أهداف ومخططات السياسة الأمريكية ثابتة بشكل عام تقريبا وهي لا تتبدل مع تغير الرؤساء الذين يصلون إلى السلطة في البيت الأبيض سواء كانوا من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، ولا يخرج عن هذه الوضعية الثابتة حتى الجهاز التشريعي بمجلسيه. الأهداف الإستراتيجية والتكتيكية الأمريكية لا تعرف سوى تطعيمات سطحية وتعديلات هامشية من حين لآخر للتأقلم مع أوضاع جديدة على الساحة الدولية أو المحلية وذلك لأن واضعي السياسة الأمريكية الحقيقيين المتمركزين في المركب الصناعي العسكري لا يحيدون عن هدفهم الأساسي وهو فرض السيطرة الأمريكية على العالم والحفاظ على مركز الولاياتالمتحدة كالقطب الوحيد. أسست السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط علي أهداف محددة منذ بدايتها في خمسينيات القرن العشرين. تتغير الحكومات من حزب إلي آخر، ويتغير الرؤساء، وتتغير القيادات السياسية، وتتغير الظروف، ويتغير النظام الدولي، ولكن علي رغم من كل هذه المتغيرات، تظل السياسة الأمريكية إزاء الشرق الأوسط ثابتة وراسخة. هنالك ثلاثة أهداف أمريكية رئيسية في الشرق الأوسط: تأمين البترول الخليجي وخطوط نقله إلي الغرب، وإضعاف أو تدمير القوى المحلية التي تتعزز قدراتها العسكرية والإقتصادية والعلمية بحيث تسمح لها بالتمرد على الهيمنة والإملاءات الخارجية، وعزل الخصوم والمنافسين الدوليين عن المنطقة، وحماية إسرائيل. هذه هي الثوابت الأمريكية. لا المتغيرات الأمريكية الداخلية، ولا المتغيرات الشرق أوسطية إستطاعت أن تغير هذه الأهداف عبر خمس مراحل زمانية مختلفة في كل شيء. الفترة الأولي مابين عام 1948 و 1957 والهجمة على حركات التحرر العربية ثم العدوان الثلاثي على مصر وإستبدال النفوذين الفرنسي والبريطاني بالنفوذ الأمريكي، وتليها فترة 1957 -1973 حيث عملت أمريكا بواسطة إسرائيل على إلحاق هزيمة بمصر وسوريا وإظهار عجز موسكو عن دعم حلفائها، ثم فترة 1973 -1979، وتليها فترة 1979 -1991 وأخيرا مرحلة ما سمي الربيع العربي 2011 وحتى يومنا هذا. نظام الإمبراطورية الأمريكية العالمية في كتاب أصدره د. محمد المصطفي الضو أحمد في شهر سبتمبر 2011 بعنوان السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط: "يحاول الكاتب، إثبات أن الأهداف ظلت هي الأهداف بينما تغيرت وسائل السياسات من رئيس أمريكي إلي رئيس أمريكي آخر. الفترة الأولي تميزت بسياسة الإحتواء الأمريكية ضد المَد الشيوعي من طرف الإتحاد السوفيتي. فكانت سياسة إدخال منطقة الشرق الأوسط في منظومة الدفاع الغربي عبر الحلف المركزي الذي ضم معظم الدول العربية الشبه مستقلة آنذاك والملكية فيها بصفة خاصة. فكان تأمين النفط والشركات الغربية في المنطقة والكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وكانت محاربة الأحزاب الشيوعية في البلاد العربية عن طريق حكوماتها. أما الفترة الثانية "1957 -1973" فقد تغيرت فيها النظم الملكية في كل من مصر والعراق وليبيا وخلفتها نظم عسكرية تحررية ابتعدت عن سياسات الإحتواء، بل وتبنت شعارات ضد الوجود الإسرائيلي وحلفائه في الغرب. فأصبح العالم العربي معسكرين، النظم المدعومة من الغرب والنظم العسكرية المناوئة لها، وأصبحت القضية الفلسطينية هي محور نشاط الجامعة العربية، وغدت هي الأساس