سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المجلس الأعلى للتربية والتكوين يَجْلِدُ المسؤولين على تدبير قطاع التعليم: 3 ملايين منقطع عن الدراسة ودرهم تغذية لكل تلميذ ولوبي يسيطر على إنتاج الكتب المدرسية...
عرى تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الصادر يوم الجمعة، عن الواقع الأسود والمأزوم الذي تتخبط فيه منظومة التربية والتكوين ، وكشف عن مكامن الخلل خلال العشرية الأخيرة وبداية العشرية الحالية. التقرير التحليلي ل"تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2000-2013″، سرد تشخيصا لواقع التعليم بالمغرب بمختلف مستوياته، من التعليم الأولي إلى التعليم الجامعي، انطلاقا من دراسات أعدتها الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، ومن دراسات أخرى وطنية ودولية. وأوضح التقرير، الذي ينتظم في خمسة أجزاء تتمثل في تعبئة الموارد المالية والبشرية، والحكامة والاصلاح البيداغوجي والتعبئة حول الإصلاح، وتعميم التعليم وتوسيعه، وتحصيل التلاميذ ومناخ الجامعة والانصاف والإدماج والبحث العلمي، والمكتسبات والمعيقات والتحديات، (أوضح) أن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني تتعرض لخسائر مالية فادحة سنويا من فقدان للموارد بمعنى الانقطاع عن الدراسة ، إذ شكلت هذه الخسائر سنة 2011 أكثر من 10 % من ميزانية التسيير الإجمالية للتربية الوطنية. مع أن هذه الخسائر المالية همت فقط الانقطاعات عن الدراسة الحاصلة خلال فترة التعليم الإجباري. وقدم التقرير رقما مهولا ومخيفا لعدد المنقطعين بين سنتي 2000 و 2012 ، إذ غادر حوالي 3 ملايين تلميذ مقاعد المدرسة قبل الوصول إلى السنة الأخيرة من التعليم الثانوي الإعدادي؛ ونصف هؤلاء التلاميذ لم يستوف الدراسات الابتدائية. ويعاني النظام المعتمد في التوظيف والتكوين حسب معدي التقرير، من نواقص تتجلى في عدم تجانس التكوينات الجامعية لأساتذة التعليم الابتدائي المتدربين، يجعل تأهيلهم المهني صعبا، مما يؤثر سلبا على جودة ممارستهم، و لم يرافق عملية إلحاق لمدارس العليا للأساتذة بالجامعات مخطط لإعادة انتشار الأساتذة، كما لم تتم إعادة صياغة برامج التكوين لتلائم باقي مهن التربية. كذلك وعلى غرار باقي المجازين، لا يتوفر المجازون من المسالك الجامعية للتربية إلا على حق التقدم الى المباريات التي ينظمها قطاع التربية الوطنية. وخو ما يعني أن الجامعة لازالت بعيدة عن الانخراط الفعلي في تكوين المدرسين و المربين بالمواصفات التي تستجيب لحاجات التربية الوطنية. وأشار التقرير إلى كون المدة المحددة للتكوين في المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين هي سنة دراسية كاملة. ومع ذلك، فإن مدة الإعداد الفعلي للمهنة، بما في ذلك المدة التي تستغرقها التداريب، لا تتجاوز ستة أشهر. وهذه المدة القصيرة لا تسمح بالتمكن من الكفايات البيداغوجية و الديداكتيكية الضرورية لممارسة تعليمية جيدة. أما فيما يخص التمرن على محاكاة لوضعيات المهنية، فهناك غياب معايير لاختيار المؤسسات التي