بحث فاعلون سياسيون وخبراء في قضايا الفكر والاقتصاد في منتدى انطلقت أشغاله يوم السبت بالدوحة الإشكاليات التي تثيرها العلاقات المتشابكة والمعقدة التي تجمع بين أمريكا كقوة اقتصادية وسياسية كبرى والعالم الإسلامي كمنظومة فكرية وثقافية وسياسية غير متجانسة . وحاول المتدخلون في الجلسة الأولى لمنتدى أمريكا والعالم الإسلامي، الإجابة كل من منظوره ومنطلقاته الفكرية والسياسية وحتى الثقافية على الأسئلة التي تطرحها هذه العلاقة والمرتكزات التي تقوم عليها والمدى الذي يجب أن تصل إليه خاصة في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها العالم. ورغم تباعد المقاربات التي انطلق منها المتدخلون خلال هذه الجلسة التي أدارها كارلوس باسكوال من مؤسسة بروكينغز الأمريكية في تحليل آليات هذه العلاقة ومدى قدرتها على الصمود أمام التباين الحاصل بين الطرفين، فقد أجمعوا على أن « الحوار هو الطريق الصحيح لتجاوز كل الخلافات مهما تعددت وتنوعت باعتباره يشكل آلية لفهم الآخر ». وهذا ما ذهبت إليه مادلين أولبرايت ( وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ) التي كانت أول المتدخلين حين أكدت أن الحوار « يكتسي أهمية وقيمة كبيرة لدوره في تبادل الأفكار والإجابة على الأسئلة الصعبة وكذا لإسهامه في فهم الآخر وبالتالي فهو الطريق الصحيح لتجاوز الخلافات ». وبرأي أولبرايت فإن وصول أول رئيس من أصل إفريقي للسلطة في واشنطن ( باراك أوباما ) يمثل "" رسالة تتجاوز حدود أمريكا "" مشددة على أن "" المصالحة الحقيقية تتحقق بمواجهة الاختلافات وتجاوزها "". فتكريس التعاون بين الدول والأديان وحتى الثقافات "" من شأنه أن يمنع أي دولة من السيطرة على الآخرين وإرهابهم خاصة في عالم اليوم "". ومن هذا المنطلق، طالبت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ب"" أن نتذكر إنسانيتنا المشتركة وأن نواجه التحديات بالحوار ولا شئ غير الحوار"". وإذا كانت أولبرايت قد شددت على أن "" الولاياتالمتحدةالأمريكية لا يمكنها أن تفرض الديمقراطية بالقوة "" في إشارة منها إلى الانتقادات التي توجه للإدارة الأمريكية بشأن تدخلها في شؤون الدول الأخرى فإن أنور إبراهيم, نائب رئيس وزراء ماليزيا الأسبق، يرى أن على واشنطن أن "" تنخرط مع أصدقائها وأعدائها على أسس ترسي دعائم السلام والعدالة واحترام قيم الديمقراطية"". ورغم تأكيده أن الإدارة الأمريكيةالجديدة « قد بدأت بالاستجابة لنداء التغيير عبر قرارات جريئة من قبيل إغلاق معتقل غوانتنامو وغيرها » فإنه بالمقابل يقر بأن «معالجة القضايا التي تفرق بين العالم الإسلامي وأمريكا لن تتم إلا من خلال لغة الاحترام المتبادل » . فالعالم الإسلامي يقول أنور إبراهيم لا يمكنه « أن يقف موقف المتفرج ورياح التغيير تهب على السياسة الخارجية الأمريكية بل على حكومات بلدان العالم الإسلامي«أن تكون أكثر استجابة لتطلعات الشعوب المشروعة ». ومن هنا، دعا الطرفين «إلى التحلي بالإرادة لمواجهة التحديات الكبرى كالفقر والأزمة المالية العالمية». وحول اللغط الذي يثيره البعض بخصوص احتكار قيم الحرية والعدالة والكرامة من طرف ثقافة أو أخرى، أكد ابراهيم أن هذه القيم « هي مبادئ كونية تشترك فيها كل البشرية ولا يمكن لدولة أو ثقافة ما أن تحتكرها». وفي مقاربته للعلاقة بين أمريكا والعالم الإسلامي ركز الجنرال ديفيد بيتريوس, قائد القيادة المركزية الأمريكية على القضايا الأمنية المشتركة بين الطرفين حين أكد على أهمية الشبكات الأمنية « في تعزيز العلاقات بين العالم الإسلامي وأمريكا وتقليل الحواجز بين الدول ». واعتبر أن هذه الشبكات الأمنية تساهم في الرفع من قدرات الردع الجماعية في مواجهة الأخطار وبالتالي فإنها تساعد على تحقيق السلام في العالم. واختار برهم صالح, نائب رئيس الوزراء العراقي، أن يتحدث عن قضية العراق وتأثيرها على العلاقات بين العالم الإسلامي وأمريكا باعتبار أن التطورات التي شهدها هذا البلد « ستكون لها تداعيات كثيرة على العالم الإسلامي ». وقال إن عملية التحول والانتقال التي يشهدها العراق اليوم « رغم أنها لا تزال هشة وفي بدايتها إلا أنها تنم عن أمل كبير » مشددا على أن « دعم العراق يصب في مصلحة دول المنطقة ككل وأن أي انتكاسة في هذه المسيرة ستشكل كارثة على الجميع». وكان عبد الله بن حمد العطية نائب رئيس الوزراء وزير الطاقة القطري قد قال خلال افتتاحه لأشغال هذا المنتدى إن تقوية أواصر الصداقة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والعالم الإسلامي « يتطلب قبل كل شئ التخلي عن إيديولوجيات الصراع الدائم التي جسدت جوانب عديدة من السياسات الماضية إزاء العالم الإسلامي دون أن تفلح في تحقيق الاستقرار». ودعا إلى تجديد الأفكار والمقاربات في التعاطي مع القضايا التي تهم العالم الإسلامي خدمة للسلام والتنمية التي لا يمكن لأية علاقة جيدة أن تنمو بدونهما. وستتواصل أشغال الدورة السادسة لمنتدى أمريكا والعالم الإسلامي الذي تنظمه وزارة الخارجية القطرية و« معهد بروكينغز » بالولاياتالمتحدةالأمريكية تحت شعار « التحديات المشتركة » عبر جلسات عمل ولقاءات تبحث مجموعة من القضايا المتعلقة بالتنمية البشرية والتغيرات الاجتماعية وسبل مواجهة الأزمة المالية العالمية وغيرها من قضايا السياسة والاقتصاد والفكر والأمن والطاقة والثقافة والفنون.