في كل شيء. ثم بدأت المنافسة الدولية بالدعم الكبير الذي وجدته الدول "التحررية" من الإتحاد السوفيتي مستهدفا إضعاف هيمنة الغرب على البترول العربي ونشر الإشتراكية الدولية. لم تفلح مرحليا سياسة الإحتواء الأمريكية، فوجد السوفيت موطن قدم في المنطقة. ومن ثم، كان لا بد لأمريكا من تبديل وسائل السياسات لتحقيق ذات الأهداف، فقد أصبح الخطر الشيوعي ماثلا، واقعيا لا نظريا. كانت الوسائل البديلة هي محاولات وقف إنتشار النفوذ السوفيتي في المنطقة من خلال سياسات تحقيق الإستقرار وتوازن القوي الإقليمي، وبالتالي تنمية الصداقة مع دول عربية إلي جانب إسرائيل، ثم تأمين إسرائيل وإستغلال قوتها لتحقيق هذا الهدف، وخاصة خطوط الملاحة البترولية. شهدت الفترة الثالثة "1973 -1979" للعلاقات الأمريكية العربية متغيرات مهمة، أبعدها أثراً مجئ الرئيس السادات بعد عبد الناصر الذي طرد الوجود السوفيتي بكل أنواعه في مصر، وقاد حربا خطيرة ضد إسرائيل إسترد فيها صحراء سيناء التي أُحتِلت في حرب 1967، بين مصر وسوريا من ناحية وإسرائيل من ناحية أخري. فكان لا بد من تشجيع سياسة إبعاد السوفيت، والتخلي عنهم، فتدخلت أمريكا عبر الدعوة إلي إبرام إتفاقيات مع إسرائيل ... لتأمين إسرائيل أولا، ولتمتين العلاقة مع مصر حتي لا تفتح أبوابها للسوفيت مرة أخري. فأمنت هذه الإتفاقيات ملاحة البترول في خليج عدن وقناة السويس. أما الفترة الرابعة في علاقات أمريكا مع دول الشرق الأوسط "1979 -1991"، فقد شهدت متغيرات وأحداث مدوية، إنهيار نظام الشاه في إيران، والسلام المصري الإسرائيلي، وبروز القوة العسكرية العراقية بمساعدة السوفيت. سقوط أحد الركنين الأساسيين لأمريكا "الشاه"، والوجود السوفيتي من بوابة العراق وأفغانستان أثار الهواجس الأمريكية لتأمين ذات الأهداف. الخطر العراقي والخميني علي إسرائيل، وبروز ثغرة في خليج البترول للسوفيت والخصوم الآخرين فكان لا بد من وسائل إضافية .. حرب الخليج الأولي لإضعاف الخصمين إزاء إسرائيل "إيرانوالعراق"، والدعم العسكري لثوار أفغانستان ضد الغزو السوفيتي، ثم إنه لأول مرة تقوم أمريكا بتكوين قوة عسكرية خاصة للعمليات في ما يشبه بيئة الشرق الأوسط، قوة الإنتشار السريع. إضافة إلي ذلك كان المجهود الأمريكي لترسيخ السلام بين مصر وإسرائيل وكذلك الأردن ولبنان. وبذلك تكون إسرائيل في أمان من أقوي الدول العربية آنذاك، ويكون شبح تكرار قطع إمدادات البترول قد ولي. أما المرحلة الرابعة التي بدأت 1991 عند سقوط المعسكر الإشتراكي السوفيتي وترسيخ العولمة الإقتصادية والسياسية فقد آثر الكاتب في أن يركز علي ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. هذه هي المرحلة التي حدثت فيها تغييرات هيكلية في النظام الدولي، نهاية الحرب الباردة والنظام متعدد الأقطاب والدخول في نظام جديد آحادي القطبية، نظام الإمبراطورية الأمريكية العالمية. أصبحت أمريكا هي الدولة الأعظم في العالم، وأعلنت مسئوليتها عن السلام العالمي في كل مكان وليس الشرق الأوسط فقط. الأهداف ظلت هي الأهداف السابقة، وتعددت الوسائل، تعبئة القوي الدولية مع القوات الأمريكية، وإستغلال منبر الأممالمتحدة، وقيادة مبادرات السلام في الشرق الأوسط، بعد سحق القوة العراقية بعد غزوة للكويت". أزمة العلاقات السعودية الأمريكية