رمضان هو شهر الهوية والانتماء بالنسبة للشباب المسلم في دنيا المهجر، وهو الشهر الذي يجعل منه غير المسلمين المناسبة الأفضل للانضمام إلى أمة الإسلام، حيث ظاهرة تزامن اعتناق الإسلام مع قدوم شهر رمضان تمثل إحدى الظواهر الأكثر انتشارا بفرنسا ودول الاغتراب بشكل عام، كما يؤكد ذلك المجلس الفرنسي للأئمة. وإذا كان من المعتاد بالنسبة للمسلمين في فرنسا أن يشهدوا حالة اعتناقٍ للإسلام بوتيرة أسبوعية، فإن عدد المسلمين الجدد يزداد، في ظل "بركة رمضان" بالأضعاف بمجرد حلول شهر الصيام، كما يؤكد ذلك أحمد الفرديوي، الكاتب العام المساعد لاتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا، وقد استقت "العلم" بمسجد إيفري، أكبر مسجد في أوربا آراء بعض الضيوف الجدد على الإسلام وسر قناعتهم بهذا الدين، حيث أكدت لوسيان لوبوتي (32 سنة)، التي أعلنت إسلامها مع بداية شهر رمضان من السنة الماضية، أن "الشهادتين والصلاة اليومية هي من ركائز الإسلام الأساسية، لكن الصيام وشهر رمضان يمثل بالنسبة لي التجسيد الفعلي للإسلام لأني أعيش طوال شهر نفس المشاعر التي يعيشها مليار ونصف المليار مسلم في العالم". وتتردد لوبوتي المنحدرة من أبوين من أصول إيطالية كاثوليكية في ارتداء الحجاب لأنها لم تعلن بعد إسلامها لوالديها ومحيطها العائلي بشكل عام. غير أن ارتداءه لن يغنيها، كما تقول، عن بنطلون "الجينز" كونها تتحرك كثيرا وعادة ما تتنقل في وسائل المواصلات. وتضيف: "سأستغل أواخر شهر رمضان لأعلن إسلامي للعائلة كلها. هذه الخطوة الأولى التي أتمنى أن تمر بسلام وربما ستأتي أشياء أخرى بعدها". ويوضح نافع الدرزي، أستاذ بالمركز الثقافي الإسلامي التابع للمسجد، أنه قبيل شهر رمضان بأيام، جاءنا سبعة فرنسيين لاعتناق الإسلام بالمسجد، منهم ثلاث فتيات في العشرينيات وأربعة شبان في الثلاثينات. ويضيف: "رمضان بالنسبة لهم حافز للدخول للإسلام حتى إن إحداهن قالت لنا إنها كانت تصوم أيام رمضان حتى قبل أن تعتنق الإسلام وأن الشهر الكريم كان حافزا على أن تخطو بجدية نحو الإسلام". وعن أول يوم تصومه، تقول أنطوانيت (28 سنة) التي اعتنقت الإسلام قبل سنتين :"دعتني عائلة صديقتي المسلمة من أصول مغربية للإفطار، وبعدها ذهبنا إلى أول صلاة تراويح لي في المسجد القريب..وأنا سعيدة جدا لأني بدأت أعيش أجواء رمضان كصائمة". "أما جوليان لوبيرز (25 سنة)، فقد خالط، على حد قوله، الكثير من أصدقائه وصديقاته المسلمين في الحي والثانوية قبل إعلان إسلامه لإمام الحي في ضاحية جانفيليي شرق باريس، وعاش معهم أوقات كثيرة أجواء صيامهم. "كنت أكثر من الأسئلة حول مشاعرهم في هذا الشهر ولماذا يمسكون عن الأكل والشرب، وكنت في الغالب أبحث عن الأجوبة التي أهتدي من خلالها إلى مكانة شهر رمضان بالنسبة للمسلمين". ويضيف :"أعرف عدة أصدقاء مسلمين لا يتمسكون بالفرائض وخاصة الصلاة، لكنهم يلتزمون التزاما كاملا بالصوم في شهر رمضان، وظللت طوال السنوات الأخيرة أسأل نفسي لماذا يفرض هذا الشهر هيبته هكذا؟ وما هو السر في كل هذا الاحترام له؟". وتقدر أرقام وزارة الداخلية الفرنسية المعدل العام للمعتنقين للإسلام بفرنسا سنويا ب4.000 شخص، فيما ترى المنظمات الإسلامية بفرنسا أن عدد المعتنقين هو أضعاف هذا الرقم. وبحسب استطلاع للرأي أجرته صحيفة "لوفيغارو"، فإن 80% من مسلمي فرنسا يؤدون فريضة الصيام، وهي نسبة مستقرة بالمقارنة مع 2000، لكنها مرتفعة جدا قياسا مع سنة 1990 التي سجلت نسبة 32% ممن لا يؤدون الصيام مقابل 20% سنة 2014. وتصل نسبة الصوم عند الشبان دون الثلاثين عاما إلى 85%. وفي المقابل فان الفرائض الأخرى في فرنسا التي تضم أكبر جالية للمسلمين في أوربا (حوالي ستة ملايين مسلم)، لا تلقى الإقبال نفسه، حيث يظل التوافد على المساجد ممارسة ذكورية بنسبة 34% مقابل 12% من النساء، فيما تختلف نسبة التوافد على المساجد حسب الأعمار من 20% لمن يبلغون ما بين 18 و20 سنة، إلى 41% لمن تبلغ أعمارهم 55 سنة فما فوق. ويفيد الاستطلاع الذي نشرت "لوفيغارو" نتائجه في الأسبوع الثاني من شهر رمضان، بأن نسبة ممارسة الشعائر الدينية بأماكن العبادة بفرنسا تصل في المتوسط عند المسلمين إلى 23% مقابل 5% للمسيحيين الذي يقصدون الكنيسة بمعدل مرة واحدة في الشهر. أما نسبة المسلمين الذين يؤدون الصلاة يوميا سواء في المساجد أو البيوت، فقد انتقلت من 31% سنة 2000 إلى حوالي 40% سنة 2014. ويشكل الشبان ما بين 18 إلى 24 سنة النسبة الأقل التزاما بالصلوات الخمس (28%) مقابل 64% بالنسبة للأشخاص من 55 سنة فما فوق. ويربط المختصون ظاهرة تزايد إقبال الشباب المسلم بفرنسا على الصيام منذ 15 عاما، بعوامل عدة أهمها التميز والشعور بالانتماء الذي يقوي هو الآخر الاعتزاز بالهوية الدينية.