في احدى المقالات المنشورة للأديب العظيم عباس محمود العقاد و التي عنونها ب: لو كان للجسد نعيم ! لو كان للجسد سماء! و أجاب مباشرة على التساؤل بقوله : إذن لكان الراقصون و الراقصات هم الأبرار المقربين في ذلك النعيم و هم الملائكة المقربين في تلك السماء . و معرض حديثه عن بافلوفا ، و بافلوفا هذه هي أنا الراقصة المشهورة التي ارتفع بها الفن الى منزلة القداسة حين رقصت في لندن و لهبت الباب النظارة بخفة جسمها و قدرتها الرائعة فاندفعت أمامها امرأة انجليزية تحمل وليدها متوسلة اليهاان تلمس طفلها ، و كأن هذه الراقصة و جسمهالا يخلوان من كرامة تنتقل عبر اللمس و نوع من معجزات شفاء الأطفال . و ليست أعين بافلوفا هي التي قادتنا لاسترسال الحديث و لكن ما أورده العقاد عن الكتاب الذي اعجب به و الذي كتبه الموسيقي الكبير تيودور ستير عن جولات راقصته التي صاحبهافي رحلاتها الطويلة بين الغرب و الشرق و الشمال و الجنوب .ليصل الى العين المصرية كما وصفها تيودور ستير في كتابه و هو يتحدث عنها عندما زارت مصر و قد دون في كتابه ما يلي : ( كان معظم النظارة من المصريين ، و كان النساء يجلسن في مقاصير معزولة عن الرجال يكاد يغمرهن اللباس الأسود و لا يسفر من وراء براقعهن الا العيون ، و من هذه العيون بدت لي عينان اثنتان على الأقل لم يكن لي معهما قرار فقد لمحت في المقاصير القريبة مني امرأة لا أقول عن اثر عينيهاالثاقبتين في روعي الا انه ضربا من التنويم و التخدير ، ولا اعرف كيف كان هذا .و لا اذكر الا ان النور الذي ينبهني الى ابتداء العزف قد اومض اربع مرات واحدة بعد واحدة قبل ان افيق لنفسي و ادري بما حولي .بل لقد نسيت حتى بعد هذه اليقظة فاتحة الدور الذي كانوا يحسبون انني اديره ...........!) و الكاتب الذي اكتشف العين العربية التي استطاعت من وراء برقع ان تخدره درجة نسيانه لقيادة الفرقة الموسيقية و تنبيهه اربع مرات بواسطة الضوء الذي كان اقل إشعاعا من النظرة الثاقبة لعين عربية وراء برقع استطاعت ان تخدر عقلاً مثل عقل الاستاذ ستيرو تنومه و هو الذي جاب مع بافلوفا مختلف العواصم العالمية و نظر الى الملايين من العيون المكشوفة فهو كما قال العقاد في كلامه كشف جديد للناظرين ! و اعتبر ان في كلامه كشف جديد لحضرات الشعراء الذين يكشفون لهذه الأمة غطاء المجهول . ولم يفت الشاعر و الكاتب الانجليزي الكبير توماس هاردي ان يفرد العيون الجميلة برواية أعيد نشرها سنة 1997 و تمكن من بيع نسخة مخطوطة منها سنتين قبل وفاته عام 1926 ب1500 جنيه في ذلك الوقت الذي كان لهذا المبلغ قيمته و عند احتفاله بالذكرى 81 هب اكثر من 100 أديب و أديبة يقيمون له مهراجانات التكريم ، بل اثناء مرضه حضر لزيارته ولي عهد انجلترا يقدم مواساة الملك له ، هذا الشاعر و الكاتب الكبير عنون روايته بالعينان الزرقوان . و تدور هذه القصة التي اعتبرها النقاد بأنها سيرة ذاتية للكاتب الشهير الذي تمثل ببطلها سميت الذي كان مهندسا و تكلف بإصلاح و ترميم احدى الكنائس عندما وضع القدر أمامه شابة جميلة ذات عينان زرقاوان ، السلاح الذي لا يقدر على مقاومته و لا على الفرار منه ، و كانت هذه المرأة كلما استخدمت سلاحها كلما تركت ضحايا في تلك القرية الهادئة ، الا انها في هذه المرة لم تتمكن الفريد رغم السهام التي تتوفر عليها من التحكم في قلبها الذي خانها وتعلقت بهذا المهندس المبتدئ ، الا ان المأساة كانت عندما رفض والدها رفضا باتا الموافقة على الزواج ، فاتفقا المحبين على الهروب و تحقيق الأمل