عرفت العلاقات السعودية الأمريكية مع بداية صيف سنة 2016 درجة من التوتر إعتبرها البعض الأخطر منذ 80 سنة وهو عمر العلاقات التحالفية بين الطرفين. هناك خلاف بين المحللين والسياسيين حول موعد بدء هذا التطور ولكن فئة كبيرة من هؤلاء تقدر أن فصلا أساسيا بدأ سنة 2014. في الثاني من شهر أكتوبر 2014 القى نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، خطابا في جامعة هارفارد حول سياسة الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط لم يتردد فيه في اتهام حلفاء واشنطن بالتسبب باتساع رقعة الارهاب في المنطقة عبر تسليح و تمويل الجماعات المتشددة. وسمى بايدن السعودية و قطر وتركيا، كأطراف سعت لدعم الإرهاب عبر استخدام كل الوسائل، وعلى راسها تمويل وتسليح الجماعات المتشددة، ومنها القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، وأضاف إن "مشكلتنا الكبرى كانت حلفاؤنا في المنطقة، الأتراك أصدقاء كبار لنا وكذلك السعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرها، لقد شنوا حربا بالوكالة بين السنة والشيعة وقدموا مئات الملايين من الدولارات وعشرات آلاف الأطنان من الأسلحة إلى كل الذين يقبلون بمقاتلة الأسد". بايدن تجاهل وهو يلقي محاضرته أن أجهزة بلاده وفي مقدمتها المخابرات المركزية، هي وخاصة بعد غزو وإحتلال العراق سنة 2003 كانت أول من أشعل وإصطنع الصراع الطائفي في العراق ليسهل عليها مواجهة المقاومة الوطنية العراقية، وقد سعت إلى تعميم أمثاله في كل المنطقة العربية ليس بين السنة والشيعة أو المسيحيين والمسلمين فقط بل بين كل المكونات حتى الوهمية منها، ففي مصر مثلا أصبحت هناك شعوب سيناء والنوبة والواحات الغربية والصعيد. سجل المراقبون أن غضبة بايدن ورغم ما تبعها من إعتذارات واهية جاءت في توقيت صدمت فيه واشنطن بفشل مشروعها في مصر ودعم الإمارات والسعودية للحكومة الجديدة في القاهرة بعد إسقاط نظام الإخوان، وكذلك بروز أصوات مؤثرة في دول الخليج تطالب بإيجاد تسوية سياسية للحرب متعددة الأطراف في بلاد الشام ووقف النزيف الدموي بها. في الولاياتالمتحدة منظمات وجمعيات ممولة بشكل سري سواء من طرف المؤسسات الحكومية أو الشركات الكبرى التي تدعم تحت غطاء الديمقراطية وحقوق الإنسان مكونات في كل منطقة الشرق الأوسط بهدف توسيع عملية التفرقة وتمزيق كيانات الأقطار، وذلك في نطاق مخطط المحافظين الجدد للشرق الأوسط الكبير أو الجديد، والهادف إلى إنشاء ما بين 54 و 56 دويلة مكان الأقطار الحالية التي مزقت منذ عقود وخاصة عبر إتفاقية سايس بيكو لسنة 1916. منذ تاريخ صدور إتهامات بادن والهجمات والإنتقادات الأمريكية خاصة على السعودية والإمارات العربية في منحنى تصاعدي ويتم من حين لآخر ولإعطئها مظهرا من المصداقية، تغطيتها بتعميم توجيه إتهامات لأطراف خارجة عن السياق. وفي كل مرة كانت فيه الهجمة الأمريكية تصل إلى مرحلة توليد ردة فعل قوية من جانب الأطراف الحقيقة المستهدفة، كان البيت الأبيض يخرج مسرحيات حول تلطيف الأجواء وينظم لقاءات المصالحة وإعادة التفاهم ليحول دون قيام الأطراف المستهدفة بإعادة النظر في سياساتها وتحالفاتها الخارجية. هذا الأسلوب كان واضحا في كل مرة كان يتم فيها التمهيد لبناء نوع جديد من العلاقات الخليجية مع روسيا أو الصين. الطعنات