والآن كلمة عن قضية الزواق الذي كان يشتغل مدافعا لدى محكمة الباشا ومخبرا للمراقب المدني هيرسي بمحكمة الباشا. في أحد الأيام كان عبد السلام بناني على موعد مع الأخ بونعيلات في مقهى بشارع فكتور هيكو وهناك وجد الزواق فاستدعاه لتناول القهوة، فقال الزواق هذا العمل الذي يقوم به الناس من قتل الجواسيس وغيرهم يعجبني كثيرا فأجاب الأخ عبد السلام كيف يعجبك وأنت تدافع عن الإدارة الفرنسية وقال الزواق يعجبني الآن وسأكون متيقنا بأن المغرب سيستقل حينما يقتل هؤلاء الناس الأفراد مثلي وسأكون ولاشك أنا أولهم، فأجاب عبد السلام كيف تتمنى الموت، على هذه الصفة. وقال الزواق أؤكد لك أنني سأكون سعيدا إذا قتلت على يد هؤلاء الناس. وفعلا بعد أيام نفذ طلبه وقتل الزواق وارتاحت منه محكمة الباشا لأنه كان هو الحاكم بأمره وبقي المراقب المدني هيرسي بدون مخبر خاص به. قضية ايرو مدير جريدة لافيجي ماروكان كانت هذه الجريدة من أخبث الجرائد وأشدها عداوة للمغرب والسلطان محمد بن يوسف والوطنيين. وبقيت مستمرة في عداوتها لجلالة السلطان بن يوسف وعائلته ورؤساء حزب الاستقلال. فتطوعت جماعة الأخ فردوس وتتبع هو سير إيرو الذي كان يخرج من إدارة الجريدة في كل يوم ما بين الساعة 30.12 والواحدة ويذهب على رجله بأمر من الطبيب قاصدا أخاه وهو تاجر في الشاي بطريق مديونة. وهنا إما يركب في بعض الأحيان مع أخيه في سيارته ويذهبان إلى داره في أنفا، وإما يجلس هنيهة عند أخيه ويستمر في طريقه إلى سوق ابن جدية حيث يجد سيارته مع السائق. وحين تيقن الأخ فردوس وجماعته من الشوارع التي يمر منها، في أحد الأيام خرج ايرو من عند أخيه وسار راجلا إلى سوق ابن جدية، وعند مفترق الطرق (بويمرو) و (مرسيليا) أطلق أحد الإخوان النار على إيرو ينما قام رفقاؤه الفدائيون بحمايته ووقعت معركة حامية الوطيس شارك فيها بعض المارة الذين حاولوا إلقاء القبض على القاتل وأثناء المعركة قتل إيرو والفقيه الذي حاول أن يلقي القبض على القاتل وامرأة وطفلان من المارة. وتابع المارة الفدائيين حتى إلى سوق ابن جدية حيث توزع الإخوان وذهب كل واحد منهم في اتجاه. وبعدما قامت الشرطة ببحث دقيق ألقي القبض على شاب اسمه الحلاوي لا تتجاوز سنه الخمس عشرة سنة كان مع أبيه في متجر بائع الحلويات بالقرب من السينما الملكي بزنقة أيت يا فلمان ودخل السجن في قسم الأطفال حتى حكم عليه في محكمة الباشا. صنع القنابل الكبرى عندما توصلنا بالمواد الأولية لصنع القنابل الكبرى ومعلومات عنها عقد الإخوان محمد منصور، الحسن العرائشي، أحمد بونعيلات. وعبد السلام بناني اجتماعا في منزل الأخ مولاي العربي. فقطعنا حديد القواديس بالآلة التي عند الأخ محمد بن الحاج العتابي من حجم 20 و 30 و 40 سنتيم. وصرنا نملأ قطعا من قواديس الحديد بالبارود والمواد الأخرى ونجعل لكل قطعة طرفا من الفتيلة حسب الوقت الذي نريده، ولم نكن متيقنين من نجاح صنع هذه