يثير عجز حكومة الوفاق الوطني الليبية على تحقيق الاستقرار السياسي للبلاد، بعد عدة أشهر من انطلاقة عملها، أقلق الدول الأوروبية وبخاصة فرنسا.وأبدى المجتمع الدولي والأوروبيون أساسا حرصا في الفترة الماضية على إعطاء حكومة الوفاق التي شكلها فايز السراج بموجب اتفاق الصخيرات، فرصتها لحل الوضع السياسي المتأجج، بيد أن الأخير فشل في تحقيق ذلك من خلال اعتماده سياسة الهروب إلى الأمام سواء في تعامله مع البرلمان، أو مع الجيش بقيادة الفريق خليفة حفتر، الأمر الذي أبقى حالة الانقسام قائمة. ويبدو أن هناك اقتناعا من أنه لا مناص من إعادة تصويب الأمور عبر دفع حكومة السراج إلى إيجاد تسوية مع البرلمان، لأن عدم حصول ذلك سيعني بقاء الوضع على ما هو عليه وهذا ما سيعرقل عملية مكافحة الإرهاب. وحث وزير الخارجية الفرنسي، جون مارك إيرو، رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج، على "إيجاد تسوية مع البرلمان المنعقد في طبرق، شرقي البلاد، والجنرال خليفة حفتر، من أجل القضاء على داعش". وقال إيرو خلال خطاب ألقاه مساء الجمعة، أمام عدد من السفراء الفرنسيين، بمقر وزارة الخارجية، إن "الخطر الإرهابي في ليبيا وانتشار السلاح، يمثلان تحديا عاجلا لبلادنا". وأفاد الوزير الفرنسي بأن "القضاء على داعش، يقتضي من حكومة الوفاق، السيطرة على كل المؤسسات البلاد وكامل التراب الليبي، لكن عليه التوصل قبل ذلك إلى تسوية مع برلمان طبرق واللواء حفتر". وأوضح الوزير الفرنسي أن "فرنسا على استعداد لدعم هذه الجهود مع القوى الإقليمية وأولها مصر" التي تدعم حفتر باعتباره عائقا أمام الإسلاميين. وكان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند قد أعلن في بداية الأسبوع أنه سيستقبل رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج في باريس في أقرب الآجال. ويرى متابعون أن التصريحات الفرنسية تعكس رغبة باريس الملحة في إنهاء حالة الانقسام في ليبيا باعتبارها من الدول الأكثر تضررا منها. وتحاول فرنسا لعب دور الوسيط بين الأطراف الليبية، من أجل تجنب صدام في بلاد صارت أراضيها مستباحة من قبل مختلف الميليشيات (ذات الولاءات المحلية والإقليمية المتضادة) والجماعات الإرهابية. ويقول متابعون إن فرنسا على غرار غيرها من دول أوروبا باتت خائفة أكثر من أن يتسبب استمرار حالة الفوضى في ليبيا إلى مزيد تسهيل تدفق اللاجئين إلى سواحلها في ظل عدم وجود سلطة واحدة في البلاد يمكن التنسيق معها على مختلف الجبهات. فرنسا تحاول لعب دور الوسيط بين الأطراف الليبية، من أجل تجنب صدام في بلاد صارت أراضيها مستباحة من قبل مختلف الميليشيات (ذات الولاءات المحلية والإقليمية المتضادة) والجماعات الإرهابية، وتخشى باريس أن تؤدي حالة الانقسام خاصة بين الشرق وطرابلس إلى تسهيل طرق تدفق الإرهابيين إلى أراضيها عبر ليبيا خاصة وأن تنظيم الدولة الإسلامية الذي تبنّى مختلف العمليات الإرهابية التي جرت في أوروبا بات يعيش ضغوطا متزايدة في معاقله ما قد يرجّح إمكانية سعيه إلى البحث عن سبل تنفيذ هجمات انتقامية خارج قواعده الكبرى. وشهدت العلاقات بين فرنسا وحكومة فايز السراج توترا خلال الفترة الأخيرة، إثر اعتراف فرنسا بتواجد قوات عسكرية لها في بنغازي تقاتل إلى جانب القوات الموالية لحفتر (قائد الجيش الذي يحظى بدعم البرلمان). واحتجت حكومة الوفاق على الدعم العسكري الذي تقدمه فرنسا لحفتر، الرافض لها (باعتبارها لم تحصل على دعم البرلمان)، كما أكدت "الوفاق" أن التدخل العسكري الفرنسي تم دون علمها ودون التنسيق معها، واعتبرته "عدواناً" على الأراضي الليبية. وكان الرئيس فرنسوا هولاند، قد أعلن في 20 يوليو الماضي، عن مقتل 3 جنود فرنسيين كانوا يقومون بعمليات استخباراتية في تحطّم مروحيتهم في بنغازي شرقي ليبيا، فيما اعتبر إعلان الرئيس الفرنسي بوجود قوات فرنسية في ليبيا، أول تصريح رسمي لباريس، بوجود قوات لها هناك، وهو الأمر الذي أكده في اليوم ذاته المتحدث الرسمي باسم الحكومة الفرنسية بشأن وجود قوات خاصة لبلاده في ليبيا. وسبق أن نشرت صحيفة "لوموند" في 24 فبراير الماضي، تقريرا يفيد بوجود قوات خاصة فرنسية في الشرق الليبي، تقوم بعمليات سرية، مما استدعى قيام وزارة الدفاع الفرنسية بفتح تحقيق على خلفية "شبهة إفشاء أسرار عسكرية". ويقول متابعون إن الرغبة الفرنسية لتسوية الأزمة السياسية في ليبيا تعاضدها المجموعة الدولية، حيث بدأ مبعوث الأممالمتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر تحركا جديدا انطلاقا من تونس، إحدى دول الجوار الليبي، لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين. وقال كوبلر في تصريحات صحافية، مساء الجمعة، إن "هناك ثلاثة مسارات للتنمية في ليبيا، الأول هو مسار الحوار السياسي الأممي الذي تم تتويجه باتفاق الصخيرات بالمغرب في ديسمبر الماضي، والمسار الأمني الساعي إلى توحيد الجيش الليبي ليكون البلد أكثر استقرارا، والمسار الثالث هو المصالحة الوطنية". وجاءت تصريحات المبعوث الأممي على هامش اجتماع نظمته الأممالمتحدة في العاصمة التونسية (بدأ الخميس وانتهى السبت) تحت عنوان "استكشاف الخيارات المتاحة لتحقيق المصالحة الوطنية في ليبيا". وأوضح كوبلر أن "هذا الاجتماع يندرج في إطار سلسلة من الاجتماعات التمهيدية التي تبحث المصالحة الليبية الشاملة، والتي ستكون عقدا اجتماعيا جديدا يجب من خلاله إنهاء الفرقة والانقسام الحالي الذي نراه على الساحة الليبية"، مبيناً أنه سيسعى أن يخرج هذا الاجتماع بتوصيات للفاعلين الليبيين. وشارك في اجتماع المصالحة الليبية عدد من الخبراء المحليين والدوليين في موضوع المصالحة، وعدد من الفاعلين القبليين والسياسيين الليبيين، ونشطاء من المجتمع المدني، كما شارك في الاجتماع عضوا المجلس الرئاسي الليبي، موسى الكوني وعبد السلام كاجمان، (من أصل 9 أعضاء هم إجمالي أعضاء المجلس).