أو الضربات الأمريكية ضد بعض دول الخليج العربي توالت بعد تصريحات بادن، وجاءت أشدها في مارس 2016 حيث شن الرئيس باراك أوباما في مقابلة له مع مجلة "ذي أتلانتيك"، هجوما لاذعاً على العديد من حلفاء الولاياتالمتحدة ولاسيما الخليجيين، حيث وصف السعودية بمصدر التطرف والإرهاب، والقى عليها صفة الراكب المجاني أو المنتفع المجاني، قائلا: "انهم يتجرون وينتفعون من الحرب على الإرهاب دون المشاركة فيها، مؤكدا على أن بعض دول الخليج تنتفع بالمجان من خلال دعوة أمريكا للتحرك دون أن تشارك بنفسها". واسترسل أوباما قائلا "إن بعض حلفاء واشنطن في منطقة الخليج يتطلعون إلى جرها إلى صراعات طائفية طاحنة"، موضحا أن مصالح بلاده تقتضي "الخروج من الصراعات الدموية في الشرق الأوسط حتى يتسنى لها التركيز بصورة أكبر على أجزاء أخرى مثل آسيا وأمريكا اللاتينية". وبين أن هناك حدودا للمدى الذي يمكن أن تذهب إليه الولاياتالمتحدة لحماية المنطقة، مشيرا إلى أن "هناك دولاً فشلت في توفير الرخاء والفرص لشعوبها. وهناك أيديولوجية عنيفة ومتطرفة أو أيديولوجيات تنشر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي". وتابع: "هناك دول بها القليل جدا من العادات المدنية، وبالتالي حين تبدأ الأنظمة الشمولية تتداعى فإن المبادئ المنظمة الوحيدة الموجودة تكون الطائفية". ووصف أوباما في تصريحاته لمجلة ذي أتلانتيك السعودية بأنها تغرد خارج السرب فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية وانتقد ما يراه تمويلا للرياض للتعصب الديني ورفضها التوصل إلى التعايش مع إيران. الرياض ردت بلسان الرئيس الأسبق للاستخبارات السعودية الأمير تركي الفيصل، الذي عبر عن انزعاجه من وصف السعودية "بالراكب المجاني" قائلا "نحن لسنا الذين يمتطون ظهور الأخرين لتحقيق أهدافنا" ومذكرا الرئيس أوباما بالخدمات التي تقدمها السعودية للولايات المتحدة على حسابها، مثل شراء سندات الخزانة الأمريكية ذات الفوائد المنخفضة لدعم الاقتصاد الأمريكي. وأضاف الفيصل في مقاله مخاطبا أوباما "تتهمنا بإذكاء الفتنة الطائفية في سوريا والعراق واليمن، ثم تزيد الطين بله وتطلب منا أن نتعايش مع إيران التي وصفتها أنت بأنها راعية للإرهاب". وتساءل الفيصل عما إذا كان أوباما قد "انحاز إلى إيران إلى درجة تجعله يساوي بين صداقة بلاده الدائمة مع المملكة لثمانين عاما والقيادة الإيرانية التي لا تزال تصف أمريكا بأنها العدو الأكبر، ولا تزال تسلح وتمول الميليشيات الطائفية في العالمين العربي والإسلامي". ويقول محللون من روسيا أن الخلافات بين واشنطن والرياض تصاعدت بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، لوجود قناعة لدى النخب السياسية السعودية بأن الاتفاق يأتي لتعزيز وضع إيران الإقليمي، وأنه جاء على حساب العلاقات مع بلدان مجلس التعاون الخليجي. كما تنظر الرياض بعين الريبة إلى استراتيجية واشنطن للانسحاب جزئيا من المنطقة نحو الصين والمحيط الهادئ، وترك مهمة شرطي الخليج لطهران. ويضيف المحللون الروس أنه من الواضح أن السعودية خاصة في ظل الملك سلمان بدأت ترسم استراتيجية جديدة تستند إلى الاعتماد على إمكاناتها الذاتية وبناء تحالفات إقليمية من أجل الحفاظ على أمنها، وتحقيق سياساتها في المنطقة لمواجهة ما تراه مدا