القنابل فتكلف أحد الإخوان بأن يجري تجربة فدفعنا له قادوسا وذهب الى قرب ثكنة عسكرية فرنسية في مديونة وأشعل الفتيلة وبعد نصف ساعة كانت النتيجة هائلة. فاشترينا صناديق من القصدير من حجم 40 على 30 من النوع الخفيف الوزن وصرنا نضع 4 قنابل. داخل كل صندوق ثم ياتي الأخ بوزليم الذي كان يشتغل مع مولاي العربي في دكانه لبيع اللحوم فيغلفه بالكاغد والقنب فيخرج معبئا نقيا ونظيفا. فأخذ الأخ محمد منصور قنبلتين وضع احداهما في السوق المركزية (المارشي سنطرال) وبعد انفجارها تركت أكثر من 50 من الموتى وعددا من الجرحى ثم وضع الثانية في مقر (كولي بوسطو) التابع للبريد بشارع باريس، غير أنها لم تنفجر اذ وجد أحد الموظفين علبة فوق الطاولة بدون صاحبها وحين اقترب منها سمع صوتا بداخلها فأخبر جميع الموظفين بالبريد ونادوا على الشرطة وحين فتحوها وجدوا بداخلها القنابل غير أن الفتيلة كانت طويلة تتطلب الانتظار لمدة ساعة أو أكثر. وأما الأخ الحسن العرائشي فقد أخذ صندوقا من القنابل وذهب به الى محطة القطار في وقت خروج القطار من البيضاء الى القنيطرة وحين وصل الى الرباط وضع الصندوق في محل مضمون وأشعل الفتيلة ونزل وقبل أن يصل القطار الى القنيطرة انفجر صندوق القنابل ووقعت خسائر تقدر بخمسين مليون من الفرنك ومات أكثر من عشرة من الركاب من بينهم أربعة ضباط فرنسيين، ثم وضع صندوقا من القنابل في مقهى بمرس السلطان وكانت الخسائر كثيرة وعددا من الموتى. وفي هذا الوقت انزعج الفرنسيون المدنيون وأسسوا جمعية ضد الفدائيين المغاربة اطلقوا عليها اسم اليد الحمراء. وشارك فيها عدد من الشبان الفرنسيين وبعض رجال البوليس مثل دياز (Diaz) وبايي، وصاروا يقتلون المغاربة سواء كانوا من الفدائيين أو لم يكونوا، وانما وصلوا لقتل الاخوان محمد صدقي وتكلف من يعده بجميع جمعيات حركة المقاومة بالمدينة القديمة الأخ ابراهيم بلة وقاد ابراهيم صدقي الحركة على أحسن قيام الى أن رجع السلطان محمد بن يوسف وحصل الغرب على استقلاله ثم توظف الأخ ابراهيم صدقي كخليفة للعامل بالدارالبيضاء من أول الاستقلال. ولقد قتلت اليد الحمراء الأخ محمد اجضاهم الذي كان من أنشط الاخوان في المسائل المالية، ثم قتلت اليد الحمراء الأخ عبدالرحمن بن احمد الشلح الذي كان يشتغل بالنهار بحراسة عمارة تبنى بشارع أولاد زيان وفي الليل يذهب لتنفيذ القائمة التي يدفعها له الاخوان أعضاء جماعته ويرجع الى حراسة العمارة، وفي هذا الوقت بحثنا عن مقر اليد الحمراء فوجدنا ان لهم محلين، الاول لوضع السلاح والادوات وهو نادي اليوسم الرياضي الكائن بقرب ملعب فيليب والثاني مقهى في ساحة اولاد زيان يسمى (عندها) Chez elle وتكلف احد الاخوان بالبحث عن الاوقات التي يجتمع فيها أعضاء اليد الحمراء فوجد انهم يجتمعون كل يوم من الساعة 7 الى 8 ليلا. فتكلفت جماعة من الاخوان كلهم مسلحون بالمسدسات والميطراييتات وانقضوا على المقهى ونشبت