دخلت التحركات ضد إصلاح قانون الشغل في فرنسا مرحلة جديدة مع تعطيل مصافي تكرير النفط والمحطات النووية. وبينما لا تزال مواقع نفطية مطوقة أو متوقفة عن العمل تزامنا مع خلل متوقع في عمل الموانئ ومحطات الطاقة الكهربائية، دعت النقابات المعارضة لإصلاح قانون الشغل أمس إلى يوم تعبئة جديد، واليوم هو الثامن من أيام أخرى دعت إليها النقابات بانتظام منذ مارس للتظاهر ضد مشروع القانون الذي يرى فيه العديد تهديدا لحقوق الموظفين. وأمام تصعيد التحركات الاجتماعية، أشار رئيس الوزراء مانويل فالس إلى إمكانية إجراء "تعديلات على إصلاح قانون العمل مستبعدا أي "تغيير في الإطار" أو سحب للنص. ودارت مواجهات مساء أمس بين رجال الشرطة و"متظاهرين ملثمين" خرجوا عن الموكب، فيما داهمت سيارة حاجزا بشريا لمتظاهرين وأوقعت جريحا هو في حالة خطيرة حسب الشرطة. وبلغت التعبئة ذروتها في 31 مارس الماضي، مع خروج 390 ألف متظاهر بحسب الشرطة، بينما قال المنظمون أن عددهم بلغ 1،2 مليون. ومنذ الأسبوع الماضي بدأت الاحتجاجات تنظم في شكل إضرابات بعد أن دعا الأمين العام للاتحاد العام للعمل "سي جي تي"، فيليب مارتينيز، الذي قام بتصعيد النزاع قبل أيام، إلى "تعميم الإضراب". وباتت مصافي التكرير ومستودعات النفط في صلب الحركة الاحتجاجية. وتباطأ الإنتاج قبل يومين وتوقف في خمس من أصل ثماني مصاف، فيما توقف العمل كليا أو جزئيا في 4 آلاف محطة للتزود بالوقود وفق ما أظهر تطبيق هاتفي يستخدمه سائقو السيارات على نطاق واسع. وكانت الحكومة الفرنسية قد اختارت أول أمس اللجوء إلى القوة في مواجهة هذه العقبات، فأرسلت عند الفجر قوات أمنية لفك الطوق عن المستودعات. وقال الرئيس فرانسوا هولاند خلال جلسة مجلس الوزراء: "سيتم القيام بكل ما يلزم لتأمين الإمدادات بالوقود للفرنسيين". وبدأت فرنسا منذ الأربعاء استخدام احتياطها الاستراتيجي من المواد النفطية الذي قالت سيدوم 15 يوما. واضطرت الحكومة بعد فشلها في الحصول على تأييد أغلبية النواب، إلى اللجوء لأداة دستورية تتيح تبني النص من القراءة الأولى دون طرحه للتصويت. وتقول الحكومة إن النص يجيز للمؤسسات مزيدا من المرونة من أجل مكافحة بطالة مزمنة تزيد نسبتها عن عشرة بالمئة. لكن منتقدي قانون الشغل يعتبرون أنه يعزز أوضاع أصحاب العمل على حساب العمال. وسعى الاتحاد العام للعمل إلى توسيع حركته لتشمل قطبا إستراتيجيا آخر هو محطات توليد الكهرباء، وتخيم تهديدات بانقطاع الكهرباء في فرنسا إذا استمر التصعيد. وانضمت نقابة أخرى إلى هذا التحرك داعية عمال الكهرباء والغاز إلى التعبير عن رفضهم لمشروع إصلاح قانون الشغل. ويواجه الرئيس هولاند وهو يخوض سنته الرئاسية الخامسة تراجعا حادا في شعبيته التي فقدت بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، ست نقاط لتصل إلى 22% في بداية شهر مايو الجاري، وهي أسوأ نتيجة مقارنة مع جميع رؤساء الجمهورية الخامسة. ويعتبر 78% من الفرنسيين بأنه لا يملك حلولا لمشاكلهم، و64% يرون أنه فشل على جبهتين : جبهة البطالة وجبهة القدرة الشرائية. واليوم، وبعد مرور أربع سنوات على ولايته، بدأ الفرنسيون يدركون أن رئيسهم لم يعد قادرا على الاستجابة لتطلعاتهم أو الإصغاء إليهم. فالأسعار في تزايد مستمر بدءا من المواد الأساسية التي سجلت ارتفاعا ما بين 8 إلى 10% مرورا بالمواد شبه الضرورية التي تجاوزت الزيادة في بعضها عتبة ال10%، مما انعكس بشكل كبير على قطاع الخدمات والنقل والصحة وباقي القطاعات ذات الارتباط بالحياة المعيشية اليومية للفرنسيين، وما رافق ذلك من تراجع على مستوى الاستهلاك الذي يعتبر المحرك الأساسي للنمو. وقد راهن هولاند في بداية ولايته على النمو الاقتصادي وظن أن فوزه بالرئاسة سيعطي ثقة كبيرة بالاقتصاد وسيحث المواطنين على الاستهلاك وسيخلق دينامية قوية تعززها التدابير والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، لكنه يجد نفسه اليوم أسير ظنونه التي لا يملك معها القدرة على تحسين معيش الفرنسيين في ظل أوضاع اقتصادية دولية متأزمة تتميز اليوم بتنقل ثقل العولمة الاقتصادية إلى الشرق الآسيوي وتخبط الحليف الأمريكي في مشاكل اقتصادية فضلا عن تراجع الصادرات الفرنسية، وغير ذلك من العوامل التي أثرت سلبا على الحركة الاقتصادية في البلاد وعلى قطاع الاستهلاك بشكل عام. وربما يقرأ هولاند في تدهور شعبيته رسالة إنذار من مواطنيه بإعادة النظر في حساباته التي بناها على قناعة اقتصادية مفادها أن معدل النمو سيصل إلى اثنين في المئة مع حلول 2015، فجاءت حسابات الحصاد مختلفة كليا عن حسابات الحقل كما يقال، حيث نسبة النمو لم تتجاوز 1،5 في المئة، ومن المرجح أن تتراجع هذه السنة إلى ما دون الواحد في المئة.