ضاق هامش التحرك أمام قيادة جبهة البوليساريو بعد انحسار الدور الديبلوماسي الجزائري على المستوى الدولي وارتأت هذه القيادة الانفصالية أن تقوم بجولة في 12 ولاية جزائرية لشرح موقفها من مجمل ا لتطورات المتعلقة بقضية وحدتنا الترابية، ولعلها ستسعىإلى تقديم تفسيرات تتوهم أنها مقنعة لمجمل الانكسارات التي تعرضت لها خلال الشهور القليلة الماضية والتي أحكمت طوق العزلة عليها وزادت حبل الخنق تشديدا على عنقها. مؤشرات كثيرة يمكن استنتاجها من هذه الجولة التي تتم طبعا بتأطير من الحكومة الجزائرية الشقيقة التي تولت رئاسة حكومتها من جديد شخصية جزائرية معروفة بحماسها الشديد فيما يتعلق باستعداء الشعب المغربي في حقه المشروع في وحدته الترابية والوطنية فلقد بات واضحا للمخابرات الجزائرية أن المواطن الجزائري لم يعد منشغلا بقضية لا تهمه ، بل وبات غير متفهم كيف يتم تحويل مبالغ مالية مهمة من هدفها الحقيقي في تسريع وتيرة التنمية المتعثرة في بلد يحقق فائضا من ارتفاع أسعار النفط والغاز بقيمة 22 مليار دولار خلال النصف الأول من سنة 2008، إلى تمويل محاولة انفصالية فاشلة، وما يتطلب ذلك من مبالغ مالية لتمويل تحركات وبعثات الانفصاليين في الخارج، وتمويل للوجستيك في مخيمات تندوف، المواطن الجزائري الذي يعاني من ا نعدام الماء الشروب ومن البطالة ومن الفقر يرى في المقابل كيف تصرف الحكومة الجزائرية بسخاء كبير على أشخاص غير جزائريين يتم توريطهم في لعبة مرتبطة بالأوضاع الاستراتيجية في المنطقة، إن هذا المواطن لا يمكن إلا أن يكون غير راض عما يحدث، ثم إن المخابرات الجزائرية رصدت بكل تأكيد الشعور المتنامي لدى الشعب الجزائري الشقيق على غرار شقيقه الشعب المغربي في تحقيق علاقات متكاملة بين البلدين تعود بالنفع على الشعبين، وتيقن الرأي العام الجزائري أن قضية الصحراء افتعلت لعدم تحقيق هذا الهدف، وأن الوقت قد حان لتجاوز هذا الوضع غير الطبيعي، وعلى هذا المستوى لا يمكن للشعب الجزائري أن يكون راضيا. ومن المؤكد فإن الضربات المؤلمة التي تلقتها الديبلوماسية الجزائرية والانتكاسات المتلاحقة التي تلاحق أطروحة الانفصاليين، على مستوى الأممالمتحدة أولا ثم على مستوى العديد من الدول، كل هذا ضيق هامش المناورة أمام حكام الجزائر وأمام الحاكمين المتسلطين في مخيمات تندوف، وكان مفيدا بل وضروريا برأي المخابرات الجزائرية التحرك العاجل لإعادة شحن الرأي العام الجزائري ومواصلة الشعور المتنامي بأن هذه القضية لم تجلب غير البلاء على الشعب الجزائري الشقيق، لذلك تقرر فسح المجال أمام قيادة جبهة البوليساريو لتنظيم لقاءات تعبوية في 12 ولاية جزائرية، ويبدو أن تقارير المخابرات الجزائرية ارتأت ضرورة تنظيم هذه اللقاءات وفي أسرع وقت ممكن، وإلا لأضحت هذه القضية المفتعلة غريبة على الشعب الجزائري في المدى المنظور. إلى هذا الحد، أضحت قيادة جبهة البوليساريو تنظم لقاءات تفسيرية وتعبوية ليس في أوروبا، وليس في إحدى الدول الإفريقية، بل داخل أحد أهم وأكبر الدول الحاضنة للجبهة، وهي الجزائر، ويكفي هذا الأمر على التدليل بالانحسار الذي يؤشر على مرحلة قادمة ستكون أكثر سوءا .