معركة استمرت بين الاخوان وأعضاء اليد الحمراء وقتل منهم أكثر من 8 أفراد وجرح من اخواننا واحد في يديه فحمل في الحين الى محل الاسعاف وكانت هذه الضربة قاسية على أعضاء اليد الحمراء اذ جاءت على حين غفلة ولم يكونوا مستعدين لهجومنا. وفي نفس الوقت تكلفت جماعة أخرى للذهاب الى المقر الكائن بنادي اليوسم وفي الساعة 12 ليلا دخلوا على الحارس الاسباني الجنسية وبعدما أخذوا 3 صناديق كبيرة قتلوا الحارس وبعد فتح الصناديق وجدوا بداخلها عددا كبيرا من السلاح، مسدسات وقنابل وميطراييتات. اعتقال بناني ويوم 20 نونبر 1953 القي القبض من لدن الشرطة على عبدالسلام بناني ومعه الاخوان: عبدالسلام بناني الطنجوي، والاستاذ البشير بن العباس، ومحمد بن الجيلالي بناني ومحمد الرحالي، بتهمة تأسيس الحزب المنحل من جديد وبعدما قضوا 17 يوما في مقر الكوميسارية قدموا الى محكمة الباشا حيث حكم عليهم الخليفة علي المقري، وكان عبدالسلام بناني حاملا معه قرص السم وحين اتصلنا به في مقر الشرطة على يد مفتش الشرطة مولاي مبارك الذي كان يظهر لنا عطفا وياتينا بأخبار من المعتقلين في مقر الشرطة، وكنا نحن نعامله بحذر فقط عند الحاجة الملحة جدا، اجابنا الأخ عبدالسلام أنه معه الامانة وإذا سألوه عن بوشعيب سيستعملها بدون تردد. ولما وصل عبدالسلام بناني الى السجن بالدارالبيضاء، كان أول عمله الاتصال بالاخوان الحاج عمر بن عبدالجليل محمد اليزيدي عبدالرحيم بوعبيد المحجوب بن الصديق قاسم الزهيري بوشعيب شجاع الدين، وكان هؤلاء الاخوان يسألون عن حركة المقاومة المسلحة وسيرها ونظامها، اما نحن فقد كنا نظمنا الاتصال برئيس الحراس بالسجن وبعض الحراس على يد الأخ عبدالسلام السكوري الذي كان مكلفا بتموين المساجين السياسيين منذ دجنبر 1952، فالبعض من أولائك الحراس ورئيسهم دفعنا لهم هدايا ودراهم ليسا عدونا في اتصالنا مع اخواننا البعض منهم اضطررنا الى تهديد ه أو تهديد زوجته حتى تطوعوا معنا وكان يتم الاتصال مع عبد السلام بناني ثلاث مرات في الأسبوع على يد زوجته والاخوان محمد السموني وأحمد بونعيلات وعمر الشباني وفي بعض الأحيان على يد الأخ محمد منصور، وكان الاتصال به يتم على الشكل الآتي: يتوصل قميص أبيض وبداخل عنقه بطاقة مكتوبة فيها جميع المعلومات، وهو يرد القميص وبداخل عنقه بطاقة مكتوبة مع جميع المعلومات التي يجب تتبعها، أو النصائح أو المعلومات عن السلاح والاتصال بالأخ عبد الكبير بن المهدي الفاسي على طريق تطوان. وكانت مهمة الحارس الذي يكون في البرلوار ان لايفتش القميص وقد كنا حصلنا على مواد نكتب بها على القميص رأسا وحين نضع القميص في الماء تظهر الكتابة ويغسل القميص بالصابون تنمحي الكتابة نهائيا. وفي شهر دجنبر 1953 جاء رجال الشرطة الى السجن المدني وأخذوا عبد السلام بناني الى مقر الشرطة بتهمة المشاركة في دفع السلاح الى جمعية اليد السوداء، وبما أن عبد السلام محكوم عليه من