ليس من المبالغة القول إن اللغة العربية قضية استراتيجية، بكل ما في المصطلح من مضمون عميق ودلالة وافية. وصاحب هذه العبارة العميقة الدَّالة، هو الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للإيسيسكو، وعضو مجمع اللغة العربية في القاهرة، عرضها في كتابه (في مسار تجديد اللغة العربية) الصادر قبل شهور عن منظمة الإيسيسكو في الرباط. يقول الدكتور التويجري في الصفحة 56 من هذا الكتاب : « إن اللغة العربية قضية استراتيجية في المقام الأول، لا تمسّ الأمن الثقافي والحضاري للأمة فحسب، بل هي تمسّ سيادة الدول العربية والإسلامية وأمنها العام واستقرارها واستقلالها الوطني». ثم يضيف قائلاً : « ولست أجد تكراراً في القول إذا ما أعلنت اليوم، أن اللغة العربية تواجه خطراً محدقاً بها، من نواح ٍ كثيرة، خصوصاً من بعض أبنائها الذين يناصبونها العداء، ويحاربونها، ويعملون بشتى الوسائل على إقصائها، مما يضعف مركزها، وينفّر الأجيال العربية الصاعدة منها. فالخطر ناشئ إذن من الداخل، وليس آتياً من الخارج. والمواجهة الصحيحة لهذا الخطر تتوقف على الإرادة السياسية الواعية والمصممة». ويذكّر القارئ بأنه سبق أن توجّه بنداء إلى جامعة الدول العربية لتبادر بالدعوة إلى عقد مؤتمر قمة عربي يخصص للغة العربية، وليس لأي قضية أخرى. وهو يرى أن الظرف مناسب لتجديد هذا النداء ، لعله يلقى استجابة من لدن القادة العرب. ويتابع الدكتور التويجري شرح أبعاد القضية اللغوية التي ترقى إلى مستوى القضية الاستراتيجية، فيقول : « إن التنبيه إلى الوضع غير اللائق للغة العربية في المجتمعات العربية بصورة عامة، ليس الغرض منه اتخاذ موقف سلبي إزاءها يصدر عن الرؤية المتشائمة إليها، ولكن الهدف من هذا التنبيه إلى الخطر المحدق باللغة العربية، استنفار الهمم للتصدّي له، لا بالعواطف والشعارات والمقالات، ولكن بخطط عمل مدروسة، وبأساليب علمية، وبطرق ديمقراطية، وبروح القانون، وبمنطق المصلحة العليا التي تتطلب المسارعة إلى معالجة الخلل والتعامل مع الحالة المنحرفة بالمنهج القويم». ولا شك أن هذا النداء من مفكر استراتيجي عالي المقم متخصص في قضايا حوار الثقافات والحضارات على الصعيد العالمي، لا يرتبط بزمن محدد، ولكنه نداء مستمر، باعتبار أن إنقاذ اللغة العربية وإصلاح وضعها وتجديدها وتطويرها والحفاظ عليها، كل ذلك يشكل عناصر رئيسَة في هذه القضية التي هي بكل المقاييس، قضية استراتيجية، ما في ذلك أدنى شك.