هل جاء القرار الخليجي بتصنيف (حزب الله) اللبناني منظمة إرهابية متأخراً؟. وهل سيصدر عن جامعة الدول العربية قرار مماثل خلال الاجتماع الوزاري المقبل في دورته ال 145 بعد غد الخميس؟، أم سيظل القرار الذي أصدره اجتماع وزراء الداخلية العرب في تونس بهذا الشأن، قراراً فريداً لن يعزز بقرار آخر يكون أقوى تعبيراً عن الموقف العربي حيال هذه القضية التي تأخر البتّ فيها حتى أصبحت معقدة؟. لقد تشكلت أخيراً اللجنة الرباعية العربية المعنية برصد التدخلات الإيرانية في الشأن العربي على صعيد جامعة الدول العربية. وتتكون اللجنة من السعودية ومصر والإمارات والبحرين. وجاء تشكيل هذه اللجنة في الوقت الذي بلغ التدخل الإيراني في بعض الدول العربية، مباشرة أو غير مباشرة، حدّ الخطورة المطلقة التي تهدد الأمن في مناطق من العالم العربي. ومن الواضح أن (حزب الله) هو الوكيل العام لإيران في لبنان، وأن امتداد التأثير الخطير الذي يمارسه هذا الحزب يصل إلى اليمن والبحرين ومناطق أخرى، ناهيك عن الدور التخريبي الذي يقوم به في سوريا. وبذلك يكون التدخل الإيراني في الشأن العربي يتم عن طريق (حزب الله) بالدرجة الأولى. ولكن القرار الخليجي بتصنيف (حزب الله) منظمة إرهابية، جاء متأخراً، على الرغم من وضوح هذه الحقائق على الأرض. فقبل سنتين صدر قرار من دولتين خليجيتين بتصنيف الجناح العسكري من (حزب الله) منظمة إرهابية. وكان ذلك القرار غير دقيق، لأن الجناح العسكري لهذا الحزب ليس كياناً قائم الذات، ولكنه جزء من الكل، لأن (حزب الله) منظومة متكاملة، لا ينفصل جناحها العسكري عن أجنحتها الأخرى، فجميعها تخضع للقيادة الواحدة التي تخضع هي الأخرى لإيران. ولذلك كان تصنيف الجناح العسكري لهذا الحزب منظمة إرهابية، وعدم تصنيف الحزب ككل حزباً إرهابياً، أمراً مثيراً للاستغراب وباعثاً على الحيرة. وكان واضحاً يومئذ أن الاعتبارات السياسية وربما الأمنية أيضاً، هي التي أملت ذلك القرار المفتقر إلى الدقة. وعلى كل حال، فقد صدر القرار الخليجي المتكامل، وجاء في الوقت المناسب، على الرغم من أنه يطرح بعض الالتباسات، منها أن هذا الحزب الإرهابي هو أحد مكونات الحكومة اللبنانية، بل هو، في حقيقة الأمر، أهم هذه المكونات. فهل يعني ذلك أن الحكومة اللبنانية تتشكل في ثلث أعضائها (وهو الثلث المعطّل بكسر الطاء) من منظمة إرهابية؟. المسألة هنا واضحة تماماً لا تحتاج إلى طرح السؤال، وهو الأمر الذي يستدعي أن تتحرك المكونات اللبنانية، خصوصاً تيار سعد الحريري، لتصحيح الوضع. ولكن هل في الإمكان أن يتحرك هذا التيار أو غيره في هذا الاتجاه؟. تلك هي المشكلة التي تزيد الوضع اللبناني تعقيداً. الواقع أن (حزب الله) اختطف القرار اللبناني، واغتصب السيادة اللبنانية، فأصبح هو سيد الموقف، صاحب القرار الذي لا ينازع فيه، بحيث صارت الدولة اللبنانية رهينة في يد هذا الحزب الإرهابي الذي لا يوجد مثيل له في العالم العربي. لو أن الدولتين الخليجيتين اتخذتا القرار المتكامل الجامع المانع، قبل سنتين، بتصنيف (حزب الله) منظمة إرهابية بدلاً من تصنيف جناحه العسكري إرهابياً فحسب، لما كانت الأوضاع قد وصلت إلى هذا المستوى من التدهور على جميع الأصعدة. إن (حزب الله) هو الذي أنقذ نظام بشار الأسد من السقوط، وهو الذي يدعم الانقلابيين في اليمن، ويساند المعارضة الشيعية في البحرين، ويؤازر الميليشيات الشيعية في العراق التي تدعمها الحكومة، وهو الذي يدير شبكة من الجواسيس الإرهابيين في دول الساحل الأفريقي، وفي بعض دول أمريكا اللاتينية حيث توجد جاليات لبنانية. وهذا الحزب هو الذي ساهم في