إن التأريخ لمرحلة معينة ليست بالأمر الهين، خاصة إذا كانت تحفل بالشق الإبداعي، بتسليطها الضوء على شريحة من الشباب المغربي داخل الساحة الجامعية. تتأثر وتؤثر في المشهد الوطني، لذا التقينا صاحب مذكرات فيلم «زمن الرفاق» والذي أخرجه «الشريف محمد طريبق» ليحدثنا عن حيثيات المرحلة وعن الظروف التي ساهمت في الاشتغال عليها كفيلم. فكان هذا الحوار هل يمكن أن تضعنا في المرحلة الجامعية التي عشتها؟ > يمكن أن أقول عنها إنها صادفت وطنيا وكونيا مرحلة حاسمة من التاريخ الحديث. فموسم سنة 89/1990 الى حدود سنة 1994 كانت القنطرة التي حملت العالم الى حالته الجديدة الراهنة ففيها كان انهيار جدار برلين وغزو الكويت من طرف نظام البعث بالعراق واكتساح جبهة الانقاذ الجزائرية الانتخابات البلدية وما رافق ذلك من انقلاب على نتائجها وبداية مسلسل الدم بالجزائر وأيضا تزامنت مع إعلان تفكك الاتحاد السوفياتي وظهور القوى الإسلامية كقوة موحدة تطمح للسيطرة على الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بجميع الأشكال وعرفت أيضا مسلسل مدريد الذي سيعطينا أوسلو وتراجع المد القومي ومسلسل المشاورات حول التناوب بالمغرب وانهيار نظام الابارتايد ودخول الحركات اليسارية بأمريكا الجنوبية في المفاوضات حول التداول الديمقراطي للسلطة وظهور كتاب نهاية التاريخ لفوكوياما كيف جاءت فكرة تدوين هذه الأحداث؟ > هذه الأحداث أعطتني انطباعا أشبه بما عبر عنه ابن خلدون وهو يفسر لماذا احتاج العالم الى مقدمته، فبعد استعراض التحول العالمي الذي شمل عهده قال: «وإذا تبدلت الأحوال جملة فكأنها تبدل الخلق من أصله وتحول العام بأسره وكأنه خلق جديد ونشأة مستأنفة وعالم محدث فاحتاج لهذا العهد ما يدون أحوال الخليقة والآفاق وأجيالها والعوائد والنحل التي تبدلت لأهلها» هكذا جاءت كتابة أحداث المرحلة من خلال تقفي الأحداث الشخصية التي عشتها وكنت فاعلا في صياغتها، كيف تبلورت عندك فكرة تحويل المذكرات الى شريط سينمائي؟ > عندما كتبت المذكرات لم أكن أظن أنها ستكون أحداثا ذات مضمون عمل سينمائي، حتى التقيت بالمخرج السينمائي «الشريف طريبق» وكنا نسكن معا بمرتيل قال لي: أنه يود إنجاز عمل سينمائي عن هذه المرحلة، وعندها أعطيته المذكرات، وبعد أيام جاءني بمحاولة أولى لسيناريو الفيلم، وهكذا بدأنا العمل معا زهاء ست سنوات، فصلنا خلالها جميع أحداث المرحلة ومرجعياتها الفكرية وأجواءها النفسية. هل يمكن أن تضع مقانة بين مرحلة عشتها بواقعها وهواجسها وأحداث الفيلم كمخيال؟ > أنت تعرف جيدا أن مشكل التمثل الواقعي حتى على مستوى اللغة مازال يطرح نقاشا داخل أوساط اللسانيين، ومطابقة الدال للمدلول إشكال يصعب التعاطي معه بأجوبة مختصرة، والأمر يصير أكثر تعقيدا على مستوى الدراما، لأننا نبحث وننشئ مدلولات مركبة فهناك أولا السيناريو كتمثل لغوي للواقع والتمثل المضاعف على مستوي تحويل الدلالة اللغوية في السينما فإذن المطابقة التامة لفيلم كيفما كان للواقع أظنه صعب جدا. كأول احتكاك لك بالمشهد السينمائي المغربي، كيف تقيم الوضع؟ > كان لي الشرف ان اشتغل مع مخرج سيكون له حضوره في المشهد السينمائي المغربي، فبالاضافة لتمكنه من عمله كمخرج «فالشريف طريبق» يحمل دائما قلقه الفكري على كاميراه، لذا استمتعت كثيرا بالعمل الى جانبه، وعندما تصير السينما المغربية بين أيدي هؤلاء أظن ان المستقبل سيحمل الكثير من التقدم للفن السابع بالمغرب. أثير خلال النقاش الذي دار في الندوة الصحفية بطنجة ان الفيلم بمجد فصيلا طلابيا على باقي الفصائل؟ > أبدا، لم يكن الفيلم يمجد فصيلا طلابيا على آخر، بل كان يتحدث عن شريحة اجتماعية ساهمت في بناء تاريخ المغرب الحديث، اثرت فيه وتأثر بها، إلا أن الملاحظ أن تاريخنا هذا لايتحدث سوى عن الزعماء والرموز وينسى جزءا مهما من فاعليه وهو الشبيبة المغربية بما تحمله من هموم وطموح وأحلام ، وإذا كان الفيلم تناول تجربة الطلبة القاعديين، فهو أيضا عمل على التنبيه الى مسألة اساسية وهي لولا هؤلاء الشباب الذين وجدوا بالساحة الطلابية آنذاك، لاختلف تاريخ المغرب كما هو عليه الآن، على اعتبار أن الذي كسر وأعطى للمد الأصولي طابعه السياسي الحالي وأيضا حد من حماسة ولادته هم شباب كانت لهم القدرة على أن يتشبثوا بالوجود والبقاء، وأرغموا الطرف الآخر على الاعتقاد نهائيا بأنه لن يكون لوحده وبأنه ليس الوحيد الذي يحمل عين الحقيقة، بل هناك حقائق أخرى لها منطقها ومنطلقاتها رغم أن الثمن كان باهظا.