقررات الدراسية، والطرائق والمعينات البيداغوجية، ووسائل التقييم التربوي، والواقع الاجتماعي والمهني، وذلك من خلال الفقرات أسفله. وقبل ذلك، لا بد من التذكير أن التقييم التربوي يعتبر أحد المكونات الأساسية والمرتكزات الهامة التي تقوم عليها منظومة التربية والتكوين، كما يعتبر مجموعة من العمليات تهدف إلى الكشف في ذات الآن عن طبيعة ومواصفات العملية التربوية، وقدرات وكفاءات المدرسين، وطرائق إنجاز الفقرات والمقررات الدراسية، ومستوى التحصيل الدراسي عند التلاميذ، وذلك بإصدار أحكام قيمية على نتائج القياس التربوي، أي مدى كفاية الدرجات التي تترجم مدى تمكن التلميذ من الدروس المقررة والمنجزة، أو ما يمتلكه من مقدرة معرفية وجسمية. والتقييم التربوي، إذا ما توفرت الشروط، يمكن من إخبار التلميذ والمدرس حول درجة التحكم في الكفايات المستهدفة، واكتشاف مواطن الضعف والقوة لدى التلميذ خلال تعلمه، وتحديد الصعوبات التي تواجه المدرس من أجل البحث عن طرائق واستراتجيات ناجعة تمكنه من تطوير عمله وتجاوز الاختلالات التي تطال العملية التربوية والمحتويات المعرفية. I. عتبة النجاح: تعتبر عتبة النجاح معدلا سنويا عاما، يجري الاتفاق حوله لعدة اعتبارات تربوية ومدرسية واجتماعية واقتصادية وغيرها، يحدد، بشكل مباشر، عدد ونسبة التلاميذ الناجحين المنتقلين إلى المستويات الدراسية الموالية. وتفصل عتبة النجاح، من حيث قيمتها الكمية، بين مجموعتين من التلاميذ، إحداهما تضم تلاميذ ناجحين، وأخرى تضم تلاميذ راسبين. وبخصوص مستويات التوجيه، تشكل عتبة النجاح في ذات الآن عتبة التوجيه، يتخذ على أساسها مجلس القسم قرارات مصيرية في حق التلاميذ الذين تخطوا هذه العتبة، حيث يجزم الأساتذة أن كثيرا من التلاميذ تفوق معدلاتهم العتبة ولا يبدون أي جانبية للتوجيه، ويصعب تخويلهم شعبة معينة، وأن كثيرا من التلاميذ تنزل معدلاتهم عن العتبة، ويمكن اتخاذ في حقهم قرارات واضحة. وترتبط عتبة النجاح بالمعدلات العامة لجميع تلاميذ نفس المستوى الدراسي، وتتطابق والمعدل العام لآخر تلميذ تقرر نجاحه، يليه مباشرة وبفارق مهمل، معدل أول تلميذ تقرر رسوبه. ومن أجل التحكم في تدفق التلاميذ وضبط صبيب حجم النجاح والرسوب، يتم الالتجاء إلى أساليب متعددة، تكمن في درجة صعوبة الأسئلة الاختبارية، واعتماد أساليب تقييم معينة، وتطبيق معاملات منتقاة بدقة وعناية سواء على بعض المواد الدراسية، أو على مكونات التقييم التربوي الكتابية والشفوية والتطبيقية. وكون عتبة النجاح تتطابق وأحد المعدلات السنوية لأحد تلاميذ نفس المستوى الدراسي، فإنها تنطبق عليها جميع مواصفات وخصائص المعدل السنوي للتلميذ، وتعتريها نفس الأخطاء والشوائب التي تعتريه. وبالتالي، كانت عتبة النجاح منخفضة أو مرتفعة، فإنها تحدد فقط عدد ونسبة تلاميذ ناجحين، وعدد ونسبة تلاميذ راسبين، ولا تمكن من التمييز بشكل جوهري ودقيق بين مستوى تحصيلهم الدراسي وقدراتهم الفكرية والجسمية، كما لا تمكن من الجزم بقدرة تلميذ ما على متابعة دراسته بالقسم الموالي، ما لم تتوفر شروط معينة يتم التطرق إليها أدناه. وحيث ترتبط عتبة النجاح بالتقييم التربوي فما هي الشوائب والمعيقات التي تطال عملية التقييم التربوي؟ وبديهي أن عتبة النجاح المعتمدة لاتخاذ قرارات الانتقال من مستوى دراسي إلى آخر، تتطلب توحيد مختلف عناصر العملية التربوية ومكوناتها، كما تتطلب التطبيق الموحد على صعيد مستوى دراسي معين، كان على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الجهوي أو الوطني، ووفق الشروط التالية: 1. توحيد الأطر المرجعية على صعيد الكتاب المدرسي من حيث المحتويات والمفردات والمصطلحات والملخصات وطرائق التدريس؛ 2. توحيد الأسئلة الاختبارية على صعيد مستوى دراسي معين؛ 3. توحيد ظروف تمرير وإنجاز الفروض المحروسة والاختبارات الكتابية والشفوية والعملية، وتوحيد عملية التصحيح؛ 4. إعداد فضاءات تربوية ومرافق صحية ورياضية وترفيهية جذابة وذات مواصفات متطابقة أو متقاربة بجميع المؤسسات التعليمية حتى يطمئن التلاميذ إلى أن نفس الاهتمام يشملهم ولا يوجد أي تمييز بينهم؛ 5. تجهيز المختبرات والمحارف بنفس الوسائل والمعينات البيداغوجية، والقيام بنفس التجارب والأشغال التطبيقية؛ II. المردودية المدرسية: لا يخفى على أحد الطرائق والأساليب الكثيرة والمتنوعة الممكن الالتجاء إليها لرفع النقط أو خفضها، وبالتالي كلما ارتفعت النقط ارتفعت المعدلات والعكس بالعكس، ويتم تحديد العتبة حسب عدد المقاعد الشاغرة بكل مستوى دراسي وبكل شعبة دراسية أو مهنية. وحيث النقطة لا تعتبر في ظل الشروط القائمة حاليا، معيارا لتقييم مستويات التحصيل الدراسي الفعلية، فإنها لا تمكن من إصدار أحكام حول طبيعة المردودية المدرسية. فالمردودية المدرسية تترجم القدرة الفعلية للتلميذ على القراءة والكتابة والحساب والإنتاج والتعبير، وتأهيله للقيام بفعل ما عمليا ومهاريا، ومزاولته لمهنة بكفاءة واحترافية، وإدماج أكبر عدد ممكن من حاملي الشواهد مستحقين وذوي كفاءات فعلية وحاملي مشاريع اجتماعية واقتصادية حقيقية، قابلة للإنجاز والتقييم ومساهمة في النمو وتطوير الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتنمية البشرية. إن الإشكالية أعمق من تحديد عتبة بجرة قلم، إذ بينت تجارب ملموسة كثيرة جدا، أن تلاميذ كثرا حاصلون على نقط جيدة ويبدون ضعفا مهولا في القراءة والكتابة والحساب، يقابلهم تلاميذ كثر حاصلون على نقط جد متواضعة ويستطيعون القراءة والكتابة والحساب بسلاسة ويسر. وقد تم تسجيل نفس الملاحظات على امتداد جميع المستويات والأسلاك الدراسية، فكم تلميذا/طالبا جيدا، يتعامل بنجاح مع مختلف الوضعيات، ويحصل على نقط ضعيفة وغير مؤهل للقيام بأي عمل، وكم تلميذا/طالبا ضعيفا، لا يستطيع التفاعل مع وضعيات معينة، ويحصل على نقط جيدة ومؤهل للقيام بعمل ما !!!. وبناء على ما تقدم، ومن حيث الجوانب الكيفية والنوعية لا يمكن الجزم، بشكل مطلق وقطعي، أن عتبة النجاح تمكن من إصدار أحكام موضوعية حول طبيعة المردودية المدرسية والتحصيل الدراسي لدى التلاميذ، كونها ترتبط بمجموعة من النقط والمقادير التي تعتريها أخطاء ناجمة عن عمليات القياس، وطبيعة الأسئلة والمواضيع الاختبارية، والتصحيح، وكونها تختلف وتتغير حسب حيثيات وحالات، نعرضها لاحقا. فما هي معيقات المردودية المدرسية؟ 