دعا الملك محمد السادس، والرئيس فرانسوا هولاند، إلى «وضع خارطة طريق مشتركة» من أجل «الحفاظ على التعبئة»، مع «تعزيز التنسيق بهدف مصادقة جميع الدول الأعضاء، على اتفاق باريس، وضمان نجاح قمة «كوب22»، المرتقب انعقادها في مدينة مراكش ، ما بين 7 و18 نونبر المقبل. وجاءت الدعوة خلال المباحثات الرسمية التي عقدها قائدا البلدين الأربعاء بقصر الإليزيه وتوسعت لتشمل أيضا وزراء الشؤون الخارجية والبيئة إلى جانب مستشارين للعاهل المغربي وللرئيس الفرنسي، وسفيري الرباطوباريس. وتقدم الرئيس الفرنسي بالشكر، للعاهل المغربي على «الالتزام الشخصي»، من أجل إنجاح مؤتمر «كوب21» الذي انعقد في باريس في نونبر الماضي، تحت مظلة «روح نداء طنجة» لاحترام البيئة، الموقع بين الجارين المتوسطيين، في شهر شتنبر الماضي خلال زيارة الرئيس هولاند الرسمية إلى المغرب. وعلى الصعيد المغاربي نوه الرئيس الفرنسي ب «الدور الأساسي للمغرب»، في رعاية «المسلسل الليبي الذي تم إطلاقه، تحت إشراف الأممالمتحدة»، والذي انتهى ب «اتفاق الصخيرات، لتشكيل حكومة وحدة وطنية» في ليبيا. ووجه الملك محمد السادس والرئيس هولاند، «دعوة إلى مجلس النواب الليببي» قصد «الإسراع في منح ثقته لهذه الحكومة الجديدة»، في سياق مواجهة «التحديات العديدة المطروحة على ليبيا. واحتل موضوع مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود أهمية خاصة في المحادثات حيث عبر الملك محمد السادس والرئيس هولاند، عن «ارتياحهما للتعاون الوثيق، في مجال مكافحة الإرهاب» كما تطرقا إلى «مجالات جديدة للتعاون»، خاصة في مجال الأمن ومحاربة التطرف، والثقافة، والعيش المشترك والتعاون الثلاثي الأطراف في إفريقيا. وتحمل الزيارة دلالة إستراتيجية تقضي بالتأكيد على متانة العلاقات التاريخية بين المغرب وفرنسا في سياق المحددات التقليدية للسياسة الفرنسية التي تجعل من المغرب نقطة ارتكاز أساسية بمنطقة المغرب العربي ومنطقة الشرق الأوسط، حيث المغرب لعب على امتداد عقود دورا تواصليا هاما بين فرنسا والوطن العربي. وتأتي من الناحية السياسية في ظرفية خاصة تطرح على البلدين تحديات مشتركة، منها مكافحة التطرف الديني والتحولات الجارية في ليبيا والعلاقات المغاربية، وأيضا الأزمة الاقتصادية العالمية المتواصلة في الفضاء الأوروبي وانعكاس ذلك على اقتصاديات بلدان البحر الأبيض المتوسط. غير أن الزيارة وإن كانت ذات دلالات سياسية وأمنية، فهي بالدرجة الأولى ذات طبيعة اقتصادية بالنظر للموقع الذي يحتله المغرب كأول شريك اقتصادي لفرنسا. والأهمية الاقتصادية للزيارة لا تكمن فقط في الوقوف على حجم المبادلات بين البلدين وتدعيمها باتفاقيات جديدة في مجالات مختلفة، بل في السعي الحثيث للرئيس هولاند لاستعادة مركز فرنسا الأول في مجال الاستثمارات بعد أن ضاع منها خلال السنة الماضية لفائدة إسبانيا التي أصبحت للمرة الأولى أول مزود للمغرب بعد أن ارتفعت صادراتها بنسبة 25 في المائة نتيجة ارتفاع الواردات المغربية من المواد الطاقية، فيما انخفضت واردات المغرب من القمح