تستقبل المتدربين والمرشدين التربويين، وعدم أجرأة الإطار القانوني الذي يحدد العلاقة بني مراكز التكوين ومؤسسات التطبيق، وغياب للتنسيق بين المكونين والمرشدين التربويين. وبخصوص ما أسماها أعطاب نوع آخر من التكوين، وهو التكوين المستمر، رأى المجلس أن السياسة المعتمدة في التكوين المستمر غير كافية من عدة نواح: فعلى المستوى التشريعي، وخلافا لما ورد في الميثاق، التكوين المستمر لا يؤخذ بعني الاعتبار في ترقية أعضاء هيئة التدريس ولا في حركتهم الانتقالية ، وهذا ما يفسر عدم اهتمام المدرسين بتكوينات لا تؤثر، بشكل ملحوظ، على مسارهم المهني . وزيادة على ذلك، لا يقوم تحديد حاجات الأساتذة الى التكوين المستمر على منهجية دقيقة، تمكن من التعرف على تلك الحاجات وتقوميها. وباستثناء العمليات التي وصفت استراتيجية فإن المنطلق الذي هيمن على ما أنجز في التكوين المستمر هو منطق صرف الاعتمادات، وذلك على حساب تلبية الحاجات الفعلية للمدرسين. وعاب التقرير على وحدة تكوين الأطر التابعة لوزارة التربية الوطنية عدم القيام بالمهام المنوطة بها، وخاصة منها المهام المتعلقة بالتعرف على الحاجات، و التخطيط الاستراتيجي، و الاشراف على عمليات التكوين المستمر وضبطها. إذ في كثير من أحيان، تنظم وحدات مركزية أخرى، ومراكز أخرى للقرار، وكذلك الأكاديميات، دورات للتكوين المستمر دون أي تنسيق أو تشاور مع الوحدة المعنية ، كما يغيب أي تقييم و أي تتبع لآثار التكوين المستمر على مردودية المدرسين، وعلى مدى تحسن كفاياتهم وممارستهم التعليمية. وتوقف التقرير عند عائق آخر من عوائق الإصلاح وهو المتعلق بعملية إنتاج الكتب المدرسية التي تواجهها عدة عقبات ، أجملها التقرير في كون كل من الكتاب الأبيض ودفتر التحملات الإطار ودفاتر التحملات النوعية لا يتضمنون ، على المستوى المرجعي، أي تعريف محدد ومنظم للمفاهيم الأساسية المستعملة، ولا أي تفسيري للمقاربات البيداغوجية و الديداكتيكية المقترنة بها، مما يجعل مهمة مؤلفي الكتب المدرسية صعبة، زيادة على كون هؤلاء المؤلفين لا يتوفرون على نظام مرجعي عملي، يساعدهم على تصور أنشطة بيداغوجية متعلقة بالقيم. وعلى مستوى التأليف لا يسمح التكوين الذي أمنه قطاع التربية الوطنية لمؤلفي الكتب المدرسية، بجعل هذه الأخيرة قابلة لإدماج التجديدات البيداغوجية وخصوصا تنمية الكفايات واستخدام تقنيات الإعلام والتواصل والتربية على القيم. علاوة على ذلك، يظل الأجل المحدد في أربعة أشهر ونصف لتأليف الكتب المدرسية غري كاف، وهو بعيد عن الحد الأدنى المطلوب، أي ثمانية أشهر. وعلى مستوى التقييم والمصادقة، أقر مجلس عزيمان بأن الوضع الهش للجنة التي تم إحداثها لهذا الغرض، وغياب معايير موضوعية ودقيقة، وتراكم الأعمال، ومحدودية الوقت المخصص لإنجازها، أدت جميعها الى فقدان الثقة في جودة الاختيارات التي قامت بها اللجنة المذكورة. وعلى مستوى النشر، سمحت القدرة الاقتصادية لبعض المجموعات، ولتمركزها العمودي، بالهيمنة على الصفقات وبالتواجد عند كل مستويات إنتاج الكتب المدرسية. وفضلا عن ذلك، لم