1. فعلى صعيد المقررات والبرامج الدراسية: . عدم اتسام المقررات والبرامج الدراسية بالواقعية، حيث لا ترتبط بالواقع الاجتماعي والثقافي للمتعلمين، ولا تستجيب لحاجياتهم الملحة، ولا تساير التطور التكنولوجي والصناعي؛ . تعدد الكتب الدراسية بنفس المستوى الدراسي، يحدث ارتباكا في صفوف التلاميذ، ويؤثر سلبا على الاختبارات والامتحانات الموحدة، حيث كل كتاب ينتهج نمطا ديداكتيكيا، ويعتمد منهجية، ويتداول مفردات ومصطلحات؛ . طول المقررات الدراسية وكثرة المواد المقررة، يثقل كاهل المدرس والتلميذ على حد سواء، ما يجعل المدرس يلتجئ إلى الاختزال والمرور سطحيا على فقرات، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض التحصيل الدراسي عند التلاميذ لعدم بناء وتماسك المعرفة؛ 2. وعلى صعيد المؤسسات التعليمية: . من حيث الفكر الاجتماعي والثقافي، فالمدرسة فقدت أدوارها ووظائفها التربوية والاجتماعية والاقتصادية، وعادت تنتج الانحراف والفشل والبطالة؛ . ومن حيث الموقع الجغرافي بالنسبة للقرى والدواوير والمداشر، فالمدرسة بعيدة عن سكنى أغلب التلاميذ، في ظل وعورة الطرق والمسالك، وعدم توفر وسائل النقل، وأقسام داخلية ومآوي للتلاميذ، ما يضعف المردودية المدرسية ويؤدي إلى الانقطاع عن الدراسة ومغادرة الأسلاك الدراسية؛ . ومن حيث البناية والحجرات والمرافق الإدارية والصحية والترفيهية، فإن المدرسة تبدو منفرة لمرتاديها حيث لا يستقرون نفسيا، في ظل غياب أسوار واقية، وعدم توفر أمن يحمي الساكنة المدرسية، وانتهاك حرمة المدرسة من طرف غرباء الذي يحتلون أبواب المدرسة ومحيطها؛ . ومن حيث الأطقم الإدارية، فإن المدرسة تفتقد للعدد الكافي من الأطر الإدارية، ما يؤدي إلى ضعف الأداء الإداري، وعدم التحكم في مختلف الظواهر التي أضحت تغزو المؤسسات التعليمية، وتؤثر على السير العادي لمختلف العمليات التربوية والإدارية، وتسهم في تخريب البنى التحتية للمدرسة، ما يجعل التلاميذ ينفرون من المناخ التعليمي والفضاء المدرسي؛ . ومن حيث نوع التعليم، تسجل فوارق شاسعة بين التعليم العمومي والتعليم الخصوصي والبعثات الثقافية، من حيث البنى التحتية، والمقررات، والنتائج المدرسية؛ 3. وعلى صعيد العملية التربوية: . انتشار ظواهر الاكتظاظ والأقسام المشتركة والهواتف النقالة واللوحات الإلكترونية والعنف المادي والمعنوي، أثر بشكل سلبي على مناخ الفصل الدراسي، وعادت العملية التربوية عسيرة، حيث يمضي المدرس حصة الدرس في محاربة الشغب والفوضى ومحاولته التحكم في تحركات التلاميذ وأفعالهم وألفاظهم؛ . غياب الأشغال التطبيقية والخرجات