الفرنسي في نفس الوقت، وهي وضعية أزعجت كثيرا صناع القرار الاقتصادي الفرنسي الذي يرون في الزحف الإسباني تضييقا قويا على اقتصادياتهم. وكانت فرنسا، وفقا لإحصائيات رسمية فرنسية، أول مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر بالمغرب سنة 2014، وبلغت هذه الاستثمارات محو مليار أورو بزيادة 21 في المائة مقارنة مع السنة التي قبلها ومثلت 34،2 في المائة من مجموع الاستثمارات الأجنبية التي تلقاها المغرب خلال نفس السنة، مع العلم أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة عموما تراجعت في السنوات الأخيرة . ويوجد بالمغرب 750 فرعا لمقاولات فرنسية مما يجعله أول وجهة للاستثمارات الفرنسية في إفريقيا، كما تعتبر فرنسا أول مانح للمساعدة الثنائية للمغرب ب 500 مليون أورو سنة 2014، وهو ما يمثل 62 في المائة من مجموع المساعدات العمومية الثنائية التي تلقاها المغرب من بلدان منظمة التنمية والتعاون. وتبين هذه الأرقام الثقل الذي تمثله فرنسا في العلاقات الاقتصادية للمغرب مع العالم، ومع أوروبا أيضا، وهو ثقل يتحدد بالتاريخ والثقافة وأيضا بتشابه المؤسسات، حيث تعتبر القوانين والإجراءات التنظيمية المغربية في عمومها نقلا عن الأصل الفرنسي في أغلب الحالات. وأهم ما حملت الزيارة من الناحية الثقافية، وقوف الملك محمد السادس والرئيس هولاند على مشروع بناء المركز الثقافي المغربي بباريس الذي قُدم لهما بمقر معهد العالم العربي. وأهمية المركز مصالحة شباب الهجرة مع نشأتهم حيث معظمهم ينتابهم الإحساس بأنهم غرباء مرتين : في وطنهم الذي يمارس في حقهم الإقصاء والإجحاف المتعمّدين، وفي البلد المضيف الذي حوّل الجالية بفعل التهميش وحالة العداء المبطن لها، إلى موطن خصب لعصابات المتاجرة بالمخدرات، وأحيانا إلى مرتع للحركات الأصولية كامتداد لصعود الإسلام المتشدد وانتشار الفكر السلفي المتزمت في بعض أوساط المهاجرين الشباب. ولم يقرأ المعنيون بأمر شباب الجالية في الضفتين، الفرنسية والمغربية، أسباب إدمانهم وانحرافهم. فامتنع الطرف الأول (المغرب) عن مصالحتهم مع نشأتهم الاجتماعية في غياب مؤسسات ترفيهية ومراكز ثقافية تأويهم وتعطيهم نقط ارتكاز تمكنهم من تحصين هويتهم، فيما انتقل الطرف الثاني (فرنسا) من الإهمال والإقصاء إلى الهجوم على الجالية وارتكازاتها الثقافية والاجتماعية ضمن عملية تذويب منهجية تندرج في سياق ما يمكن تسميته بالعنصرية المقنعة أو الهادئة. وفي ضوء هذا الواقع أصبح المُغترب المغربي يعيش بذاكرة ثقافية فارغة تملأها برامج القناتين الجزائريتين «كنال تلفزيون» و»بور تلفزيون» والمحطات الإذاعية (إذاعة الشرق» اللبنانية، ومحطة «راديو سولاي» التونسية و»راديو المغرب العربي» الجزائرية. أما المغرب فلا إذاعة له ولا حتى مركز ثقافي واحد، بينما تقيم الجزائر مركزان ثقافيان بكل من باريس ومرسيليا، ولكل من تونس ومصر وموريتانيا وحتى دجيبوتي مراكزها الثقافية التي تتابع عن قرب هموم ومشاكل جالياتها وفق منظور يؤمن بالبعد الإشعاعي لثقافة الوطن وثقافة الانتماء.