ترتبط احتفالات يوم عاشوراء بالمغرب بعملية رش الماء، وهي عادة وتقليد عميق في الثقافة المغربية، يرتبط بعملية الغمر والغطس في الصباح الباكر ليوم عاشوراء عريقا يقوم به المغاربة لطرد النحس والأرواح الشرير، بل يرتبط في العوم صباح اليوم الباكر من عاشوراء في الثقافة المغربية بتسريع نمو الأطفال الصغار في مأمن عن الأرواح الشريرة. ترجع العديد من الدراسات الأنتربولوجية والتاريخية وجود عادات عاشوراء في الثقافة المغربية إلى فلول المذهب الشيعي المنتشر بالمغرب خلال القرن 11 ميلادي، حين كانوا يحتفلون بيوم عاشوراء أو ذكرى مقتل الحسين بن علي في كربلاء، وصارت مناسبة الألم والحزن وربما البكاء والتحسر. ومن الناس من يحتفل بها تقليدا فحسب بلا وعي ولا إدراك، ثم امتزجت هذه الطقوس الشيعية بالطقوس الإسلامية واليهودية والأمازيغية... ولذلك تحرص الأسر الأمازيغية على تسمية بناتهم باسم «عاشوراء». وهنا من يؤصل الاحتفالات بعاشوراء إلى اعتبارها سنة نبوية شريفة مستمدة من رواية وصول الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، حيث علم أن يهود يثرب إنما كانوا يصومون يوم عاشوراء احتفاء بنجاة موسى عليه السلام من المطاردة الفرعونية فقال عليه السلام: «نحن أحق بموسى ولئن حييت إلى قابل لأصومن عاشوراء وتاسوعاء». ويؤكد الدكتور عباس الجراري خبير في الفكر الإسلامي والثقافة المغربية بأن الاحتفالات بعادات يوم عاشوراء ظلت مترسخة بالتقاليد الاجتماعية المغربية على المستوى الرسمي أو الشعبي، مضيفا أن ابن عبد الله البكري في وصفه لمدينة أصيلة في عصره -القرن الخامس هجري- قال: أن الناس قد اتخذوا موضعها رباطا فانتابوه من جميع الأمصار وكانت تقوم فيه سوق جامعة ثلاث مرات في السنة وهو وقت اجتماعهم وذلك في شهر رمضان وفي عشر ذي الحجة وفي عاشوراء. ومن هذه العادات «الشعالة» و»رش الأرض بالماء»، فقد كان شائعا الإكثار من صب الماء على الأرض، حيث كان الناس يدعون حمالو الماء المعروفون ب»الكرابة» إلى ملء قرابهم وإفراغها في الأرض مقابل ما يعطيه المارة والمتجولون. وشبيه هذه العادات ما كان يقوم به الكنعانيون حيث ربطوا صب الخمور على الأرض بتتلذذ السماء بذلك، وهو ما يسمح بإنهاء حالة الجفاف، ورمز سقوط المطر من السماء إلى الأرض. وكان المغاربة يغتسلون في الصباح الباكر من يوم عاشوراء بالماء البارد، حتى يكون العام مليئا بالخير وبالحيوية والنشاط، وفي حالة عدم استيقاظ الفتيات باكرا كانت تلجأ الأمهات إلى رشهن بالماء حتى يضطررن للاستيقاظ، لكن هذه العادة بدأت في التلاشي تدريجيا لتخرج إلى أزقة الشوارع حيث يتبادل رش الماء على المارة وفيما بين الأطفال والمراهقين أي (زمزم) أو («تزمزيم). أما عادة إشعال النار أو ما يسمى ب»الشعالة» فهناك من يرجع أصلها إلى الأمازيغ في عهودهم البدائية حين كانوا يعبدون النار، وهناك من يعتبرها امتدادا لعادات يهودية أدخلها يهود المغرب خلال استقرارهم بالجنوب المغربي، ورمزية عادة إشعال نار «الشعالة» والقفز عليها، التخلص من الذنوب، ومن التعاسة وسوء الحظ... وعلى العموم فإن الماء في مختلف الثقافات العريقة يشكل ركيزة في ممارساتها الدينية، فالوضوء والاغتسال والطهارة في الإسلام، والطهارة في اليهودية، والتعميد في المسيحية، والطقوس الدينية في الصابئة، والاستحمام في النهر المقدس لدى الهندوس، والأنهار والمياه المقدسة لدى الأمم والشعوب، مثل بئر زمزم، والأنهار والشلالات المائية لدى الهنود الحمر والأفارقة والآسيويين. وهكذا ارتبط الماء في كل الثقافات والحضارات العريقة برمزية التطهير من الذنوب، بمرحلة الانطلاق في حياة جديدة أحسن وأنبل من سابقتها، وعليه يكون شرط الدخول في الإسلام الوضوء الأكبر ووضوء الصلاة، وهو ما يعني بأن الإنسان ينتقل من مرحلة الذنوب والخطايا في مرحلة الكفر والشرك إلى مرحلة جديدة يتخطى فيها المسلم الآثام والخطايا السابقة. يأتى فيها الوضوء أو الاغتسال بشكل خاص ليدل على معنى التطهير ومغفرة الذنوب والخطايا، وفي هذا يأتي سياق الآيات الكريمة (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام) (الأنفال: 11). وهو المعنى الذي يؤيده الحديث الشريف «كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسكت بين التكبير وبين القراءة إسكاتة - قال أحسبه قال هنية - فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله، إسكاتك بين التكبير والقراءة، ما تقول ؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء الثلج والبرد». ولم تكن رمزية الماء ترتبط بهذه الدلالة في الثقافة الإسلامية وحدها فحسب بل لها الدلالة ذاتها في الثقافات الإنسانية العريقة، في الثقافة اليهودية والمسيحية يحتفى بالماء بشكل عميق وقوي، ففي العهد القديم يبتدئ الكتاب المقدس من سفر الرؤيا بكلمة الماء (ماء الغمر)، وينهي بماء النهر الحي، وهي مياه الخلق، مياه الطوفان، مياه الغسل، مياه تطهير اليهود. افتتاحية تبناها العهد الجديد، وحيث يرمز الماء إلى الطبيعة البشرية الخاطئة، المحتاجة إلى تطهير (معمودية وغسل)، ودلالة الماء تعني مياه الشر والحاجز الذي يمنع إسرائيل من العبور إلى أرض الميعاد في سفر الخروج. ويجسد التعميد بالماء في العهد الجديد أي في الثقافة المسيحية كما اليهودية تطهر وتوبة من الخطايا، كشرط لقبول يسوع المسيح «معاناة المسيح» الذي سيعود في وقت لاحق من السماء في سحابة، وتقوم معظم الكنائس عادة بسكب أو رش ماء التعميد، بينما تمارس الكنائس الأرثوذكسية الشرقية عملية الغمر، أي تغطيس الشخص في الماء. وبنفس الدلالة التطهيرية تتم ممارسات الثقافة الصابئة، حيث يعمد المولود في هذه الثقافة بعد 45 يوماً ليصبح طاهراً من دنس الولادة، حيث يتم إدخال الطفل في الماء الجاري إلى ركبتيه مع الاتجاه جهة نجم القطب. كما يتم التعميد كذلك بالارتماء في الماء سواء أكان الوقت صيفا أم شتاء، كما أجاز رجال الدين الاغتسال في الماء الحي وكذلك في ماء العيون النابعة لتحقيق الطهارة. في الثقافة الكنعانية تكمن قيمة الماء في بعد التطهير، إرضاء للآلهةّ، حيث يعتبر الكنعانيون أن الاغتسال والتطهير بعد الحرب ضروري، ذلك لأنهم يعتبرون الحرب جريمة لا بد من غسل آثارها. وفي المثيولوجيا الشركسية يحتفى ب «بسه تحه» إله المياه، وينظر إلى المياه الحارة التي تكتسب حرارتها من المرجل الأرضي الضخم تمثل دموع ساوسروقة المدفون حيا تحت الأرض، حيث يحاول العودة إلى الأرض ليطرد منها الأشرار والآثمين، فيتم ربط الدلالة الرمزية للمياه بوظيفة التطهير من الآثام والخطايا، وغسل القذارة والدنس، وحين يبلل المرضى أجسامهم بدموع ساوسروقة يعودون أصحاء تماما، فيما تتعدد أشكال وأسماء المياه المعدنية. وارتبطت دلالة الماء كذلك في الثقافة الإسلامية بالحياة بل وبأساس وجودها، حيث جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: «وجعلنا من الماء كل شيء حي»، ومعلوم أن الكون قبل خمسة عشر ألف مليون عام كان ماء سديما، قبل إلى أن يتشكل على هيئته الحالية، في ذلك قوله تعالى: «وكان عرشه على الماء». كما ارتبطت دلالة الماء بالحياة والرزق، والخصوبة، ومنه اعتبر رش الماء مرتبط برمزية غاية الخصب التي تعقب نزول الغيث (الماء). وجعل الله نزول الماء من السماء سببا في الرزق، حين يقول عزوجل: «الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم» (البقرة 22). ولذلك فإن تفسير تيمة الماء في الأحلام وفق منظور الثقافة الإسلامية يرتبط بالحياة الرغيدة للإنسان، وكان تؤول منامة أن الإنسان يشرب مياه صافية عذبة، بأنها البشرى بالحياة الطيبة. وكان الفينيقيون يحتفلون ب?أدونيس?, لاعتباره اله الخصب بعد تساقط الأمطار والسيول, واعتبروا أن المياه الحمراء بالطين، تمثل دم أدونيس, ورمز تجدد الطبيعة, فتكتسي الأرض الخضرة, وينتشر الدفء. واعتقد الفراعنة أن ?أوزريس? اله الخصب يقضي عليه اله القحط ?ست?, ويمزقه ?ربا ?ربا ويجعل كل ارب مدفونا على شاطئ النيل وعلى مسافات بعيدة. كما كان المصريون يحتفلون أيضا بإله النيل والفيضان إله الزراعة والخصب ?اوسيرس?. ورمزية الماء أو الاغتسال والطهارة في الثقافة الإسلامية المغربية شبيه بعادات الغمر والغطس في الماء بالثقافة العالمية العريقة، فالاغتسال بماء زمزم في الحج والاغتسال بماء العيون المنتشرة في أطراف المغرب تجد مرجعيتها العميقة، لا من قدرتها الاستشفائية الخارقة من الأمراض الجلدية المستعصية، فحسب بل يرتبط بعمق الطقوس الدينية القديمة في النفس الإنسانية. ففي قصة موسى عليه السلام عندما استسقى قومه الماء، ضرب موسى بعصاه الحجر فانفجر منها اثنتا عشرة عينا بعدد أسباط بني إسرائيل الإثني عشر، وتجمع الأسباط حول الماء وكان لكل سبط ماؤه المخصص. ولعل ذلك ما يفسر حمل هذه العيون أسماء الأولياء الصالحين لارتباط ذلك بالكرامات والقدرات الخارقة للأولياء عين: سيدي حرازم، سيدي علي، مولاي يعقوب...