حل أمس الإثنين بالعاصمة الجزائرية، وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في زيارة تكتسي أهمية قصوى، بسبب تزامنها مع الوضع الإقليمي المشتعل في المنطقة، والتجاذب بين المقاربات المطروحة، لحلحلة الأزمتين في كل من سوريا وليبيا، اللتين تعد روسيا أحد الأطراف الفاعلة فيهما، بينما تعد الجزائر إحدى دول المنطقة المتمسكة بضرورة تلافي الحلول العسكرية واحترام سيادة الشعوب في حل أزماتها. في هذا الصدد، يرجّح متابعون أن يهيمن الوضع المشتعل في كل من سوريا وليبيا، على جدول المشاورات المبرمجة بين وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، مع المسؤولين الكبار في الدولة الجزائرية، بالنظر للرؤية المتقاربة بين الطرفين بخصوص بؤر التوتر الإقليمية. ورغم ارتباط البلدين بعلاقات استراتيجية شاملة، خاصة في المجال العسكري والاقتصادي، الموروث عن زمن الثنائية القطبية في العالم، فإن طبول الحرب التي تقرع في المنطقة، تدفع الطرفين إلى بحث آخر حظوظ تجنيب المنطقة خطر تدخل عسكري، ولو كان الهدف واضحا، وهو ضرب معاقل تنظيم داعش في ليبيا. وتسعى الجزائر إلى لعب آخر أوراقها من الأطراف الفاعلة في الملف الليبي، بما فيها روسيا ودول الجوار المنتظر اجتماعهم قريبا في تونس لبحث مسألة التدخل العسكري، مستغلة في ذلك تحفظ الطرف الروسي على استراتيجيات حلف الناتو ومن ورائه المجموعة الغربية، في التعاطي مع الأزمات السياسية والأمنية في المنطقة. ويبدو أن روسيا التي حسمت موقفها في الأزمة الروسية وتنفيذها لتدخل عسكري منذ أسابيع ضد التنظيمات الجهادية وحتى فصائل المعارضة المسلحة، لا تريد التفريط في امتداداتها التاريخية في المنطقة وهي الجزائر وليبيا ما قبل سقوط معمر القذافي، ولذلك تريد التواجد القريب في الملف عبر الجزائر، ولو اختلفت معها في بعض التفاصيل. ويجري لافروف، سلسلة من اللقاءات في الجزائر، مع وزير الخارجية والتعاون الدولي رمطان لعمامرة، ورئيس الوزراء عبدالمالك سلال، والرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وفي أجندته عدة ملفات أخرى تتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين وكيفية تطويرها وتعميقها، باتفاقيات جديدة تعزز مسار الاتفاق الاستراتيجي المبرم بين الطرفين سنة 2001. وتشهد الجزائر منذ أسابيع ما يمكن اعتباره إنزالا دبلوماسيا من عدة دول فاعلة، حيث استقبلت خلال الشهرين الماضيين ما لا يقل عن ستة دبلوماسيين أجانب، بالإضافة إلى أمير قطر السابق، وولي العهد السعودي، الذي قضى عطلة خاصة في جنوب غرب الجزائر. وبالنسبة إلى الدكتور حسني لعبيدي، الخبير في الشؤون الاستراتيجية، ومدير مركز الدراسات والأبحاث حول الوطن العربي وأوروبا بجنيف السويسرية، فإن التوجه إلى الجزائر في هذه الظروف يدل على إدراك زائريها أنها تعرف الواقع الليبي بشكل جيد. نفس الخبير يرجع ذلك، إلى العلاقات القوية التي كانت تربط الجزائر بحكام ليبيا السابقين وفي مقدمتهم العقيد الراحل معمر القذافي، كما أنها كانت الدولة العربية الوحيدة التي استقبلت أبناء وزوجة القذافي بعد اعتقاله ثم إعدامه. غير أن سفير الجزائر السابق في كل من المكسيك وإسبانيا، عبد العزيز رحابي، الذي يقرأ هذا التهافت على الجزائر على أنه سعي للاستماع لوجهة النظر الجزائرية لما يجري في ليبيا، حتى وإن كان الأمر يبدو محسوما بخصوص التدخل العسكري، كون أن أي سيناريو للتدخل العسكري هو امتداد لما بدأ سنة 2011، بواسطة حلف الأطلسي، والضربات الجوية المعروفة والمجهولة دليل على ذلك.