إيرانيا. يذكر أنه في الفترة التي كانت تجري فيه المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي حذرت صحيفة "وورلد تريبيون" الأمريكية خلال شهر مايو 2014، في تقرير لها بأن التراجع الأمريكي في المنطقة قد يدفع السعودية للحصول على سلاح نووي, ونقلت الصحيفة عن تحذير لنائبة في مجلس النواب الأمريكي في جلسة استماع، بأن السعودية قد تتخلى عن واشنطن بسبب المفاوضات الأمريكية الإيرانية التي ربما تفضي للتضحية بمصالح السعوديين, وقالت النائبة إن ذلك يعد أمرا خطيرا وسيؤثر في ملفات عدة في المنطقة، وأضافت قد تسوء الأمور وقد تتسبب الأزمة في ضرر كبير لا يمكن إصلاحه للأمن القومي الأمريكي، مطالبة الإدارة الأمريكية بالتحرك وعمل المزيد. من جهته، ذكر ديفيد واينبرغ، وهو عضو بارز في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات: إن السعودية ستمتلك السلاح النووي من باكستان، قائلا: رأينا العلاقات المترابطة بين الجيش الباكستاني والجيش السعودي هم قريبون للغاية.. وهذا سبب آخر للقلق. مخطط لا محيد عنه بعد تعثر المشاريع الأمريكية في بلاد الشام نتيجة التدخل العسكري الروسي لدعم الجيش السوري، إتجه ساسة البيت الأبيض وبشكل مؤقت ومرحلي إلى إدخال تعديلات على جداولهم وعمليات إستغلال التنظيمات الإرهابية التي كانوا صناعها الأولين، فكانت وجهتهم ليبيا ومنها بقية دول المغرب العربي ومصر، والجزيرة العربية وفي المقدمة السعودية والإمارات العربية ومن ورائهما كل مجلس التعاون الخليجي. بعيدا عن الجدل الدائر حول سياسات الرياض أو الإمارات سواء عربيا أو في بعض الأوساط الأخرى، قدرت الأوساط النافذة في واشنطن أن مجلس التعاون الخليجي يشكل تهديدا للهيمنة الأمريكية وللدور الإيراني في المنطقة بعد عودة التحالف التقليدي بين طهران وواشنطن، ولهذا تم إستغلال كل الإمكانيات والظروف لنصب الفخاخ وخلق الصراعات والخلافات وتدمير كل جهود توحيد القدرات الإقتصادية والسياسية والعسكرية بين دوله. خلال شهر أبريل 2014 كتب غريغوري غوس، زميل أول غير مقيم سابق لدى مركز بروكنغز الدوحة. يختص غوس في السياسة الداخلية والعلاقات الدولية لدول الخليج العربي، مع تركيز خاص على السعودية. "ليست المشاعر العرضية التي تراود الجانب السعودي والتي تفيد بوجود أزمة في العلاقات بين البلدين قد جاءت بمحض الصدفة، إنها في الواقع مشاعر هيكلية. فهي متأصلة في طبيعة التحالف غير المتماثل بين سلطة أقوى وسلطة أضعف. أشار جلين سنايدر، باحث العلاقات الدولية، إلى هذه الدينامية في فكرته القائلة أن السلطة الأضعف في مثل هذه التحالفات تجد نفسها دائماً بين مخاوف متعارضة من "الإيقاع والإهمال". في ما مضى، حين كانت واشنطن أكثر عدوانية تجاه إيران، شعر السعوديون بالقلق من إمكانية تحملهم ثمن الانتقام الإيراني من أي هجوم أمريكي على إيران. الآن، مع جلوس الأمريكيين والإيرانيين على طاولة التفاوض، تشعر النخبة السعودية بالقلق من أن يقوم حليفها الأمريكي بإهمال مصالحها، أو حتى أن يتخلى عنها. في أكتوبر 2013، قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى السعودي: "أخشى من وجود شيء مخفي ... في حال توصلت أمريكا وإيران إلى تفاهم، قد يحصل هذا الأمر على حساب العالم العربي ودول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية". كثير