منذ نشأتها جعلت جبهة البوليساريو من مظلومية الصحراويين عنوانا لحركتها، بل أعلنته سببا مباشرا لتأسيسها في مايو 1973، فقد كان اقليم الساقية الساقية الحمراء ووادي الذهب هو الجزء الوحيد من المنطقة المتبقي تحت الإستعمار حينها حينها. وكانت المناطق التي تقطنها الغالبية الصحراوية في دول الجوار المستقلة (الجنوب الغربي الجزائري و جنوب المغرب و شمال موريتانيا) مهمشة و محرومة، و بذلك قدمت الجبهة نفسها كمنقذ لصحراويي المنطقة ووعدتهم بنعيم دولة مستقلة وافرة الخيرات ان هم التفوا حولها، ثم جاءت مصيبة الحرب التي اندلعت في المنطقة بسبب النزاع على الإقليم بعد ان اعلنت اسبانيا نيتها الانسحاب منه، ظروف الحرب منحت للجبهة حديثة النشأة الفرصة لتجميع اكبر عدد من الصحراويين وترحيلهم نحو "المحمية البشرية" في مخيمات تندوف، مستغلة بذلك خوف الناس من الحرب و فرارهم من مناطق القتال. وظفت الجبهة أيضا تداعيات الحرب وهفواتها و سقوط ضحايا مدنيين، حيث سوقت الجبهة نفسها كمخلص و منقذ لفئات صحراوية متشبعة بطباع البدو الرحل عاشت قساوة استعمار اسباني طيلة قرن من الزمن، و بدعم جزائري مدروس بدأت توفر للصحراويين النازحين من الحرب ما كانوا يفتقدونه: اﻻمان، و المأوى، فازداد تعاطفهم معها، بحكم انهم لم يكونوا يرون اﻻ ما تريهم الجبهة و الجزائر في عزلتهم التي ستمتد لعقود. كانت الحرب التي دامت بعد الخروج الاستعمار الاسباني 16 سنة، ميزتها حرب العصابات التي كانت بين المغرب والبوليساريو المدعومة عسكريا من الجزائر، عنوانا للمظلومية الكبرى و الربح الكبير للجبهة، فقد اصبح لكل اسرة عدو قتل ابنها او جرحه او أسره، و لم تعد الجبهة بذلك بحاجة الى تحريض على القتال، بعد القرار الاممي لوقف إطلاق النار سنة 1991، كان ﻻبد للجبهة من مظلومية جديدة توظفها كمظلة تختبئ وراءها لتستمر في أسر الصحراويين بمخيمات تيندوف، فوجدت ضالتها في ملف حقوق الانسان، فباتت تحرض ابناء الأقاليم الصحراوية بالمغرب على التصادم مع عناصر اﻻمن المغربية، لتستغل كل هفوة يرتكبها أعوان اﻻدارة المغربية في الإقليم المتنازع عنه. هكذا جعلت البوليساريو من كل تصادم ضحية و عنوان لمظلومية جديدة، حتى وقف ضحايا حقوق اﻻنسان على ما وقف عليه ضحايا الحرب بالأمس بأنهم مجرد أدوات في حرب هم وحدهم الخاسرين فيها و بدأت حماستهم تخف، و بسبب نفاذ رصيدها من المظالم الناتج عن وعي الصحراوي بأن الجبهة انما تدفعه ليكون ضحية ليستمر مشروعها دون ان تكون لتضحيته نتيجة ﻻ على نفسه و ﻻ على الصحراويين عموما. ترافق نفاذ مخزون الضحايا مع تأكد انسداد اﻻفق السياسي للحل، و بروز مرض الزعيم للعلن و التحضير لخلفه الذي فتح باب الصراع بين اجنحة الجبهة، بل سيجعل موعد المؤتمر العام للجبهة الذي سينعقد وجوبا منتصف ديسمبر القادم، كان سيكون اكبر رهان يتوجب على قادة الجبهة الإجابة عن استفسارات الشارع الصحراوي بتندوف حول مصيرهم الذي تحتكر القيادة القرار و التصرف فيه، و حول خليفة أقدم رئيس عرفه القرن، لكن وكما هو الحال دائما، و منذ نشأتها فإن مصائب الصحراويين فوائد تثري جيوب قادة البوليساريو وتمدد بقائهم، حيث أن الفيضانات اﻻخيرة التي اتت على كل ذرة طين بناها الصحراويون في المخيمات لتقيهم حر الصيف و برد الشتاء، سيكون دمارها سببا مباشرا لغنى قادة الجبهة من خلال استدرار المساعدات الدولية، و سيشغل حدثها لشهور الشارع الصحراوي بالمخيمات، و ذاك هو اﻻهم على اﻻقل حتى يمر المؤتمر في 16 ديسمبر القادم بردا وسلاما، و ﻻ تحرج القيادة بأسئلة مصير الصحراويين، و تستطيع طبخ خليفة الرئيس بهدوء، و صار مما ﻻ شك فيه ان مصيبة الصحراويين في المخيمات من آثار الفيضانات ستنفخ في رئة مشروع البوليساريو نفسا كفيل بمنح اربع سنوات جديدة لشرعية رموزها و قادتها. *المبعد الصحراوي مصطفى سلمى سيدي مولود