طبعا إن تبذير المال العام، لا ولن ولم يقتصر في المغرب الراهن، على النماذج التي تطرحها الصحافة بين الحين والحين. إن أمر الفساد المالي، يطال القطاعات المنتجة. أبناك / وزارات / مؤسسات خدماتية، وهو ما جعل / يجعل الدولة قطاعا خاصا و مباحا للنهب، تحت ستار السلطة، و في غياب تام للمراقبة والمساءلة و العقاب. و بالنظر إلى الأرقام المهولة التي تكشف عنها حين بعد آخر التقارير الدولية / تقارير الأبناك والمنظمات المختصة، والتي كان من شأنها امتصاص قدر كبير من البطالة و الفقر في البلاد، يبدو واضحا، إن نهب المال العام واختلاسه، أصبح معطى بنيويا متأصلا في البناء الأخلاقي للعديد من المسؤولين، الذين فوتوا على المغرب فرصة التنمية، وفرصة الانتقال الديمقراطي، و فرصة بناء دولة الحق والقانون. السؤال المحرج الذي تضعه هذه الإشكالية بحده : أين تضع إشكالية نهب المال العام نفسها، من خطاب التخليق الذي رددته و تردده الحكومات المتعاقبة، في كل مناسبة طرح بها ملف الفساد المالي...؟ دون البحث عن جواب لهذا السؤال يجب التأكيد هنا، أن تخليق الحياة العامة، وإرساء دعم الديمقراطية و الشفافية، و إشاعة ثقافة الأخلاق و المساءلة العمومية، لا يمكنها أن تتحول إلى حقيقة على أرض الواقع، دون إحداث تحولات نوعية، و إصلاحات جوهرية عميقة في البنيات الاجتماعية ، لتجسيد سياسة التغيير، عبر آليات المحاسبة والمراقبة، خصوصا في الجوانب المتعلقة بالتدبير المالي للمؤسسات العمومية، التي تصرف فيها المدراء و الرؤساء والوزراء لفترة طويلة من الزمن، دون حسيب أو رقيب، إلى أن تحو ل العديد منها إلى صناديق خاصة للاغتناء اللامشروع. لذلك، تصبح مسؤوليات الحكومة / الحكومات، تجاه هذه الإشكالية الخطيرة، بتفرعاتها و أصنافها وألوانها وتقنياتها، كبيرة وعظيمة وخطيرة. دلك لأنها إشكالية شاذة و قائمة على إفراز آليات بشرية لإهدار المال العام رغما على القوانين و الآليات ... ومن ثمة فإن تنقية و تطهير القطاع المالي مما ألم به، لن يكون خارج مسطرة واضحة للإصلاحات الجذرية، التي من شأنها بناء ثقة متبادلة بين كل الفعاليات والمؤسسات بالبلاد، دلك لأن الإحساس بالثقة وحده الكفيل برد الاعتبار للمؤسسة المغربية، بعدما أصابها الانهيار والسقوط، لفترة هامة من الزمن. إن دولة الحق والقانون لا يمكن أن يستقيم عودها ما لم يتم أعمال النصوص الزجرية التي تحمي الموطن و الشأن العام و الأمن العام والمال العام و الأخلاق العامة، من الفساد و المفسدين ، بشكل يجعل المواطنين على بينة من حقوقهم وواجباتهم، ويرفع الهالة الأسطورية عن كافة الموظفين الكبار والوزراء الكبار و المسؤولين الكبار، الدين تجاهلوا القانون ... في دولة القانون. و إن أية إصلاحات هيكلية لإدارة الشأن العام ، لا يمكن مباشرتها خارج أعمال هذه النصوص، ذلك لأن الانتقال من الخطاب النظري للإصلاح إلى الخطاب الذي يجسده على أرض الواقع، يتوقف على تفعيل تلك الترسانة من القوانين، التي وضعها المشرعون على مدى خمسة عقود، لحماية المواطن، و حماية ماله العام، و إدارته العمومية، من عبث السفهاء والمفسدين. إن المغرب الذي تعمل منظومة الفساد على انهيار مؤسساته العمومية، و الاستهتار بها بفعل الخيانة و اللصوصية، يتوفر على أجهزة رقابية عديدة، منها: جهاز رقابة الالتزام بنفقات الدولة و الرقابة الإدارية التي يمارسها الآمرون بالصرف على المصالح الإدارية و المحاسبين. ومنها جهاز الرقابة السياسية التي يضطلع بها البرلمان، سواء عند مناقشته الميزانية العمومية أو بعدها. ومنها أيضا المفتشية العامة للمالية، و المجلس الأعلى للحسابات الذي أوكلت إليه الرقابة العليا على المال العام ، في جوانبها القضائية والمالية و الإدارية. إلا أن هذه الأجهزة جميعا ، ظلت لفترة طويلة مغيبة ، مما فتح الباب على مصراعيه لمختلسي المال العام لممارسة لصوصيتهم بحرية ، و بلا خوف أو خجل لفترة طويلة من الزمن. والسؤال متى تضيء الرقابة بحر الظلمات؟ متى تقدم منظومة الفساد الى المحاسبة ؟ أفلا تنظرون...؟