من المحللين الأمريكان خاصة هؤلاء الذين يعملون في مراكز البحث التي تضع جزء من سياسات البيت الأبيض يخلطون عن قصد بين الحقائق والدعايات مثلما يتقنون لي الحقائق، وفي هذا الإطار ومتجاهلا أن ما حدث في مصر يوم 30 يونيو 2013 كان ثورة شعبية ضد حكم الإخوان شارك فيها غالبية الشعب المصري يتابع غوس. يقول غريغوري غوس أن نقطة صدام بأساسية بين الرياض وواشنطن كانت مصر. أعلن السعوديون الحرب على جماعة الإخوان. وقد أغدقوا، هم ودولة الإمارات العربية المتحدة المناهضة للإخوان، الأموال على القاهرة منذ ما سماه المحلل الأمريكي الانقلاب العسكري في يوليو 2013 والذي أطاح بالرئيس محمد مرسي، عضو جماعة الأخوان. في مارس 2014، صنف السعوديون رسميا الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية. في الشهر عينه، سحبت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين سفرائها من قطر، شريكتهم في مجلس التعاون الخليجي، للضغط على حاكمها الجديد للحد من الدعم الذي تقدمه بلاده لجماعة الإخوان. بالنسبة للسعوديين، شكل الربيع العربي الذي أوصل الإخوان المنتخبين إلى السلطة تهديدا مباشرا لمصالح السياسة الخارجية السعودية وتهديدا طويل الأمد يطال استقرارهم الداخلي. أما إدارة أوباما، فكان لها وجهة نظر مختلفة جدا من النجاحات الانتخابية لجماعة الإخوان. فقامت برفع الحظر الرسمي على الدبلوماسيين الأمريكيين ممن لهم اتصال مباشر مع أعضاء الجماعة. كما رحبت بالانتخابات في مصر التي نتج عنها أغلبية للإخوان في برلمان تم حله لاحقا بأمر من المحكمة، ورئيسا للبلاد من الإخوان أيضا. كذلك رحبت بالانتخابات التي جرت في تونس حيث فاز حزب النهضة وهو فرع الإخوان في تونس بالأكثرية البرلمانية. انتقدت إدارة أوباما قرار الجيش المصري بإسقاط مرسي. وقد اعتبر البيت الأبيض استعداد الإخوان للدخول في اللعبة الديمقراطية خطوة ضرورية إذا كان العالم العربي يأمل في تطوير ديمقراطيات مستقرة. في الواقع، ترغب واشنطن أن ترى الربيع العربي ينتج وحكومات عربية ديمقراطية ومستقرة، وسوف تشمل هكذا حكومات أحزابا إسلامية بطبيعة الحال. بيد أن المملكة العربية السعودية لن ترغب بذلك طبعا". لعبة الإبتزاز ترى العديد من مصادر الرصد خاصة في باريس وبرلين أن التوتر بين الرياض وواشنطن ليس عابرا وإن كانت فترات تهدئة قد تظهر في مستقبل قريب بفضل مناورات متجددة، ذلك أن أصحاب القرار في العاصمة الأمريكية قد أدرجوا السعودية وغالبية دول مجلس التعاون الخليجي على قائمة الإستهداف بعد تعثر مشروع الشرق الأوسط الكبير، وهذا ما يعضده توالي سياسة الصدمات الأمريكية التي لم تتوقف منذ أكثر من سنتين ومنها عملية الإبتزاز بشأن مسؤولية أحداث 11 سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن. يوم الإثنين 13 يونيو 2016 أنضمت المرشحة الديمقراطية للبيت الأبيض هيلاري كلينتون إلى جوقة توجيه الصدمات إلى بعض دول الخليج حيث نددت بما سمته دور كل من السعودية وقطر والكويت في التمويل العالمي لايديولوجية التطرف. وقالت كلينتون في خطاب في كليفلاند بولاية اوهايو "حان الوقت ليمنع السعوديون والقطريون والكويتيون واخرون مواطنيهم من تمويل منظمات متطرفة. يجب ان يكفوا عن دعم مدارس ومساجد متطرفة دفعت بعدد كبير من الشبان