المتفق عليه ، لكن جرت الرياح بما لم تشتهه سفينة سميت و قررت ذات العينين الزرقاوان التراجع عن اتفاقها و الخلود لرأي والدها الذي كان يعتبر المهندس من غير أصول كافية لعقد ذالك الزواج ، حيث ان المجتمع الكنسي الانجليزي كان يشترط التكافؤ في الأصل و الرتبة الاجتماعية و المركز المالي قبل الحب و العاطفة ، مما جعله يغادر القرية و جعل الشابة ذات السلاح المعهود ان تلتقي بسرعة بشاب غير سميت لتتزوج معه ، الا ان آثار تأثير سلاحها مع سنين الزواج اضمحلت و بدأ الزوج يصحو من سكرة العيون ليبحث فيما كان قلب زوجته قد تعلق بأحد غيره ، و بدأ الكاتب الكبير توماس هاردي يحلل في قصته العواطف الانسانية و الغوص في أعماق سيكولوجية الانسان المحب مما اكسب روايته بعدا إنسانيا مثيل الروايات الاخرى التي ملا بها الدنيا و شغل الناس . لكن عظيم فرنسا كما سماه بسمارك بطل الوحدة الألمانية عندما كتب رسالة اليه يطلب فيهامنه توجيه الفرنسيين ضد نابليون و ضد الحرب الذي يكرهه و عنون رسالته : من عظيم ألمانيا الى عظيم فرنسا و هو نفس الشاعر و الأديب و الفيلسوف الذي حكي من جملة طرائف إعجاب المجتمع الامريكي آنذاك بشعره و أدبه انهم ما لبثوا ان ارسلو اليه اجمل اربع و عشرين 24 فتاة أمريكية لزيارته في فرنسا و التقرب اليه لكي يأتيهم منه نسل عبقري ! عظيم فرنسا فيكتور هيجو عندما حاول التصدي بأدبه و شعره و فلسفته لهذا السلاح اكتفى بإعطاء حكمة للرجل: Quand une femme vous parle, écoutez ce qu'elle vous dit avec ses yeux. عندما تكلمك المرأة استمع الى ما تقوله لك بواسطة عينيها . بمعنى اذا كنت لا تفهم في لغة العيون او لا تدرك كلامها فإنك أصم و غير قادر على فهم هذا المخلوق ، لذلك كان لبعض النساء لغة خاصة يستعصي معها فهم الرجل مما يؤدي الى تلك العبارة المألوفة عند سائر الرجال و في كل المجتمعات: انا لا افهم هذه المرأة ! كان بالأحرى و بحكمة فيكتور هيجو ان يقول هذا الرجل انا أمي في لغة العيون ، و عندما كانت تكلمني المرأة كنت اسمع لما تردده شفتيها فقط ، و لم أكن أدرك بان في عينيها ذبذبات صوتية تخرج منها كلمات و لغة اخرى غير المتعارف عليها ، لذلك اطلب المعذرة اذا كنت لا اجيد لغة و سلاح هذه العيون ، و كان بالإمكان التماس العذر لهذا الضعف الذي يصيب اي رجل ، و في هذه الحالة كان لا بد للبحث عن ترجمان محلف و مبرز لترجمة هذه اللغة المستعصية ، فلم يجد الرجل سوى الشعر و جمالية الكلمة و النظرة المعبرة ، و الأسلوب الأدبي للقيام بهذه المهمة ، لكن ذلك كله لم ينفعه لان إتقان هذه اللغة لا يتأتى الا عندما تكون المرأة الحقيقية مالكة لسلاح حقيقي هو المحرك نفسه لعينيها ، و يكاد بريق العينين الذي تكلمت عنه بنت الجزيرة العربية في قصتها الجميلة المسماة بريق عينيك ، لا يكون له اي صدى و لا اي تأثير انه جمال نفس المرأة الذي بدونه لا قيمة لجمال جسدها بما فيه عيناها و هو ما عبر عنه عظيم فرنسا ڤيكتور هيجو عندما قال : La beauté de l âme se répand comme une lumière mystérieuse sur la beauté du corps . ان جمال الروح ينعكس كشعاع غريب على جمال الجسد . بالفعل ان اي جمال للعين و اي سحر لها لا يمكن ان يكون منبعثا الا من جمال الروح ، و لا يمكن ان يكون الا انعكاس له ، لذلك يبقى هذا السلاح بدون مفعول في غياب جمالية النفس و المشاعر الداخلية ، و هي التي حيرت الأدباء و الشعراء و العلماء و الفلاسفة و ستبقى تحيرهم مادامت هناك روح و ما دام هناك جسد و ما دامت هناك أعين !