في الوقت الذي تتصاعد بوادر الاحتقان داخل المجتمع جراء التفاوت الطبقي الحاد الذي باتت ترزح تحث ثقله ملايين الأسر المغربية، وأمام سيل هدر المال العام الذي أصبح سمة حكومية بامتياز بالنظر إلى حجم المصاريف الهائلة التي تكلف خزينة الدولة الشيء الكثير دون أن تقوم هاته الأخيرة بإجراءات وتدابير ملموسة لوضع حد لهذا النزيف، بادر رئيس الحكومة إلى توجيه ما وصف برسالة تأطيرية لمشروع مالية 2016 إلى كافة المفاصل والقطاعات الوزارية، يدعوهم فيها إلى مزيد من شد الحزام والقيام بإجراءات تقشفية من شأنها الحد من نزيف هدر المال العمومي. وحسب مراقبين، فإن الرسالة التأطيرية التي وجهها رئيس الحكومة إلى كافة القطاعات الوزارية لا تعدو كونها ذرا للرماد في العيون، ومحاولة يائسة من رئيس حكومة فاشلة في تدبير ملفات الشأن العام لإعطاء انطباع خاطئ بكونه يعمل على ترشيد النفقات ويسد كافة المنافذ والثقوب المؤدية إلى هدر مالية الدولة، والحال أنه بعيد عن ذلك تماما بالنظر إلى أن دعوته تلك ليست سوى شعارا رنانا يرفعه للاستهلاك عوض أن يقوم بمباشرة تدابير مستعجلة وملموسة في هذا الاتجاه. وفي هذا الصدد، وفي الوقت الذي تحدث فيه رئيس الحكومة على ضرورة الحصول على ترخيص مسبق منه شخصيا لاقتناء وكراء المسؤولين الحكوميين للسيارات، بناء على رأي لجنة مكونة من ممثلين عن رئاسة الحكومة ووزارة الاقتصاد والمالية والقطاع الوزاري المعني أو المؤسسة المعنية، تتحدث أنباء مؤكدة عن امتلاك حكومة عبد الاله بنكيران لنحو 115 ألف سيارة في حظيرتها، تقوم باستهلاك ما مجموعه 54 مليون درهم من الوقود،أي ما يعادل 5 ملايين و486 ألف دولار، ناهيك عن تكاليف إصلاح وصيانة هذه السيارات والتي تصل إلى حدود 3 مليون و48 ألف دولار،هذا دون الحديث عن تكلفة تأمينها التي تبلغ نحو 9 مليون درهم. وهكذا، أعرب محمد المسكاوي، رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام عن أسفه للهدر المبالغ فيه وغير المبرر لمالية الدولة المغربية، معتبرا أن الحكومة لم تقم بما يلزم لمواجهة هذا الوضع وتكتفي بدل ذلك برفع شعارات لا تجد طريقها للتنفيذ على أرض الواقع. وقال المسكاوي في تصريح للعلم،إن رسالة بنكيران لم تخرج عن دائرة المتمنيات ولم تأت بتعليمات واضحة وقطعية بوقف نزيف النفقات الهائلة التي تعاني منها خزينة المملكة، بل إنها اكتفت بترويج خطاب مشروخ يفسر غياب الإرادة الحقيقية لدى الحكومة للتصدي لهدر المال العام ومواجهة نزيف التبذير في مصاريف كثيرا ما تكون فائضة عن الحاجة. وفي المقابل، ذكر المسكاوي بحكومة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي التي قامت بمجرد تنصيبها بإنجاز دراسة وافية حول عدد السيارات المملوكة للدولة،وهي الدراسة التي أبرزت حينها أن عددها يفوق الحاجيات مقارنة مع وثيرة نمط تسيير الدولة، ليقوم إثرها بتوجيه مذكرة يدعو فيها إلى تقليص حظيرة سيارات الدولة مع الحرص على ترشيد نفقاتها والتشديد في اقتناء سيارات جديدة. وبينما دعا رئيس الحكومة في رسالته التأطيرية إلى ضبط كتلة الأجور واتخاذ ما يلزم من تدابير بالتعاون مع مصالح وزارة المالية لضبط توقعات نفقات الموظفين التي تهيمن على نصف الموازنة، لا زال حجم راتبه الشهري مرتفعا للغاية مقارنة مع المعدل العام للأجور بالمغرب، حيث بلغ ما مجموعه 70 ألف درهم، تتضمن الأجر الأساسي وكل التعويضات متفوقا على نظرائه رؤساء الوزراء بالدول الأوروبية نفسها،حيث لا يتجاوز الأجر الشهري للوزير الأول لصربيا ألف أورو، أي ما يعادل تعادل 10.800 درهم، وهو نفس الأجر تقريبا الذي يتقاضاه رؤساء حكومات في بلدان كالجبل الأسود والبوسنة على سبيل المثال لا الحصر.