على طريق التطرف في العالم". معلقون أشاروا إلى أن كلينتون انضمت الى حملة محاصرة وإبتزاز أنظمة الخليج العربي وعلى رأسها العربية السعودية. وكشف استطلاع للرأي بريطاني أنجز لصالح سبوتنيك الروسية أن 68 في المئة من الأمريكيين يطالبون واشنطن أن لا تدعم السعودية. وقبل كلينتون قام المرشح الجمهوري دونالد ترامب بترديد الاتهامات نفسها ومطالبة السعودية بضرورة تأدية كل المصاريف لحمايتها، بل وألمح الى ضرورة وقف الهجرة والتأشيرات للدولة التي تصدر الإرهابيين، في إشارة الى السعودية ضمن دول أخرى. وتناسل تصريحات المسؤولين الأمريكيين ضد دول الخليج والعربية السعودية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي ومن البيت الأبيض وباقي المؤسسات مثل الكونغرس الذي رخص بملاحقة العربية السعودية قضائيا بسبب تورطها المفترض حسب بعض المصادر الأمريكية في هجمات 11 سبتمبر، يؤكد القرار المؤسساتي لواشنطن بإستهداف الرياض. وكان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قد أكد اعتراض بلاده على مشروع القانون الذي لا يستند إلى مبادئ العلاقات الدولية، وقال في بيان له: إن ما يقوم به الكونغرس يلغي مبدأ الحصانات السيادية الأمر الذي سيحول العالم من القانون الدولي إلى "قانون الغاب". وبعد أن عارضت الرياض مشروع القانون بشدة ونفت أي مسؤولية عن الهجمات التي وقعت عام 2001، هددت ببيع سندات أمريكية وأصولا تصل قيمتها إلى 750 مليار دولار إذا أصبح المشروع قانونا. وقد أكد خبراء ومحللون اقتصاديون أن السعودية ستتأثر أيضا في حال أقدمت وقبل أن تسبقها واشنطن بعملية تجميد، على بيع الأصول والسندات التي تملكها في الولاياتالمتحدة الأمريكية وذلك كردة فعل على إقرار القانون. وأوضح المحللون أن قيام الرياض ببيع كميات كبيرة من الأصول والسندات ودفعة واحدة قد يؤدي إلى تراجع أسعار هذه الممتلكات وبصورة كبيرة الأمر الذي سينتج عنه خسائر كبيرة وربما إلى إنهيار جزئي للدولار الأمريكي في السوق الدولية. فواز جرجس رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد، أكد من جانبه إن الأصول التي تمتلكها السعودية في الولاياتالمتحدة الأمريكية تتراوح قيمتها بين 700 مليار إلى تريليون دولار. وأضاف جرجس، في تعليقه على تهديد السعودية ببيع الأصول التي لديها في أمريكا: أنه أمر هام جدا للسعودية، قائلا: "لا أعتقد أن التهديد خدعة". مشاريع التخريب خلال الثلث الأول من شهر يناير 2016 كشف سياسيون نافذون في واشنطن وطبعا ضمن أسلوب من التضليل الممنهج عن مشاريع الإدارة الأمريكية. ذكر مارتن إنديك، نائب الرئيس التنفيذى لمعهد بروكينغز والمساعد أول السابق لوزير الخارجية الأمريكى جون كيري، أن الرياض ضربت بالتهديدات والتحذيرات الأمريكية الخاصة بعدم إعدام الداعية الشيعى السعودى نمر باقر النمر عرض الحائط، لأنها بدأت تشعر ببوادر أزمة ومخطط أمريكي لتغيير نظام الحكم في المملكة أو إسقاطه لصالح بروز قوى أخرى في البلاد، ومنح الشيعة دورا مهما وفعالا في حكم المملكة مستقبلا. وأوضح إنديك، في تحليل نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن سماء العلاقات السعودية الأمريكية، كانت ملبدة بالغيوم خلال الفترة الماضية، وقال: "في الحقيقة لم يكن هناك وفاق بين الرياض وواشنطن، تجاه الكثير