تتم أجرأة المبدإ المنصوص عليه في دفاتر التحملات والمتعلق بإخضاع طلب عروض الكتب المدرسية للفحص من جديد، بعد انقضاء مدة السنوات الثلاث المحددة للنشر و التوزيع، كما أن الكتب المدرسية لم تخضع لأي تجريب قبل اعتمادها . وعرج التقرير على اختلالات ونقائص الدعم الاجتماعي: فالتسيير المادي والمالي للمطاعم المدرسية يعرف اختلالات بسبب النقص الحاصل في الإمكانات المادية والبشرية المؤهلة لتقديم خدمات في مستوى ملائم، و تستجيب للحد الأدنى من المعايير المطلوبة، كالقيمة المالية للوجبة الغذائية اليومية لكل تلميذ فهي زهيدة جدا، إذ تتراوح بين درهم واحد ودرهم ونصف. وبالنسبة للثانوي والتأهيلي فإيقاع بناء الداخليات غير مواكب لإيقاع تزايد أعداد التلاميذ، ثم التأخر والبطء اللذان يطبعان الإجراءات الإدارية المرتبطة بإعطاء المنح وصرف النفقات مما يؤثر بشكل سلبي على أداء هذه الخدمة، وخلال عملية إعطاء المنح وقف تقرير المجلس على عدم وجود أي تمييز إيجابي لفائدة التلاميذ المعوزين والمحتاجين إذ يستفيدون كزملائهم المنحدرين من أسر ميسورة. وعرف تطبيق برنامج تيسير عدة مشاكل تتعلق بالمزامنة بين صرف الميزانية المخصصة له وتحويلها للأسر المعنية؛ وهذا أدى إلى بطء العملية، مما أسفر عن نفقات إضافية، سواء على مستوى الوقت أو اللوجيستيك أو الموارد... ويتجه التعليم الاولي إلى خلق نوع من الامتياز وتعزيز عدم المساواة إذ أن أقلية تستفيد من تعليم أولي بالوسط الحضري ،، في الوقت الذي تحرم فيه فئة عمرها 4 و5 سنوات بنسبة 54.5 بالمائة، لم يستفيدوا بعد من التعليم الأولي وهم أطفال الفئات الاجتماعية المعوزة، و الأطفال المنتمين للوسط القروي. كما أن من بين كل 100 تلميذ مسجل في السنة الأولى من التعليم الابتدائي العمومي سنة 1999، فنسبة 35 بالمائة فقط منهم تمكنوا من استكمال الدراسة بهذا السلك في متم 2005 دون أي تكرار، وأن 18 بالمائة منهم أتموا التعليم الإعدادي في نهاية 2008، وأن 6 بالمائة منهم فقط استكملوا الدراسة بالتأهيلي في متم 2011، وتفيد معطيات التقرير أن 3 بالمائة فقط منهم حصلوا على الباكالوريا في السنة ذاتها دون أي تكرار.ويخلص التقرير بناء على ما سبق، إلى أنه لم يتم تحقيق أهداف الميثاق الوطني للتربية والتكوين المتعلقة باستكمال التلاميذ للدراسة بالأسلاك التعليمية. فخلال العمل على تطبيق مقتضياته، كثيرا ما كان ينظر إلى العر ض التربوي من زاوية البنيات التحتية فقط، علما بأن الأمر أكثر من هذا ، و يتعلق بإعطاء الأسبقية لتلبية حاجات مستعجلة، وتتعلق النواقص السابقة التي سجلها الميثاق الوطني للتربية ودعا إلى الاشتغال عليها كإصلاح المحتويات وطرق التعليم، لتحسين جودة التعلمات، وبالتالي، مكتسبات التلاميذ. الخلاصة أن المشكلة لا تكمن في صلاحية الميثاق من عدمه، بل تكمن في الظروف التي أنجز فيها الإصلاح والطريقة التي هيكل بواسطتها الفاعلون عملهم ، ورتبوا النظام التربوي وعملوا على تبليغ أهداف الاصلاح، وفي ما وراء الأهداف والنوايا الحسنة والمشاريع الاساسية للإصلاح البيداغوجي....