لدن محكمة اباشاي وان المحكمة العسكرية لاتعترف بمحكمة الباشا فقد ألقي عليه القبض بأمر من قاضي البحث بالمحكمة العسكرية، فأول الأمر ذهبا رجال الشرطة الى داره وفتشوها وقطعوا الأفرشة عساهم يجدون سلاحا أو وثائق تدلهم على شيء. ولم يجدوا شيئا وبحثوا زوجته للا عائشة فقالت لهم أن زوجها يوجد في السجن منذ الشهر الماضي، وجاء رجال الشرطة الى السجن فأخذوه وبقي في العذاب والمحن الشديدة أكثر من شهر ومازال يحمل آثار الضرب والتعذيب الى اخر حياته. كان الاتصال به في مقر الشرطة يتم على يد المفتش مولاي مبارك وعلى يد الضابط الشرطي السي العربي، فكان جواب عبد السلام عندي الأمانة وحين نشعر بتهديد وبوشعيب سنستعملها، انما الان الله قد رزقني صبرا جميلا لاتمام العمل، وبعد مقابلته مع بعض الاخوان من أعضاء اليد السوداء وانكاره لكل التهم التي وجهت اليه سلمت الشرطة المعتقلين والملف الى قاضي البحث في المحكمة العسكرية الفرنسية بالدار البيضاء. دام تسليم المعتقلين ثمانية أيام وكان عددهم 55 من بينهم الأخ محمد الراشدي صاحب المقدم ابن عبد الله ووصل اليوم الذي سلم فيه عبد السلام بناني الى قاضي البحث، وبما أن الاخوين عبد الرحيم بوعبيد وقاسم الزهيري،والمحجوب ابن الصديق كانوا اعطوا لعبد السلام جميع المعلومات عن هذا القاضي وتلاعبه وشيطنته وحقده على المغاربة، بفضل هذا كان عبد السلام يعرف كل شيء عن القاضي، وحين دخل عليه وقف القاضي وأمر رجال الشرطة أن ينزعوا السلسلة من يديه ويخرجوا من المكتب، ثم آمر القاضي عبد السلام بالجلوس على مقعد وقال له هل تحسن الكلام بالفرنسية؟ الجواب: نعم في بعض الأحيان سؤال: لماذا في بعض الأحيان؟ > ج : حسب اسئلتكم يا سعادة القاضي وبعد البحث عن الحالة المدنية وعدد الأطفال قال القاضي س: ماهي مهنتكم؟ > ج: موظف في حزب الاستقلال س: حزب الاستقلال منحل منذ دجنبر 1952 > ج: وفي أي وقت كان معترفا به قانونيا؟ ولعلكم تذكرون ياسيدي القاضي ان العدالة أو الادارة لايمكن أن تمنع هيأة سياسية كانت أو غيرها بدون أن تكون معترفا بها من قبل. س: لاشك أنك لاتعرف أن جميع رؤساء الحزب الآن في السجن وكلهم مروا من هذا المكتب ومن الذي يؤدي لكم الواجب الشهري؟ > ج: أظن ياسيدي القاضي أن الأداء الشهري ليس من اختصاصكم ومن حقكم أن تبحثوا عن المهنة لا عن من يؤدي الواجب الشهري. س الى أي درجة تتبعتم دراستكم بالفرنسية؟ ج قد تتبعت دراستي بالفرنسية بوسائلي الخاصة لأنني طردت من الثانوية في سنة 1932 أو 33. س: كم من مرة دخلتم الى السجن؟ > ج لعل ذلك مذكور في الملف الذي بين يديكم من رجال الشرطة س. أنتم الآن في مكتب قاضي البحث وليس عندي من وسائل التعديب شيء وهل لاحظتم أنني حتى رجال الشرطة الذين جاؤوا معكم قد أخرجتهم من مكتبي ولايوجد الا السيد العسكري الذي يقوم بالضرب الآلة الكاتبة والترجمة، اقول ماهي مشاركتكم مع جمعية اليد السوداء حيث اعترف السادة اليوبي ومحروس والراشدي بأنكم أنتم الذين دفعتم لهم السلاح واعطيتموهم الأوامر. > ج كان من حقي ياسيدي القاضي ان لا أجيبكم على هذا السؤال حتى يحضر المحامي الذي سأختاره من بعد، ولكن نظرا للمقدمة التي ابتدأتم بها حيث أجيب وأقول لكم بكل تأكيد أن الجواب على هذا السؤال هو مكتوب من لدن رجال الشرطة وهو انني ليس لي اتصال بهذه الجماعة سوى من الناحية الحزبية. وبين هلالين اخبركم بانني بقيت في مركز الشرطة منذ شهرين وقاسيت جميع أنواع التعذيب ، وهل تظن أن رجال الشرطة ليس لهم الوسائل الكافية والوقت الكافي لتعذيب الانسان حتى اخرج من عندهم بدون اعتراف؟ س: في استطاعتي أن أرجعكم إلى مقر الشرطة حتى تعترفوا. > ج: في استطاعة السيد جلزو ان يرجعني الى مقر الشرطة ولكن ليس في استطاعة العدالة أن تتركني في مقر الشرطة أكثر من 48 ساعة، س: هل تعرف اسمي؟ ج: اسمكم معروف الآن في جميع الأوساط المغربية ومعروف أيضا في القطر الجزائري وحتى في الهند الصينية. س: تعرف عني الكثير؟ > ج: كما أنكم تعرفون عني الكثير س: من الذي دفع السلاح وأعطى الأوامر إلى جمعية اليد السوداء؟ > ج: الان يا سيدي القاضي أرجع إلى الوراء في أول جواب إليكم حيث انني لا أعرف الفرنسية ولست ملزما بمعرفتها لأنني مغربي. س: يوجد عندي هنا في المكتب ترجمان.. > ج: ولا يوجد هنا في مكتبكم محام يدافع عن حقوقي كما ينص على ذلك قانون العدالة الفرنسية وحتى العدالة العسكرية والحالة الاستثنائية. س: سأبرهن لكم على أنني لست كما تظنون فلن أرجعكم إلى مقر الشرطة بل سأردكم إلى السجن. > ج: المثال المغربي يقول: من أكل مائتين من الضربات لا يعجز على أكل ثلاث، وبوضوح من بقي عند الشرطة مدة شهرين يمكنه أن يزيد مدة أخرى، ونادى على رجال الشرطة فأخذوا عبد السلام بناني إلى السجن وفي الطريق قال أحد رجال الشرطة لعبد السلام لقد مكثت طويلا مع هذا الخبيث، قاضي البحث، الذي هو ضد الجميع حتى رجال الشرطة. وحين دخل عبد السلام إلى السجن اتصل به الاخوان بوعبيد المحجوب قاسم وغيرهم وقص عليهم جميع ما جرى بينه وبين قاضي البحث وشكروه على هذا الموقف فقال عبد السلام الفضل يرجع إليكم لأنكم أنتم الذين اعطيتموني جميع المعلومات عن هذا القاضي فكنت مستعدا لمواجهته. وفي أول شهر يناير 1954 قررت إدارة السجون بالرباط نقل جميع المساجين السياسيين من سجن البيضاء إلى السجن المركزي بالقنيطرة، وبعد نقل الاخوان السياسيين الذين كان ألقي عليهم القبض في حوادث 7و8 دجنبر 1952 لم يبق في الحي الأوربي بسجن البيضاء سوى أفراد حركة المقاومة أو المتهمون بالمقاومة والأفراد الدين شاركوا في حوادث دجنبر 1952 بالقتل مثل أصحاب عبد اللطيف بن قدور. وفي يوم من الأيام جاء رئيس حراس السجن عند عبد السلام بناني وعينه مسؤولا عن المعتقلين الفدائيين الذين يوجدون في الجناح الأوروبي في السجن ويتكلف عبد السلام بما يلي: 1) تبادل المراسلة مابين المعتقلين وعائلاتهم. 