هذه هي الحلقة الأخيرة من مذكرات المقاوم عبد السلام بناني التي تميزت بالتعرض إلى أحداث وحالات تتعلق بتأسيس خلايا المقاومة والأعمال التي قامت بها تلك الخلايا بالأسماء والتواريخ مما لا يترك مجالا للتقول. وقد تمت كل تلك التحركات التي يشير إليها في الوقت الذي كان من الضروري أن ينتقل فيه النضال إلى طور العمل المسلح. وقد رصدت من أجل ذلك أموال كان جمعها يتم عبر قنوات خاصة ومعروفة لدى قيادة حزب الاستقلال. وبتلك الأموال تم شراء الأسلحة وسيارات للتنقل، من أجل إنجاز الأعمال الأولى التي استهدفت الخونة والمبلغين، والأهداف التي ترمز إلى السلطة الاستعمارية وقيادات المعمرين. وحتى حينما لم تخرج الجماهير إلى الشارع على إثر نفي الملك كان ذلك بقرار اقتضاه عقلنة رد الفعل وتلافي القيام بما من شأنه أن يجهض الطاقات التنظيمية للحزب. وبدلا من التظاهر نظمت بعد أيام من نفي الملك حادثة القطار وقنابل واغتيالات للخونة. وكل هذا ذكره عبد السلام بناني بالأسماء وبالتواريخ . كما ذكر أنه مسؤول عن القرار بعدم خروج مظاهرة يوم 21 غشت 1953. وفي السجون التقى عبد السلام بناني بإخوانه من مناضلي الحزب. حيث كان هناك أعضاء من القيادة الممثلة في اللجنة التنفيذية وآخرون من مختلف مستويات المسؤولية في المركز والفروع وفي المجال النقابي. وفي داخل السجون نظم الاستقلاليون أحوالهم وكانت لهم علاقات منظمة مع خارج السجن، ومن داخل السجن كانت تصدر التوجيهات التي تتبلور فيما بعد في شكل أعمال فدائية تنجز في سياق خدمة أهداف سياسية محددة. وكانت المحاكمات التي أجريت أمام القضاء العسكري الفرنسي وأمام المحاكم المغربية المختلفة فرصة لبيان القوة التنظيمية للحزب والتفاني الكبير في الاضطلاع بالمهام النضالية. وعبر عبد السلام بناني عن ذلك طيلة هذه المذكرات بأن تحدث عن نفسه غائبا بضمير الغائب. وذلك ليقول إنه كان جزءاً من تنظيم وأن البطولة الحقيقية هي للعمل الجماعي. وقد كتبت هذه المذكرات بعد حوالي ربع قرن من وقوع الأحداث ولكن ذلك لم يغير شيئا من مشاعر الأخوة التي نشأت في دواليب الحزب بين بناني ومنصور والعرائشي وأبطال آخرين استشهدوا قبل عودة محمد الخامس وقبل الاستقلال. ومما ينبئ عن رتبة عبد السلام بناني في النضال الوطني أن رسالة من اللجنة التنفيذية المؤقتة لحزب الاستقلال التي خلفت اللجنة التنفيذية التي تم اعتقالها على إثر أحداث ديسمبر 1952، وجهت بتاريخ 1 فبراير 1953 تطالب بعودة عبد السلام بناني من باريس حيث كان موجوداً قيد العلاج. وهو ما تضمنته برقية من الأمين العام للحزب أحمد بلافريج بتاريخ 15/1/53 سلمها إدريس الفلاح لبناني بشأن العودة بسرعة إلى المغرب. وفي 3 مارس 1953 وجهت اللجنة المؤقتة رسالة إلى لجنة التنسيق بطنجة تأمر بأن يبقى بناني هناك في المنطقة الدولية يشتغل هو واليوسفي بأعمال تنظيمية محددة. وفيها زاره عبد الكبير الفاسي مرتين. وتقرر حينئذ التحاق بناني بالدارالبيضاء في أبريل 1953. وبذلك بدأت مرحلة حاسمة في تطوير العمل بالداخل بقصد ترميم الحزب كما يفصل القول م. ع. المساري في كتاب عبد الكبير الفاسي النظرية والفعل. رجوع صاحب الجلالة محمد الخامس الى عرشه: نونبر 1955 في شهر نونبر صرنا نتوصل بالأخبار السارة المبشرة بحل المشكلة السياسية بالمغرب وفي يوم 16 نونبر في باحة السجن رفعنا رؤوسنا للسماء ورأينا الطائرات تحمل صاحب الجلالة عائدا الى الرباط فكانت الفرحة الكبرى لجميع المساجين بداخل السجن. وبعد أيام قررت ادارة السجن التخفيف عن المساجين في حي الاشغال الشاقة. وحين جاءت عائلات المساجين في آخر الشهر بقصد الزيارة صحبوا معهم آلات الراديو وسلموها الى أفراد عائلاتهم وصارت تدخل جريدة العلم الى السجن يوميا. وهنا انقلبت افكار اخواننا في