الدراسية والمختبرات والمحارف وساحات الرياضة والتربية البدنية، أثر بشكل واضح على التحصيل الدراسي وبالتالي تقهقرت المردودية المدرسية؛ 4. وعلى صعيد التقييم التربوي والامتحانات: . عدم توفر أغلب العناصر والمواصفات المطلوبة في الأسئلة الاختبارية، يؤدي إلى قياس مبتور للتحصيل الدراسي عند التلاميذ، وبالتالي عدم الوقوف على المردودية المدرسية الحقيقية للعملية التربوية عموما؛ . انتشار ظواهر الغش والإخلال بالواجب والساعات الخصوصية المؤداة، أثر سلبا على عملية التقييم التربوي والامتحانات، وألحق بها أضرارا جسيمة، إذ لم تعد تؤدي الأدوار الموكولة إليها، وبالتالي لم يعد القائمون على العملية التربوية قادرين على وضع الأصبع على النتائج الحقيقية للتلاميذ، ولا تحديد المردودية المدرسية الحقيقية؛ تكلم وغيرها كثير، عوامل تعيق السير العادي للعملية التربوية بالمؤسسات التعليمية وتؤثر طبعا سلبا على التحصيل الدراسي والمردودية المدرسية. III. عتبة النجاح والمردودية المدرسية: ويتم تحديد عتبة النجاح، بعد ظهور النتائج العامة، وبناء على دراسة وإحصاء ومعرفة دقيقة بعدد المقاعد الشاغرة في كل مستوى دراسي. كما يمكن تحديد عتبة النجاح مسبقا، بناء على دراسة النتائج القبلية والقيام بإسقاطات تخمينية، فيتم، من أجل التحكم في أعداد ونسب التلاميذ الناجحين، الالتجاء إلى طبيعة مواضيع الامتحانات، وتصاغ الأسئلة الاختبارية بعناية فائقة، فتنخفض أو ترتفع النقط بشكل أوتوماتيكي، وبالتالي لا يؤثر عدد التلاميذ الناجحين فعليا على الأعداد المتوقعة، ويمكن الالتجاء إلى ما يطلق عليه الجبر لتعويض الخصاص وملأ المقاعد الشاغرة. وهكذا يتضح، بالنظر إلى الوضعيتين معا، أن عتبة النجاح لا تعكس لا مردودية مدرسية ولا جودة تعليمية، ولا قرارات موضوعية للتوجيه، حيث فئة التلاميذ الناجحين قد تضم تلاميذ لا يستحقون النجاح، وفئة التلاميذ الراسبين قد تضم تلاميذ يستحقون النجاح ويمكن أن يسايروا في المستوى الموالي، وفق أحكام يصدرها مجلس القسم، اعتبارا لعدة مبررات ومؤشرات، يعرفها الأساتذة ويتداولونها ويقومون بجردها بكل ثقة وموضوعية. وعليه يعتبر المعدل المثالي أفضل عتبة للنجاح والتوجيه، مع ترك التدخل واتخاذ مختلف القرارات لمجلس القسم الذي تعطاه صلاحيات إصدار الأحكام النهائية على الوضعية التربوية والمدرسية للتلاميذ. خاتمة: إن عتبة النجاح لا تعكس مردودية مدرسية معينة، ولا تمكن من اتخاذ قرارات تربوية ومدرسية وإدارية موضوعية في حق التلاميذ، ما دامت العملية التربوية وعملية التقييم التربوي غير خاضعتين لشروط معينة تتجلى في وضع حد لظواهر الغش والعنف والشغب ولاكتظاظ والأقسام المشتركة..، وإيلاء نفس العناية والاعتناء لنوع التعليم، والبنايات المدرسية والفضاءات التربوية، وتوحيد الامتحانات الكتابية والشفوية والتطبيقية، وتوحيد ظروف التمرير وعمليات التصحيح وإصدار الأحكام على إنتاجات التلاميذ، محليا، كان، أو إقليميا أو جهويا أو وطنيا.