2) بجمع كل شكايات المعتقلين ويبعثها مع رئيس الحراس مرة في الأسبوع وإذا اقتضى الحال يدرسها مع مدير السجن بحضور رئيس الحراس. 3) يسجل في كل يوم أسماء المعتقلين الذين يريدون الذهاب عند طبيب السجن وكانت هذه فرصة ثمينة لعبد السلام لكي يتصل بجميع المعتقلين ويسوي لهم ملفاتهم في المحكمة العسكرية وينصحهم بإنكار بعض الأشياء التي سبق أن اعترفوا بها عند رجال الشرطة. وكانت إدارة السجن حين تصلها جماعة من الفدائيين مكونة من ثلاثة أو خمسة أفراد تجعل كل واحد منهم في بيت مع المعتقلين الذين ليس لهم صلة بالموضوع ويصعب على الفدائيين تنسيق أقوالهم بعد الاعترافات التي تنتزع منهم تحت التعذيب. وكان عبد السلام يقوم بدور المنسق داخل السجن، يحكي له كل فدائي جميع اعترافاته تحت التعذيب ثم يسمع ما وقع لأصحاب ذلك الأخ ويلخص جميع الاعترافات ثم يتصل بجميع أفراد الجماعة وينصحهم بالمسائل التي يجب الاعتراف بها عند قاضي البحث بالمحكمة العسكرية والمسائل التي يجب نكرانها تماما. ويقول وإذا قال لكم القاضي لماذا اعترفتم عند البوليس قولوا له اعترفنا تحت التعذيب وإذا هددوكم بإرجاعكم إلى البوليس فلا تخافوا من ذلك وفي شهر مارس تقريبا جاء خبر وهو ان الادارة العامة للشرطة قد انشأت بمقر الشرطة بالدار البيضاء قسما خاصا بالفدائيين سموه قسم مقاومة الارهابيين. وكان يترأس هذا القسم عميد الشرطة الفرنسية تريفو واختاروا لهذا القسم أخبث المفتشين في جميع انحاء المغرب واثنين من عمداء الشرطة بفرنسا، وفي نفس القت انشأ باشا مدينة البيضاء محلا خاصا للتعذيب. كان يعذب فيه الناس أكثر من عند البوليس لأن الذين يضربون جهلاء وليس لهم عاطفة ولا رحمة واختاروهم من أخبث الحراس وقدماء المحاربين، وقتل هناك الأخ مولاي أحمد الممرض الذي كان يشتغل في كراج العلم، وممن عذبوا عذابا شديدا الاخوان حميدو الوطني. وأحمد بن دلة وعمر وميلود وغيرهم بحيث صاروا يضربون على الأرجل حتى لا يبقى فيها شيء من اللحم، ثم القي القبض على أخينا الشهيد محمد الزرقطوني وحين قبض عليه رجال الشرطة قالوا له اننا نبحث عنك منذ دجنبر 1952 وها انت الآن تحت قبضتنا، حين وصل إلى مقر الشرطة وعرف الأخ الزرقطوني الخطر الذي يهدده والاتهامات التي تنتظره فضل رحمه الله ان يستعمل قرص السم الذي كان لا يفارقه ولما جاء رجال الشرطة لاستنطاقه وجدوه ميتا، وكان المرحوم مريضا جدا لا يقدر على لحظة العذاب، رحم الله تلك الأرواح الوطنية المخلصة ورحم الله الأخ محمد الزرقطوني أحد الرجال المؤسسين لحركة المقاومة في المغرب، وكان الأخ محمد الزرقطوني زيادة على نشاطه الحزبي شارك في الكشفية الحسنية بفرع المدينة القديمة بالدار اليبضاء وكان كاتبا عاما لفرقة حرة لكرة القدم أثناء انشاء العصبة الحرة لكرة القدم. حالة المعتقلين بعد وصولهم إلى السجن من مقر الشرطة لقد صار عبد السلام بناني يرسل يوميا