بكل تأكيد يتجاوز موضوع وفاة الأمين العام لجبهة البوليساريو الراحل محمد عبد العزيز، كونه حدثا إنسانيا تختلط فيه المشاعر، وتستوجب تقديم واجب العزاء لأسرته في الجبهة وأسرته الصغيرة الموزعة بين الجزائر، وقصبة تادلة حيث يقيم والده أحد قدماء جيش التحرير في الصحراء المغربية، والذي لم تغريه في أي وقت من الأوقات "جمهورية" نجله الوهمية، و حافظ على إنتمائه المغربي الأصيل، فهذا الرجل يستحق واجب العزاء بكل تأكيد. أن توجه رسائل العزاء من الجزائر وإسبانيا وكوبا والأمين العام للأمم المتحدة ومن موريتاتيا، فهذا الأمر مفهوم، أن تعلن الجزائر وكوبا الحداد الوطني وتنكيس الأعلام، هو كذلك سلوك مفهوم، لكن أن تقوم بذلك موريتانيا، فإن الأمر يحتاج إلى أكثر من وقفة تأمل. عمليا موريتانيا جمدت إعترافها بالجمهورية الوهمية والذي تم في ظروف خاصة سنة 1985، لكن نواكشوط لم ترفع الأمر -كما يقتضي المنطق- إلى مستوى التمثيل الديبلوماسي، فحتى عندما فتحت إسرائيل سفارة لها في نواكشوط، فإن السلطات الموريتانية لم تسمح بفتح سفارة للجمهورية الوهمية، تقديرا منها لحساسية الموضوع بالنسبة للرباط، وكذلك حفاضا لموريتانيا على وضع محايد، في نزاع شكلت فيه طرفا رئيسيا في أهم لحظاته المفصلية. الرئيس الموريتاني اختار في برقية التعزية التي وجهها رئيس المجلس الوطني الصحراوي والذي سيتولى رئاسة الجبهة و"الجمهورية الوهمية" مؤقتا إلى حين انتخاب خليفة لمحمد عبد العزيز، أن يتحدث عن الأخير ليس فقط بصفته أمينا عاما للجبهة، بل وأساسا كرئيس للجمهورية ، حيث جاء في برقية التعزية : " علمنا ببالغ الأسى والحزن، بنبإ وفاة المغفور له بإذن الله تعالى فخامة السيد محمد عبد العزيز، رئيس الجمهورية العربية الصحراوية. وبهذه المناسبة الأليمة، أتقدم إلى سيادتكم وإلى الشعب الصحراوي الشقيق ولأسرة الفقيد، بأصدق التعازي وأخلص المواساة". العبارات ليست من قبيل الصدفة بكل تأكيد، بل هي تجسد "قناعة" لدى جزء من النخبة الموريتانية، والبرودة التي تطبع العلاقات المغربية الموريتانية تعود في جزء كبير منها لهذه القناعة التي لم ينجح المغرب في تغييرها. موريتاتيا بلد أساسي في المنطق، وله صوت مهم في قضية الصحراء، ليس فقط بمنطق الجوار والجغرافية، ولكن بصفة أساسية بفعل ثقل التاريخ والثقافة، يكفي ان نواكشوط كانت طرفا في إتفاقيتين كان لهما وقع كبير على نزاع الصحراء، الأولى هي اتفاقية مدريد الثلاثية والتي جمعت المغرب وإسبانيا وموريتانيا، والتي نص اعلان مبادئها عما يلي: " 1- تبرم إسبانيا قرارها، الذي أعربت عنه مرارا أمام هيئة الأممالمتحدة، بتصفية استعمار أراضي الصحراء الغربية واضعة حدا لمسؤولياتها وسلطاتها كقوة إدارية على الأراضي المذكورة. 2- انسجاما مع القرار السابق ومع المفاوضات التي أوصت الأممالمتحدة بها مع الأطراف المعنية، تشرع إسبانيا فورا بإنشاء إدارة مؤقتة في الأراضي، يشارك فيهاالمغرب وموريتانيا بالتعاون مع الجماعة وتنقل إلى هذه لإدارة المسؤوليات والسلطات التي تشير إليها الفقرة السابقة. وبناء عليه، اتفق على تعيين حاكمين معاونين، تقترحهما المغرب وموريتانيا لمساعدة حاكم البلاد في أعماله، وسيتم إنهاء الوجود الإسباني على الأراضي نهائيا قبل 28 فبراير 1976. 3.- يحترم رأي السكان الصحراويين، المعبر عنه من خلال ال(الجماعة). 4- تحيط البلدان الثلاثة الأمين العام للأمم المتحدة علما بما أقر في هذه الوثيقة كنتيجة للمفاوضات المعقودة بموجب المادة 33 من ميثاق الأممالمتحدة. 5- تعلن البلدان الثلاثة المشاركة بأنها توصلت على النتائج السابقة بروح التفاهم المثلى والأخوة والاحترام لمبادئ ميثاق الأممالمتحدة، وكأفضل مساهمة لحفظ السلم والأمن الدوليين. 6- تصبح هذه الوثيقة سارية في ذات اليوم الذي تنشر فيه في الجريدة الرسمية " قانون تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية " والذي يخول الحكومة الإسبانية حيازة الالتزامات المتضمنة في هذه الوثيقة. والاتفاقية الثانية وني التي وقعت تحت ضغط جزائري قوي في ظروف سياسية وأمنية دقيقة كان تمر منها موريتانيا، وهي اتفاقية الجزائر في غشت 1979 حيث تخلت موريتانيا عن وادي الذهب لفائدة جبهة البوليساريو. موريتانيا كانت دائما تتوجس من وجود المغرب في شمالها، وكانت تسعى داىما لوجود كيان عازل..يبدو أن هذا الحلم لازال مؤثرا في نواكشوط، ومن واجب المغرب تبديد هذا الحلم ببناء شراكة استراتيجية حقيقة ومثالية مع موريتانيا. [email protected]