نظمت مجلة «»الأزمنة الحديثة»» يوم الجمعة الماضي بالرباط, ندوة في موضوع «»الحداثة والتراجيديا»» أطرها الفيلسوفان الفرنسيان جان فرانسوا بواريي وجان لو تيبو عضوا هيئة تحرير المجلة وذلك في أفق صدور عددها الثاني. وتناول بواريي بالتحليل طروحات الفيلسوف الألماني والتر بنيامين (1898 -1940 ) حول الشاعر الفرنسي بودلير الذي كان يفضله إلى جانب مواطنه الروائي بروست معتبرا فرنسا, حيث انتصرت البورجوازية, بلد الممارسة الفلسفية أو الحداثة بالفعلبينما ألمانيا هي بلد هذه النظرية (هيغل نموذجا). وأضاف بواريي, المتخصص في مدرسة فرانكفورت الألمانية, أن هذه الحداثة المرغوبة والمتوخاة, والتي رآها هيغل متجسدة في نابليون, عرفت في ما بعد انتقادا شديدا، ففيما انتقدتها فرنسا فعليا انتقدتها ألمانيا نظريا عبر فلاسفة عديدين من أمثال نيتشه وشوبنهاور ولوكاتش وبنيامين. وأشار بواريي إلى أن الحمولة الجمالية لرؤية بودلير, الذي كان يحلم وهو طفل أن يكون رجل دين (بابا) عسكريا أو ممثلا, تتلخص , كما يطرحها بنيامين, في الموت من الداخل وفي الأليغورية بمعنى تجميع عناصر ميتة ليس لأجل بعثها ونفخ الروح فيها ولكن بمعنى تركيبها للقول إنه كانت هناك حياة. واعتبر أن رؤية بودلير تتمثل في أن ما ينقص في عصره هو الفلسفة بالرغم من وجود «»أساتذة متسكعين»» دون أن يجدوا سقراطهم ليعلمهم ما هي الفلسفة الحقيقية, كما تتمثل في أن سقراط ليس ممكنا في هذا العالم المادي والحل الوحيد للجمالية هو الدين متطابقا في ذلك مع قولة أندري مالرو «»إن القرن الواحد والعشرين سيكون دينيا»». وخلص جان فرانسوا بواريي إلى أن الفلسفة لا يمكن أن تفكر في السياسة دون أن تفكر, في الوقت ذاته, في الجمالية. أما جان لو تيبو, الذي رأى أن موضوع هذا اللقاء الفلسفي ينبغي أن يكون «»التراجيديا والحداثة»» حتى لا تفهم الحداثة على أنها تراجيديا, فقد استهل مداخلته بالقول إن الفيلسوف لوكاتش اعتبر عالم الاجتماع الموسوعي سيميل بمثابة «»موني في انتظار سيزان»» أي بمعنى في انتظار أحد يكون هو المشكل والأعراض في غياب الحل ويضل طريقه نحو الخلاص . وأوضح تيبو أن معنى أن يكون الإنسان سيزان عصره هو أن يتوجه ويوجه في «»عصر الجرم الأكثر عمقا»» و»»الواضح الغامض «» الأكثر إثارة للبلبلة مشيرا إلى أن هذا الجرم سحيق إلى درجة كبيرة «»بما أن الكواكب ليست واضحة في حياة لا يمكن التحكم فيها لأنها تضيع في الحركية دون حدود أو مصير»». وأضاف أن هذا التوافق بين المعاصر والتيه واليأس , الذي يقارن بمثيله لدى بودلير ومالارمي وميتيرلينخ يتحكم في الاهتمام الذي يوليه لوكاتش للتراجيديا بمعنى «»هل يجب أن نقطع بأي ثمن مع غير المكتمل, أم أصبح محكوما علينا على غرار بودلير أن نحاول هلوسة زمن أصبح محروما من ضمانة علوية عبر تخيله»». وكان رئيس تحرير المجلة عبد الله البلغيثي العلوي أشار في بداية هذا اللقاء الفكري إلى أن مقاربة موضوع «»الحداثة والتراجيديا»» موضوعة تفتح أفقا للتفكير على المستويات الوجودية والفلسفية في ما يمكن تسميته بانسداد أفق الميتافيزيقا, واشتداد غربة الإنسان المعاصر. يشار إلى أن مجلة «»الأزمنة الحديثة»», التي صدر عددها الأول في أبريل المنصرم, مجلة فلسفية فصلية تعنى بشؤون الفكر والثقافة مديرها المسؤول السيد إسماعيل العلوي.