في مثل هذا اليوم قبل اثنتين وستين سنة سجل التاريخ حدثاً كان له وقع الزلزال في المغرب حينما نفذت السلطات الاستعمارية المؤامرة الخسيسة بنفي الملك الشرعي للبلاد محمد الخامس ووليّ عهده والأسرة الملكية إلى جزيرة كورسيكا الفرنسية ومنها في يناير سنة 1954 إلى جزيرة مدغشقر المستعمرة الفرنسية في المحيط الهندي. وبذلك الفعل الشنيع مزقت الدولة الفرنسية معاهدة الحماية المبرمة في فاس سنة 1912، وانتهكت القانون الدولي، وارتكبت إحدى جرائم العصر، ومهدت لمرحلة جديدة من المواجهة كانت ثورة الملك والشعب من تجلياتها التي قلبت الأوضاع وأفشلت المخطط الاستعماري الفرنسي. لقد كانت الجريمة الكبرى التي ارتكبتها السلطات الاستعمارية الفرنسية في مثل هذا اليوم من سنة 1953 البداية لنهاية الوجود الاستعماري في بلادنا. فقد فجّر هذا الحدث الإجرامي الفريد من نوعه في تاريخ العلاقات الدولية، الثورة في المغرب التي انطلقت وعمت أرجاء البلاد وكان هدفها الأول الذي لم يسبقه أيٌّ هدف، هو عودة الملك محمد الخامس إلى العرش، ورفض أية مساومة حول هذا الهدف. وكان البطل والزعيم والقائد الملهم لهذه الثورة الملك الشرعي الذي بايعهُ الشعب في سنة 1927، وخاض معه معارك الحركة الوطنية عبر سنواتها الحاسمة: 1930، و 1934، و1936، و1944، و1947، و 1952. وكان ذلك الارتباط العضوي بين الملك والشعب، هو وقود تلك الثورة التي لا مثيل لها في التاريخ، لأنها كانت ثورة الملك والشعب بكل دلالات الكلمة. إن الملك الثائر في وجه الاستعمار الواثق من شعبه والمؤمن بربه، هو الذي حمل لواء الثورة، وكان رمزا لها بصموده، وبتضحياته، وبوفائه للأمانة التي طوّقه شعبه بها، وهو الذي رفض الإذعان للاستعمار وأبى أن يكون تابعاً ينفذ الأوامر، وهو الذي علّم الشعب كيف يثور في وجه الطاغوت الاستعماري، ويتشبث بالعزة والكرامة والشرف الوطني. فلقد كان محمد الخامس قائداً ملهماً في معركة التحرير، وفي ساحات الصمود والمواجهة، وعند احتدام الأزمات وانفجارها. ولذلك دخل الملك محمد الخامس التاريخ بصفته الملك الثائر والمقاوم الرائد والأمين على العرش الذي جمع المغاربة ولاذوا به في أوقات الأزمات والنكبات والاختيارات الصعبة. وثورةٌ من هذا الطراز بكل ما تحمله من معانٍ سامية ودلالاتٍ عميقة، لا يمكن أن تكون حدثاً تاريخياً عابراً، ينتهي بتحقيق الهدف المرسوم لها. فعودة الملك محمد الخامس إلى أرض الوطن في يوم مشهود 16 نوفمبر 1955، لم تكن النهاية لثورة الملك والشعب، ولذلك نجده يقول في أول خطاب له بعد العودة وبمناسبة عيد العرش في 18 نوفمبر 1955، لقد عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر. وهي كلمات ذات حمولة ثقيلة، مفادها أن ثورة الملك والشعب لم تنتهِ، وأن النضال الوطني بقيادة الملك لم يتوقف، وأن بناء الدولة المستقلة بكل متطلباتها واستكمال تحرير التراب الوطني، هما الهدفان المقدسان في الطور الجديد من ثورة الملك والشعب. ولقد كان العرش في مستوى التحدي، بحيث ظلت جذوة ثورة الملك والشعب مشتعلة متوهجة، وظلت الأهداف الوطنية السامية الدافع القوي لهذه الثورة، ولم يتخلف المغرب عن موعده مع التاريخ، في جميع المراحل التي مضت منذ عودة الملك إلى العرش، وإلى يومنا هذا، فالمسيرة الخضراء كانت مرحلة مهمة من ثورة الملك والشعب، وقبلها كان الدستور وانتظام المسيرة البرلمانية وترسيخ مفهوم الملكية الدستورية، طوراً متقدماً من ثورة الملك والشعب، ثم كانت الإصلاحات القانونية والسياسية والاقتصادية في عهد الملك الحسن الثاني مرحلة من مراحل ثورة الملك والشعب. ولما تولى الملك محمد السادس الحكم وجلس على عرش أجداده، شرع في القيام بثورة جديدة في المجالات الدستورية والتشريعية والاقتصادية والاجتماعية، هي استمرار لثورة الملك والشعب بروح العصر، وبفكر جديد، ومن أجل تحقيق أهداف جديدة تُختصر في أن يحيا المواطنون في كنف دولة الحق والقانون والمؤسسات أعزة وأحراراً. وهو الطور الأكثر أهمية من أطوار هذه الثورة الخالدة التي هي إرث نضالي دائم الإشعاع يضيء معالم الطريق نحو بناء المستقبل على قاعدة الولاء للوطن، والولاء للعرش، والوفاء للقيم والمعاني والدروس التي انطوت عليها ثورة الملك والشعب.