من القضايا والرؤى على مدى السنوات الماضية، وبدأ التوتر في العلاقات منذ تزايد الشعور السعودي بأنهم هدف لمخططات أمريكية لتقسيم المملكة وتغيير نظام الحكم". ولفت إلى أن إعدام النمر، هو الإجراء الأخير في سلسلة إجراءات ومواقف وصدام بين الجانبين طوال الفترة الماضية، بدأ مع هبوب رياح ما يعرف بالربيع العربي، ثم تعقد الوضع في سوريا واليمن وأخيرًا الاتفاق النووي الإيراني، الذي اعتبرته المملكة المسمار الأخير في نعش علاقتها الإستراتيجية مع واشنطن. دول ستختفي يوم 18 يونيو 2016 أطلق مايكل هايدن مدير المخابرات الأمريكية السابق تصريحات خطيرة ولافتة للغاية من ناحية حدتها، حيث أكد على أن عدة دول عربية ستختفي عن خارطة الشرق الأوسط قريبا. قبل ذلك بأشهر وفي دراسة وضعها رالف بيترز وهو جنرال أمريكي متقاعد ونائب رئيس هيئة الأركان للاستخبارات العسكرية في وزارة الدفاع سابقا ونشرت في الولاياتالمتحدة نهاية سنة 2015 تحت عنوان "حدود الدم ... نحو نظرة أفضل للشرق الأوسط"، تم الكشف عن مخططات تقسيم لعدد من أقطار المنطقة ومنها السعودية. وتتضمن الخطة تأسيس دول جديدة، من بينها دولة عربية شيعية على أراض سعودية غنية بالنفط، ستشمل جنوبالعراق والجزء الشرقي من السعودية و"دولة كردستان الحرة" على أراض من تركيا وسوريا والعراق وتكون أكثر الدول تبعية لأمريكا بحسب تفاصيل هذا المشروع. وسيختفي العراق الحالي من الوجود وكذلك سوريا. وبحسب رالف بيترز، لن يشفع للسعودية تحالفها الاستراتيجي مع الولاياتالمتحدة منذ حفر أول بئر للنفط في المملكة سنة 1933، والذي ترسخ عام 1945 باللقاء التاريخي بين الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على ظهر السفينة الحربية "كوينسي". ويشير بيترز إلى أن حاجة أمريكا للسعودية بسبب النفط قد إنتهت، ومن أبرز ملامح الخطة التي رسمها، تقسيم السعودية إلى دويلات إسلامية تضم كل دويلة طائفة معينة أو قبائل معينة. وإقترح الجنرال الأمريكي وضع مكة المكرمة والمدينة المنورة تحت حكم مجلس يدار من طرف من سماهم ممثلين للمدارس والحركات الإسلامية الكبرى، وتكون رئاسته بالتناوب في دولة مقدسة تشبه فاتيكان روما. وفي الإطار التآمري ذاته، يتواتر الحديث في دوائر صنع القرار الأمريكي منذ منتصف عام 2014 عن قرب استغناء الولاياتالمتحدة عن النفط السعودي، نظرا للقدرات المتنامية لأمريكا التي سوف تصبح أول منتج عالمي للنفط ما بين 2017 و2020، ليتجاوز الإنتاج السعودي، كما ورد في التقرير السنوي للوكالة الدولية للطاقة "توقعات الطاقة العالمية"، الذي نشر في شهر نوفمبر من عام 2013. فقد ذكر التقرير أن أكبر الاحتياطات العالمية من النفط القابلة للاستغلال تقنيا لم تعد متمركزة في العالم العربي 1200 مليار برميل وإنما في أمريكا الشمالية 2200 مليار برميل. وبحسب وزارة الطاقة الأمريكية، فقد أمنت الولاياتالمتحدة في النصف الاول من عام 2012، 83 في المئة من حاجاتها من النفط بزيادة قدرها 8 نقاط في غضون أربع سنوات وانخفضت وارداتها بنسبة 11 في المئة خلال العام نفسه. لكن بعض المحللين الاقتصاديين يرون أن الولاياتالمتحدة ستظل تعتمد على نفط السعودية على الأقل إلى أن تبلغ الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة بحلول عام 2020. عمر نجيب [email protected]