كان من الممكن لعبد العزيز الطريبق أن يختار اسم فيلم سميه محمد الشريف الطريبق، عنوانا فرعيا لكتابه الذي أصدره عن حياته و عن حياته في الثورة والسياسة .. فيلم الشريف الطريبق يتحدث من خلال قصة حب مشوقة، عن حياة طلبة في الجامعة في بداية سنوات التسعينات، حيث يظهر الاختلافات في انشغالاتهم السياسية، ولكن الكتاب يتحدث عن قصة ، قد يحضر فيها الحب ولكن زمن القسوة بين الرفاق كان له حيز اوسع. لا يتذكر المعتقل السياسي السابق، عبد العزيز الطريبق ، كتابة مذكرات السجن ، كبطل، بل اختار أن يكون الكتاب الصادر حديثا ( منشورات سعد ورزازي ، بطنجة،327 ص، 60 درهما)، كما لو كان كتبا عديدة في كتاب، ، جدارية لعرض شريط طويل، ذاتي ومجتمعي وسياسي، عن منظمة «الى الامام، تشريح محنة مغربية» عبد العزيز طريبق، مؤرخ جيد لهوايته الاساسية، الرياضة، كرة القدم بالذات، حيث أن 80 صفحة على الاقل ، تروي عن حياته الطفولية، كرة القدم واسمائها ولاعبيها، من الاجانب والمغاربة. بين دفتي الكتاب ثلاث حيوات على الاقل، حياة عن الهواية، والسنيما، عن النساء والسخرية وعن السياسية والسجن. تعطي الصفحات الأولى للشهادة المقدمة من طرف المناضل الكاتب ، انطباعا بأن الكتاب تصفية حساب مع المنظمة ومع «الرفاق» في القيادة، هؤلاء الذين يقول عنهم في ص11«إنهم عبروا عن تعطش كبير للسلطة، يفوق في شراسته تعطشا، في الجهة الأخرى».فباسم الثورة ومصالح الشعب، كان التسامح ، ينزل في برودة الالتزام الحالم ، إلى الدرجة الصفر وما أدنى.. إنه كتاب عن تجربة حياتيه، معجونة في السياسة ، من زاوية الثورة والاعداد للمجتمع الرادع، لكن الحكم عليها ، في بداية الكتاب لا يتورع في الافادة بأن«بلدنا اضاعت 40 سنة ، وكان يمكن أن تضيع أكثر لولا مهارة الحسن الثاني وبعض السياسيين المغاربة، حكماء وصبورين، من كل المشارب». بعد عقود،يقول الطريبق،بأنه ليس «ضحية قمع، بل مناضل ناضل من اجل اهداف ( مستحيلة) القوسان من عنده وانهزم» وهو يلاحط بأن بعض المنظمات غير الحكومية «تقوم الآن بعمل رائع يساهم في تحسين ظروف الناس، وهو عمل ثوري اكثر من كل البيانات التي وزعناها وكل الفدلكات اللغوية العقيمة». عبد العزيز الطريبق شاب شمالي ، من تطوان، ينتمي إلى عائلة عريقة، أحد اجداده توفي وهو في الطريق للالتحاق بجيوش عبد الكريم الخطابي، في حين استطاع شقيقه الآخر ، الذي فر رفقته من السلطة الاسبانية على اثر اغتيال احد رجالها، المشاركة في ملحمة الريف الكبرى..، هذه الخلفية العائلية البطولية ستطبع ذهن الطفل، ويرسخها الوالد، عامل المطبعة الذي تنقل من «العلم ..» إلى «التحرير..» ، ثم إلى مطابع اخرى ، كما لو أنه كان يتجول بابنه في مغرب تلك الفترة ويهيئه، بدون ارادة منه لما سياتي من التزامات سياسية بعدية. يعرف الطريبق ، عمدا، أنه« يحاول عادة رسم مسار يساري قديم من أجل تقديم شهادة عن هذا الماضي القريب، وهو في ذلك كان يتمنى لو أنه « لم يسرد اسماء بعض الرفاق الذين حملتهم العاصفة كما حملته، لكنه مع ذلك ذكر بعض الاسماء، علما أنه لم يقل كل الاسماء، سواء عندما يشير إلى بعضها أو بعض حروفها الأولى.. كتاب في ثلاث واجهات. القطار الذي حمل المغاربة لتشييع جنازة ملكهم المحبوب محمد الخامس ، لم يحمله، ولو ركب عبد العزيز القطار صبيحة ذلك اليوم الاسود من تاريخ البلاد، لكانت حياته قد أخذت مسارا آخر. ربما، وقتها كان عمره 10 سنوات فقط. وكان يمكن أن يضيع..! لكنه لم يركب القطار ، لا سيما وأنه لم يجد جوابا عن سؤاله الصغير: الى اين سأذهب، كيف أذهب الى الرباط وأنا وحيد؟ ولكن... انتقلت العائلة من تطوان للاقامة في الرباط، حيث كان الوالد، أحد العمال الاوائل في الطباعة التي تعلمها في شمال البلاد الذي دخلته الصحافة مبكرا، ومنها طلق العمل، بعد تأسيس الاتحاد الوطني 1959، والاقامة في الدارالبيضاء للعمل في التحرير... هناك ستصبح الاسماء الكبرى للزمن المضيئ، بوعبيد ، الفقيه، اليوسفي أسماء مألوفة لديه. والنقاش جزء من الحياة اليومية. عند الالتحاق بالمدرسة سينضاف اسم آخر هو عابد الجابري، الذي كان مدير المدرسة التي التحق بها، لقد بدأ القطار السياسي يشتغل ويطوف به من اسم الى آخر ومن محطة الى أخرى.. وقاده القطار الى السرفاتي ومنظمة إلى الأمام.