السجن فلم يستطيعوا الصبر وتحمل البقاء في السجن خصوصا بعدما كان يسمع أو يقرأ إخواننا عن اشتغال اخواننا الوزراء المغاربة والتعيينات لمناصب القواد والعمال ومختلف أسلاك الموظفين ورغم مجهوداتي وبعض الاخوان لحث المساجين على الصبر صعب على هؤلاء تحمل البقاء في السجن حتى تحل مشكلتنا. وكان عبد السلام يقول: أيها الاخوان اننا محكوم علينا باسم رئيس الجمهورية الفرنسية وفي محاكم عسكرية تابعة للجيش الفرنسي وتطبق علينا العدالة العسكرية الفرنسية فلا يمكن لحكومتنا المغربية تغيير القوانين الفرنسية وتنتحل سلطات الجمهورية الفرنسية فتصدر العفو علينا وتخرجنامن السجن، فهذا أمر غير ممكن تماما فحكومتنا الآن في طور التفاوض مع الحكومة الفرنسية في عدة مسائل ومنها مسألة خروجنا من السجن فيجب علينا ان نصبر كما صبرنا من قبل. فهل لم يرجع الملك وهل لم يستقل المغرب. ولا معنى أن نثور كما نحن الآن ثائرون ولجنة التفاوض قائمة بعملها تحت رئاسة الأخوين عبد الرحيم بوعبيد وادريس المحمدي.، وكان بعض الإخوان يستمعون الى هذه النصائح ويقولون هذا لايهمنا فنحن شاركنا في استقلال المغرب وارجاع الملك والآن يجب أن نخرج من السجن والا فنحن اذن من المجرمين وتم إبلاغ ذلك لرؤساء الحزب وبعض الوزراء فكلف الأخ محمد اليزيدي بالاتصال بعبد السلام بناني وصار يلتقي به في كل أسبوع. وسلمت للمساجين ملابس مدنية حتى لايبقوا على الأقل بملابس المجرمين وبقي المعتقلون تارة يصبرون وتارة يثورون على وجودهم في السجن وبقي الحال على ماهو عليه إلى أن وصل شهر مارس1956 وجاء الأخ محمد اليزيدي عند عبد السلام فطلب منه أن يبلغ استياء المعتقلين الى الوزراء أو حتى الى جلالة الملك، وفي أول شهر أبريل 1956 في صباح اليوم جاء رئيس الحراس عند عبد السلام بناني وطلب منه أن يأتي عاجلا الى مكتب رئيس السجن وحين وصل اليه وجد نفسه امام جلالة الملك محمد الخامس مصحوبا بالسيدين محمد الغزاوي والمحجوب احرضان عامل الرباط، وحين دخل الأخ عبد السلام بناني وسلم على جلالته أشار له محمد الخامس بأنه تتبع محاكمته من مدغشقر وأثنى عليه وطلب منه شرح حالة المساجين فقال: إنها يامولاي، فلا معنوية ولا صبر اكثر مما قضوا في السجن. جلالة الملك: وماهي الحلول التي تقترحها لحل هذه المشكلة؟ ج: يامولاي اننا نعرف اننا مسجونون بأمر من رئيس الجمهورية الفرنسية ولايمكننا الخروج من السجن الا بأمره وأن الوزيرين الاخوين عبد الرحيم بوعبيد وادريس المحمدي يتفاوضان مع الحكومة الفرنسية في شأننا. غير أنني أرتئي إذا كان من الممكن ان ترسل كل جماعة من المساجين الى سجن مدينتهم حتى يتأتى لهم أن يروا عائلاتهم يوميا عوضا عن زيارة واحدة في الشهر. اظن يامولاي أن بهذا الحل المؤقت تتخفف عن المساجين حالتهم ويستطيعون الصبر على المكوث في السجن الى أن تحل مشاكلنا. فاعطى جلالة الملك الأمر بنقل كل جماعة من المعتقلين الى مدينتها، وفي الغد جاءت الشاحنات الى باب السجن ونقل اصحاب وجدة وفاس ثم أصحاب البيضاء وكان عددهم ستين تقريبا وحين وصلوا الى سجن الدارالبيضاء وجدوا المدير في السجن هو الأخ مجيد من أسفي فاستقبلهم في ساحة السجن وقال لهم ليس عندنا موضع لايوائكم نظرا لكون السجن مملوء بالمساجين المجرمين وسنضعكم في عين السوق. محل الفوريال الذي هيء لكم من قبل. وحين وصل الاخوان الى عين السوق وبعد بضعة ساعات جاءت عائلات المساجين واخذت كل عائلة مسجونها ولم يكن يحرس المساجين سوى أربعة من الحراس البلديين.