اهدي مذكراتي هذه إلى الذين عرفتهم خلال السنوات 1953 إلى 1956 أهديها إلى الصامتين الذين حكم عليهم بالاعدام من لدن محاكم قوات الجيش الفرنسي ومن لدن المحاكم العليا بالرباط ونفذ فيهم الحكم بالاعدام بحي العنق وبسجن العذير اهديها إلى الذين مازلت اتذكر حين يأتي حراس السجن في الليل ليأخذوهم يصرخون بصوت مرتفع جهوري انني سأموت من أجل بلادي ووطني وارجاع ملكي محمد الخامس. أهديها إلى الذين وقفوا اثناء محاكماتهم أمام محاكم قوات الجيش الفرنسي موقفا شريفا وشجاعا في وقت الأزمة الشديدة على المغرب. أهديها إلى الذين قتلوا جماعات أثناء حوادث كاريار سانطرال في دجنبر 1952 أهديها إلى الذين قتلوا من لدن جمعية الوجود الفرنسي أهديها إلى الذين قتلوا في مقر الشرطة أثناء بحثهم وتعذيبهم من لدن البوليس اهديها للذين فضلوا الاستشهاد عوضا عن التعذيب والأحكام الاجرامية مثل الزرقطوني وعلال بن عبد الله. اهديها إلى الذين حكم عليهم من لدن محاكم ليست لهم بها أية صلة جنسية ولا دينية ولا لغوية ولا عمرانية. أهديها إلى الشهيد المرحوم محمد الزرقطوني الذي فضل أكل السم على فضح الاسرار أهديها إلى المرحوم الشهيد عبد اللطيف بن قدور الذي كان في كل ليلة من زنزانته في السجن يمتعنا بتلاوة آيات من الذكر الحكيم بصوت جهوري جميل. اهديها إلى المرحوم الشهيد الراشدي الذي امتنع ان تغطى عيناه في وقت اعدامه ليرى العدو وسلاحه والسماء ونورها. أهديها إلى الشهيد المرحوم علال ابن عبد الله الذي فضل ان يعمل في حركة المقاومة وحده وبوسائله الخاصة، وعرف ما يعمل. أهديها كهدية متواضعة إلى جلالة الملك المرحوم محمد الخامس قدس الله روحه الذي عرف كيف يكسب جميع أفراد الشعب المغربي بعطفه وحنانه وكفاحه والذي ضحى بعرشه في سبيل الشعب المغربي. أهديها إلى جلالة الملك الحسن الثاني. ولقد شارك جميع الشعب في استقلال المغرب ورجوع جلالة الملك محمد الخامس رضي الله عنه من تجار ومثقفين، من عمال وصناع. ولقد رأينا في مقر الشرطة أفرادا لا نعرفهم وهم يعذبون بالكهرباء والماء والتعليق من أرجلهم ورؤوسهم داخل الماء ويتحملون الجوع والعطش ولا يعترفون بالفدائي الذي قتل الخائن أو الجاسوس أمام أعينهم وفي شارعهم ومازلت اتذكر انه في أحد الأيام جاء رجال الشرطة الى مقرها بثلاثة أفراد وامرأة شابة وجلسوا بالقرب من الاخوان محمد بن حمو وعبد السلام بناني وحين سألهم الأخ عبد السلام بناني عن سبب وجودهم في مقر الشرطة قالوا اننا رأينا في الساعة التاسعة ليلا أحد الفدائيين يقتل شخصين بالقرب من الزنقة المجاورة لمحطة القطار ثم ينطلق فارا وحين جاء البوليس القوا علينا القبض وكذلك على هذه المرأة التي كانت في باب عمارة، فسألهم الأخ عبد السلام اياكم ان تفضحوا السر لانكم ان فعلتم ستخسرون الدنيا والاخرة، ستخسرون ثقة اخوانكم في الحي بل في المدينة بأسرها، وهل ترضون ان تكونوا من البياعة المخبرين للبوليس ثم ان البوليس سيقضي بكم حاجته ثم يقدمكم إلى المحكمة وفي نهار الغد أدخل ثلاثة أفراد إلى غرفة التعذيب وفي الساعة الرابعة بعد الزوال خرج اثنان اما الثالث فقد مات، ثم دخلت المرأة وفي الساعة العاشرة ليلا خرجت السيدة من الغرفة وكلها دماء وقد عضها الجاسوس الحسنوي في تديها وبعد ساعة من التعذيب استشهدت في الساعة 11 ليلا ولم نعرف شيئا عن المسكينة الشهيدة ولا حتى اسمها ولا اسم الشخص الذي مات قبلها فكان هؤلاء الشهداء الأربعة لا يعرفون بعضهم بعضا ولا يعرف عنهم أحد شيئا سوى انهم شهداء الاستقلال. وبهذه الشجاعة وهذه الروح وهذه العزيمة القوية شارك الشعب المغربي في استقلال المغرب ورجوع محمد الخامس إلى وطنه منتصرا.