للجماعة تقارير على الحالة الصحية للمعتقلين ومنها: مولاي الطاهر العلوي الذي عذب من عند البوليس وعلق من شعر رأسه حتى تقطع شعره وكان في السجن يخرج منه الدود. عمرو بن عمرو الذي أجلسوه على قرعة من الكاز حتى صار في السجن تنزل منه الامعاء فيردها بيده. محمد الراشدي، في احدى الليالي جاء حراس الليل وأخذوا الأخ محمد الراشدي من زنزانته وصاروا يضربونه بالمفاتيح حتى غاب عن الشعور وكان الحراس يظنون انه كان يغني فرحا بنشاط أعمال الفداء ذلك اليوم، وكانت فيه الحوادث البدائية كثيرة تقدر بأكثر من 40 حادثة والواقع أن الأخ الراشدي لم يكن يغني بل الذي كان يقرأ هو المرحوم الأخ عبد اللطيف بن قدور، له صوت جميل ويجود قراءة القرآن الكريم، وفي صباح الغد ذهب عبد السلام بناني عند رئيس الحراس وطلب منه مقابلة المدير، وحين وصل إلى مكتبه احتج على هذا العمل الشنيع الذي لا يطابق أية عدالة. فأجابه مدير السجن اجعل نفسك من بين أولائك الحراس الذين كانوا في النهار بالمدينة وشاهدوا أو سمعوا وقوع العشرات من الحوادث منها قتل المغاربة والأوروبيين واحراق العدد الكثير من السيارات وهدم وجوه المتاجر، ثم حين يصلون إلى عملهم بالسجن يجدون المساجين يغنون فرحا بذلك، سيدي المدير نحن المعتقلين لسنا مسؤولين عما وقع البارحة في المدينة ونحن هنا مسؤولون فقط عن أعمالنا وسنحاكم على أعمالنا ومهمة السجن أن يحرس المعتقلين لا أن يزيدهم عقابا على عقاب. ونخبركم يا سيدي المدير أننا سنتخذ التدابير اللازمة لرد الفعل على هذا العمل الشنيع، وفعلا بعد أسبوع وضع الإخوان قنبلة في باب السجن في الساعة الواحدة ليلا، وانفجرت وتهدم الباب على عظمته وفي الحين جاء المدير والحراس عند عبد السلام بناني في زنزانته وطلب منه بإلحاح أن يكف عن هذه الأعمال فأجاب وهل لا ترى يا سيدي المدير اننا بداخل زنزانتنا مع اخواننا الحسين بن بلعيد وعمر ووجدتنا نائمين، ولم يأت رجال الشرطة ليشاهدوا هذه الحادثة إلا صباحا. وفي الساعة 10 صباحا جاء المدير عند عبد السلام بناني وقال له لقد حضر رجال البوليس ولم أقل لهم انك في الأسبوع الماضي هددتني برد الفعل والآن أطلب منك أن تقول لأصحابك ان السجن هو مثل الكنيسة المسجد. فقال عبد السلام سيدي المدير لاشك أنكم تعرفون عدد الملفات التي أنا متهم فيها، فواحد زائد أو ناقص لا يهمني، أما عن قولكم ان السجن مثل المسجد فيجب على الذين داخل المسجد أو الكنيسة ان لا يرتكبوا الظلم والتعذيب والضرب وإلا فلا يبقى حرم للمسجد ولا للكنيسة، فقال المدير انني أعدك وعدا صادقا ان لا يتكرر ذلك العمل هنا، وان الحارس الذي فعل هذه الفعلة سينقل من سجن البيضاء. فأجاب الأخ عبد السلام إذا أردتم فلنذهب عند الأخ محمد الراشدي ونطلب منه رأيه وفعلا أجاب الأخ الراشدي قائلا ان إخواني في الخارج قد فدوا له الثأر. وإنني أشكرهم وأطلب من السيد المدير أن لا أرى مرة أخرى وجه ذلك الحارس.