ولم يبق في غرفة واحدة سوى عبد السلام بناني. ومحمد منصور والحسن العرائشي ومحمد المذكوري. وحين بلغ الخبر الى عامل مدينة الدارالبيضاء السيد ج احمد بركاش. استدعى عبد السلام بناني واتفق معه بكلمة الشرف أنه في الوقت الذي يريد فيه المساجين فسيحضرهم في الحين وفي أقل من ساعتين، وفي الليلة نفسها لم يبق احد في عين السوق. وانما كانوا يوميا يتصلون بعبد السلام ثم ارسل احد الضباط من المحكمة العسكرية لاستدعاء عبد السلام بناني، واخبره بأنه بمجرد ما يصله الأمر بإطلاق سراح المساجين سيتصل به على يد ادارة السجن ويسلم له اصحابه. وفعلا بدا الضابط يسلم للمساجين الأمر باطلاق سراحهم من 20 الى 25 أبريل 1956 حتى لم يبق سوى ثلاثة. وهم: محمد منصور الحسن العرائشي عبد السلام بناني وسبب ذلك ان هؤلاء الثلاثة كانت مازالت لهم ملفات لم يصدر بشأنها الحكم. ومازالوا حتى لكتابة هذه المذكرة لم يحصلوا على الأمر بإطلاق سراحهم. وحين سافر عبد السلام بناني الى فرنسا بعد الاستقلال لأول مرة أوقفه رجال الشرطة في مطار أورلى لمدة ساعتين حتى تدخلت وزارة الخارجية الفرنسية حيث كان الأخ عبد السلام مسافرا في مهمة رسمية وهو بعد في حالة «قانونية» معلقة. حركة المقاومة بعد الاستقلال في شهر ماي 1956 صار جميع افراد حركة المقاومة يتمنون جمع شملهم وتأسيس جمعية تدافع عن حقوقهم مثلا: 1) رجوع الموظفين والعمال الى محلاتهم التي كانوا يشتغلون فيها من قبل. 2) تعويض عن المدة التي غاب فيها العامل او الموظف بسبب مشاركته في حركة المقاومة 3) تعويض مالي للذين كانت لهم تجارة حرة عن الخسارة التي وقعت لهم خلال مشاركتهم في المقاومة. 4) البحث عن قتلة جمعية الوجود الفرنسي لكي يعاملوا بالمثل ويحاكموا بالاعدام. 5) البحث واحصاء عائلات الذين نفذ فيهم الاعدام لكي يحصلوا على منحة شهرية دائمة. 6) تكوين ملف خاص لكل مقاوم وتنقسم هذه الملفات الى أقسام وهي ا الذين يستطيعون الرجوع الى أماكنهم واستئناف اشغالهم. ب الذين لايستطيعون القيام بأعمالهم القديمة بسبب تعذيبهم ويمكنهم القيام بأعمال أخرى اخف من ذلك. محاولة إشغالهم من جديد وتعويضهم على الباقي . ج الذين لايستطيعن القيام بأعمالهم القديمة تماما نظرا لحالتهم الصحية يجب تعويضهم شهريا. الاتصال بالدوائر الحكومية لتأسيس لجنة تتكون من ممثلين عن الحكومة وأعضاء من جمعية المقاومة وتكون مهمة هذه اللجنة : الدفاع عن حقوق رجال المقاومة وجعل ملف لكل مقاوم تقرير التعويض الشهري تسليم بطاقة مقاوم لكل من له الحق في ذلك تأسيس لجنة داخل جمعية المقاومة ترعى أبناء الشهداء تجمعهم في مكان واحد وتنظم لهم دروسهم حتى يصلوا الى سن الرشد تحاول الجمعية من الحكومة اعطاء الاسبقية في التوظيف أو العمل الى أعضاء المقاومة تكون جمعية المقاومة معترفا بها من لدى الحكومة ولها فرع في كل مدينة يوجد فيها المقاومون. بعد حل مشكلة جيش التحرير ينبغي أن ينضم أعضاؤه الى جمعية مقاومة ويطبق على الجميع قانون واحد. وحين انعقد الاجتماع في زنقة القاهرة جاء البعض من اخواننا على حسن نية وارادوا جمع شمل المقاومة حسب النقط لمذكورة وجاء بعض الاخوان يريدون الاستيلاء على المقاومة واعضائها ويغتنمون هذه الفرصة ليصل بالمقاومة الى شيء آخر. وبعد مذاكرة طويلة خرج من الاجتماع الاخوان الدكتور الخطيب ومحمد منصور والحسن العرائشي وعبد السلام بناني ومحمد السموني وغيرهم وعلى إثر ذاك وقع تشبث المقاومة عوضا عن جمعها وصرنا كل يوم نشاهد قتل بعض اخواننا من لدن اخوانهم. مثل رحال المسكيني الذي لايمكن لاحد ان يصل الى شجاعته فهو الذي ستطاع الهروب من سيارة الدرك في عين السبع حينما كان ينقل من سجن البيضاء الى سجن القنيطرة. والعربي السابق.، ومحمد الزيراوي واحمد الطويل والسرجان ولن أنسى المعركة التي جرت في شارع السويسي حين قتل فيها اكثر من أربعة أشخاص. فصرنا نقول هل سيكون آخرنا أسوأ من ماضينا المجيد «هل نحن مجرمون حتى يقتل بعضنا بعضا؟ أليس من العار بعض الافراد الذين لم تستطع الادارة الفرنسية حتى القبض عليهم؟