أمام الوضع المعقد الذي تعيشه مدينة القدس والمساعي الاسرائيلية المستمرة لتهويدها وافراغها من سكانها العرب؛ تبرز تحركات مغربية قد تكون بالنسبة للمقدسيين نقطة بيضاء في بحر المعاناة التي يرزحون تحت وطأتها، وفي ظل التجاهل الواضح التي تلقاه المدينة المقدسة عربيا واسلاميا على حد سواء، والعجز الفلسطيني الرسمي عن وقف عجلة الاستيطان والتهويد من خلال المفاوضات المتعثرة مع اسرائيل. من المغرب - التي ترأس لجنة القدس المُشكّلة منذ مطلع الثمانينات – خرج مؤخرا تقرير هام أشار الى ان الاستيطان في القدسالشرقية قلص مساحتها الى اقل من 12%، وفي المغرب ايضا تجري التحضيرات لعقد ملتقى دولي حول القدس خلال الشهر المقبل بحضور شخصيات عالمية مرموقة وبرئاسة مباشرة من العاهل المغربي محمد السادس. لكن أكثر ما بدا لافتا هو قيام المغرب بشراء قطعة أرض كبيرة في القدس بقيمة 5 ملايين دولار، بهدف الحفاظ على الطابع العربي والاسلامي للقسم الشرقي من المدينة المقدسة الذي ضمته اسرائيل العام 1967، حسبما أكد صندوق القدس. تلك المبادرة قوبلت بارتياح وثناء فلسطيني على دور المغرب الذي يبدو أكثر نشاطا من غيره، وبالنسبة للشيخ ناجح بكيرات مدير دائرة الوثائق والمخطوطات في مؤسسة الأقصى فإن هذه المبادرة خطوة في الإتجاه الصحيح، والمطلوب من بقية الدول العربية والاسلامية الحذو حذوها والمسارعة الى القيام بخطوات مشابهة لعل ذلك يساعد في إنقاذ ما يمكن إنقاذه. ويقول بكيرات ل"الرأي": "إن القدس تعيش أوضاعا مزرية والتهويد يشتد وطأة يوما بعد آخر، وفي حال ظلت الأمور على ما هي عليه لن يبقى شبر واحد للعرب والمسلمين في القدس، فيما سيصبح المسجد الأقصى أثرا بعد عين نتيجة لاستمرار الحفريات ليل نهار تحت أركانه، لذا قابلنا الخطوة المغربية بارتياح كبير رغم انها لن تغير كثيرا من واقع الحال، إلا أنها تمنحنا بصيص أمل بحقبة جديدة من التحرك العربي والاسلامي لانقاذ القدس". قطعة الأرض التي اصبحت ملكا لصندوق القدس تبلغ مساحتها نحو 1800 متر مربع، وسيبنى عليها قريبا مركزا ثقافيا يدعى "بيت المغرب"، بالاضافة لمشاريع أخرى، ستكون امتدادا لمشاريع سابقة تولت المغرب دعمها في القدس. هذه المبادرة المغربية جاءت بعد أيام فقط من الكشف عن تقرير صدر عن "بيت مال القدس" الذي يتبع للجنة القدس، وجاء فيه ان المساحة المتبقية من القدسالشرقية لا تتجاوز 10 الى 12 بالمئة فقط، في وقت تضع السلطات الاسرائيلية مخططات لاخلاء تلك المساحة أيضا في غضون السنوات القليلة القادمة. كما ان ملتقى دوليا خاصا عن القدس يجري الترتيب لعقده في المغرب نهاية الشهر المقبل برعاية الملك محمد السادس، وقد وجهت دعوات لشخصيات سياسية وفكرية دولية لحضوره من بينها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، حسبما أكد ناصر القدوة مدير عام مؤسسة ياسر عرفات وعبد الكبير العلوي مدير عام وكالة بيت مال القدس المغربية. وخلال مؤتمر صحفي مشترك في رام الله قال القدوة ان الفكرة الاساسية من عقد هذا الملتقى هي "اعادة الاهتمام الدولي بمدينة القدس والتأكيد على انه لا يمكن الوصول الى حل سياسي للصراع العربي الاسرائيلي دون مدينة القدس". واضاف "دعونا عددا كبيرا من السياسيين والمفكرين"، موضحا انه "سيكون خلال اعمال المؤتمر حوار حول كافة الامور المتعلقة بالقدس، بما فيها الوضع المالي وما تم بشأن المدينة خلال الفترات السابقة". من جهته، صرح عبد الكبير العلوي مدير عام وكالة بيت مال القدس ان مؤسسة ياسر عرفات كانت المبادرة لعقد هذا المؤتمر، وقال ان "المغرب ترأس لجنة القدس وشيء طبيعي ان يعقد هذا المؤتمر في الرباط برعاية الملك محمد السادس". واضاف العلوي ان "القيادات الفكرية والسياسية مؤثرة في القرار السياسي لذلك اجتماعها في هذا الملتقى وبهذا الحجم سيكون له انعكاسات على السلام وعلى الجهود المبذولة وفرصة للتعريف بمواقف الشعوب العربية والاسلامية".