إفساد العقل العربي حين ادعى، وصدقه الجميع أو كاد أن يصدقه الجميع، أنه حزب المقاومة والممانعة يقف مع سوريا ضد إسرائيل، والحال أنه وسوريا يخدمان مصالح الصهيونية وإسرائيل والقوى العظمى، بل ويعمل مع تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية، ضد المعارضة المسلحة السورية التي تهدف إلى الإطاحة بنظام بشار الأسد. و(حزب الله) هو الذي يتآمر على المملكة العربية السعودية، وعلى دول الخليج الأخرى، فهذا الحزب يمثل خطراً محدقاً بالجميع. فكيف تأخر تصنيفه منظمة إرهابية؟. السؤال هنا لا يهمّ في هذه المرحلة، فالمهم أن القرار الخليجي قد اتخذ بالإجماع، وأن القرار العربي ينتظر أن يتخذ، لأن القرار الذي اتخذه اجتماع وزراء الداخلية العرب، في حاجة إلى دعم من مجلس جامعة الدول العربية، لأن المسالة في منتهى الخطورة، ولأن تدهور الأوضاع في المنطقة يتطلب الإسراع في اتخاذ القرار العربي الحاسم بتصنيف (حزب الله) منظمة إرهابية. فلم يعد الوقت يسمح بالتردد والتريث ومراعاة الاعتبارات السياسية أو الأمنية. من التصريحات ذات الدلالة الخاصة التي صدرت في هذه الفترة، ما أدلى به راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في تونس من أن (حزب الله) له دور في تدمير سوريا واليمن وتورطه في دماء شعبَي البلدين. والغريب أن أحد التنظيمات التي سبق تصنيفها ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، تدين (حزب الله) هي الأخرى بالقيام بأدوار تخريبية في بعض الدول العربية. وهو الأمر الذي يدعو إلى المراجعة، لأن عدم التمييز بين (حزب الله) وبين بعض التنظيمات الأخرى وتصنيفها جميعاً ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، مسألة فيها نظر، وليست في مصلحة الأطراف المستهدفة بالإرهاب والمقصودة بالتآمر من طرف (حزب الله). إذا استمرت الأوضاع في المنطقة على ما هي عليه اليوم، فإن لبنان مرشح للدخول في متاهات لا أول لها ولا آخر؛ لأن الحزب الإرهابي الذي يخدم المصالح الاستراتيجية لإيران في لبنان وفي المنطقة العربية بصورة عامة، لن يعيد هذه الدولة العربية، التي كانت من قبل سويسرا العرب، إلى شرعيتها وسيادتها. فهو مزهو كل الزهو بقوته وجبروته، خصوصاً وأن السلاح الذي بين يده يفوق السلاح الذي بين يدي الجيش اللبناني وقوات الأمن اللبنانية. إنه (الحزب-الدولة)، وليس (حزب الدولة)، لأنه هو وحده دولة فوق الدولة. وهنا منتهى الخطورة، لا على لبنان فحسب، بل على الدول العربية على وجه الإجمال. فهل ستتخذ جامعة الدول العربية القرار المناسب قبل أن يفوت الوقت المناسب؟. وهل سيواجه العرب الخطر الإيراني الذي يتهدد الأمن القومي العربي بالقرار الحاسم وبالإرادة الحازمة؟. قبل أيام زار القاهرة وفد من (حزب الله)، دون أن تتسرب معلومات عن محتوى المحادثات أجراها ذلك الوفد مع بعض المسؤولين المصريين. ومعلوم أن القاهرة تقف من الأزمة السورية موقفاً مغايراً للموقف السعودي وللموقف الخليجي والعربي بصورة عامة. فالدول العربية، ما عدا دولتين أو ثلاثاً، تقف إلى جانب الشعب السوري المنتفض ضد نظام بشار الأسد، والرافض للاحتلال الإيراني-الروسي. و(حزب الله) متورط إلى أبعد حد، في الحرب التي تشن ضد الشعب السوري. إن القرار الخليجي بتصنيف (حزب الله) منظمة إرهابية، موجّه أيضاً إلى الطرف الأقوى الذي يقف مع هذا الحزب، لا خلفه كما يقال. القرار المنتظر من جامعة الدول العربية بتصنيف (حزب الله) منظمة إرهابية، أهم في تقديري، من عقد القمة العربية السابعة والعشرين، في هذه الفترة العصيبة المنذرة بأسوأ الاحتمالات والمحفوفة بالمخاطر.