يقول الشاعر العربي : عيناك قد دلتاعيني على اشياءلولاهما ما كنت تبديها فالعين تعرف من عيني محدثها ان كان من حزبها او من اعاديها فهي كما يقول الأدباء نافذة الروح و ما اخطأت يوما امرأة و هي تنظر الى عينيك . و كثيرات هن النساء اللواتي اكتشفن خيانة نظر الرجل و كذبه عليهن من خلال النظر في عينيه ، فيمكن للمسرحي الكبير ان يقوم بأي دور سوى ستر لغة عينه عن الجمهور ، فالعين تبقى ذلك المرصد الدقيق للروح و الإحساس والشعور الذي لا يكذب ، و لا يصدأ بل يبقى الرجل محافظا عليه حتى بعد ما تدركه الموت ويصبح ترابا فيطلب الخيام بان نمشي الهوينا على الارض خوفا من ان تضم تحتها اعينا ساحرة الاحورار: فامشي الهوينا. ان هذا الثرى راحل من أعين ساحرة الاحورار و لم يكذب الشاعر العربي عندما شبهها بأركان الحرب l état major فمنها يتحرك المشاة و المدفعية الثقيلة و المدرعات و الطائرات و لعله جرير القائل قبل إطلاق هذا المصطلح المسمى اليوم بأركان الحرب : ان العيون التي في طرفها حور قاتلننا ثم لم يحيينا قتلانا يصرعن ذا اللب حتى لا حراك له وهن اضعف خلق الله اركانا فأركان الحرب هذه التي تتحكم في كل شيئ هي قوة أعطاها الله للعين حتى ان العقاد أقسى الكتاب و الأدباء على المرأة قال: زرقة عينيك لا صفاء فيها ولكنه فضاء ! حمرة خديك لا حياء فيها ولكنه اشتهاء ! قوامك الرمح لا اعتدال فيه، ولكنه اعتداء ! وان كنا لا نتفق مع العقاد في جدبته هذه فانه ليس للمرأة اختيار في لون عينها ما دامت المرأة التي تعيش في الأقطار التي لا تدخلها الشمس و لا يستعينون على حجب الضوء بغطاءات النوافذ و يكتفون بالزجاج تتميز بزرقة العين التي يمكن ان تحملها الجينات فيما بعد فتوزعها عمن تشاء من الأوجه الحسان ، لذلك تغير لون العيون في أقطار الشمال ،و مال الى البني و الأسود نتيجة الشمس الساطعة التي يحجبونها بالستائر الغامقة في الجنوب حتى لا يدخل الشعاع ، و ذلك مرجعه كله ان اللون الأزرق بطبيعته يسمح بمرور كثير من الضوء ، لذلك عكس ما ذهب اليه العقاد في موصوفته. فالمسألة اقرب من العلم منه الى الخلقة لكن لو عاش العقاد في تلك البيئة الباردة قليلة سطوع الشمس هل كان سيتغير شعره ؟ بل حتى نظرته الى المرأة ؟ لذلك كان الشاعر ابن بيئته . وليس هو الشاعر عبد الله فيصل عندما جعل من اجل العين عشق الهوى مع العلم بان بيئتهما و جيلهما متقاربين هو و العقاد : من اجل عينيك عشقت الهوى بعد زمان كنت فيه الخل وهو القائل كذلك في خالدته أكاد أشك في نفسي لآني أكاد أشك فيك و انت مني كأني طاف بي ركب الليالي يحدث عنك في الدنيا و عني على أني اغالط فيك سمعي و تبصر فيك غير الشك عيني و هي قمة في تصوير سلاح العين فحتى عندما يحذت ركب الليالي العالم كله عن قصتهما و عن ثورة شكهما فانه تقع مغالطة السمع و تبصر العين غير الشك و هذه القوة في المغالطة التي يستحبها الشاعر يؤكدها بصر عين المحب الذي يتغلب عن الرؤية الحقيقية للخيانة التي لا يريد ان يتقبلها و لو كانت صحيحة يراها كل الناس الا عينه المخمورة بالحب لدرجة و انه داخل نيران هذه الثورة التي لم تصدقها عينه بلغ درجة الشقاء في حسن الظن : و ما انا بالمصدق فيك قولا و لكني شقيت بحسن ظني و قد احتار نقاد الأدب حول عثو رهم على شعر تتغزل فيه المرأة في عين الرجل مع العلم بان وظيفتهما واحدة ، بل احتاروا كيف ان المرأة عندما تستعين بلغة عيون الرجل لاكتشاف صدقه من كذبه ، و عندما ينظر هو اليها تباغته بالسؤال عما يريد من وراء ذالك ؟ و الشاعرة الكورسيكية جلوريا فيرونا عندما أرادت ان تتغزل بالرجل الذي أحبته و كان يكبرها بكثير قالت في مذكراتها: اجل .... لم أشأ ان اتغزل كبقية الشاعرات في جمال عيني حبيبي ، او حسن مظهره ، او روعة مفاتنه الجسمانية ، سموت بخيالي ، و أردت ان أخالف العرف الشائع ، و اتخذ من جبين الرجل اي من موطن جماله المعنوي مادة لغزلي ..... و قد اعتبرت هذه القصيدة فتحا جديدا في فن الغزل درجة سرقة بعض الأدباء و الشعراء الأوربيين لها و نسبتها اليهم تقول فيرونا: جبين حبيبي قطعة من الشمس استقرت على طاقة من الأزهار جبينه الناصع تاج نظمته الآلهة الرحيمة من لآلئ البحار... جبينه الأبيض جوهر صيغ من طهر الزئابق و صفاء الياسمين... جبينه رحمة و مجد و جلال و إشراق ! لذلك فالشاعرات الملهمات تركن للرجل وحده التغزل في العين و انطلقن يبحثن عن جوانب اخرى اكثر سموا و معنى بالنسبة إليهن كفيرونا التي اختارت الجبين الذي يكمن فيه الفكر و تنطلق منه أشعة الا قدام كما كانت تقول ، فالمرأة بقدر ما تستهوي الشاعر بعينها و قدها بقدر ما يستهويها اقدامه و شجاعته و فكره و لما لا ماله و مكانته المعنوية في داخلها التي تذهب بالشاعرة الكورسيكية بعيدا عندما تقول في محبوبها : انه شبه اله ، جن فغافل رهط الآلهة و هبط الى العالم البشري ، ثم اصطفاني من دون النساء طرا و احبني ، ليبني معي على الارض صرح السعادة و ملك السماء ..... و السلاح النووي بلغة عصرنا هذه و الذي تتوفر عليه عين المرأة و تتحدى جميع الاتفاقيات الدولية في استعماله في بعض الأحيان دون مراعاة للاخطار التي يتكبدها الموجه اليه هو سلاح الدموع ، عندما تدمع عين المرأة فكما يقول طاغور شاعر الهند الملهم : ان دموعك ايتها المرأة ، تحيط بقلب هذا العالم إحاطة البحر بالأرض . فأي سلاح قادر بالإحاطة بالأرض و جبالها و أوديتها و صحرائها ؟ انه نفس السلاح الذي تحدث عنه فيلسوف الانسانية سقراط : تستطيع الشمس ان تجفف مياه المحيط ، لكنها لن تجفف دموع المرأة . و نفس القوة هي التي تحدث عنها ڤولتير : دمعة واحدة من المرأة تكفي لدحض ادلة الرجل و براهينه . لكن قصة الشاعر الفرنسي الكبير الفونس دو لامرتين أعمق من ذلك درجة انه حذفها بعد موت عشيقته جولي شارل التي خلدها في قصيدة البحيرة le lac لانه كان يريد ان تحمل تلك القصة رمز الطهارة الا ان كاتبه الخاص ألكسندر عندما كتب مذكراته حول لامارتين اخرج البيتين الغير المنشورين في القصيدة حيث و جدهما في الدفاتر الخاصة للشاعر مكتوبين بخط يده : Elle se tut, nos cœurs , nos yeux ,se rencontrèrent , Des mots entr ecoupés se perdaient dans les airs, Et dans un long transport nos âmes s envolèrent , Dans un autre univers , وهو ما عبر عنه الأدباء بلقاء العين مع القلب و هو لقاء غير طبيعي و نادر جداً في العلاقة الانسانية لان الطبيعة كما نعرفها لا يمكن ان تحتمل هذا اللقاء فهي أضيق من ان تجمع بين هذين الكائنين في لحظة من اللحظات ، فاختار لا مرتين بانه بعد عجز الكلام و تيهانه في الأجواء طارت الأرواح الى كون آخر ، فلا يمكن لهذا اللقاء ان يكون في الكون الذي تراه العين و يشعر به القلب ، و هو تعبير في غاية الدقة و العمق من شاعر ملك ناصية اللغة و النفس المرهفة و هو يخلد لقصة حب حقيقي في القصيدة المشهورة البحيرة التي لا زالت الى يومنا هذا تلهم الشعراء و الفنانين و يتغنى بها الأدباء و الموسيقيين . وقد أراد لا مرتين ان يعصم علاقته بمدام جولي المتزوجة آنذاك و التي التقاها في البحيرة و عاش معها لحظات لقاء العين مع القلب و عندما وصل اليها في البحيرة حذفها الا ان كاتبه الخاص اضطر الى إخراجها الى الوجود و اطلع عليها قراء لامارتين و ان كان من المستحب ان يترك نفس لا مرتين آمنة في قبرها لانه لو أراد ذالك لما حذفها من القصيدة المنشورة احتراما لذكراها لان أصل القصيدة هو انه عندما حضر الى الميعاد الذي ضربه معها بعد سنة لم تحضر و في كتابه رفائيل صور بان زوجها ذالك الرجل الذي تألم لوفاتها أتى له بصندوق كانت فيه بعض الرسائل الخاصة به التي حررتها قبل وفاتها و طلبت منه ان يوصلها اليه في الميعاد ، و قدم قدم لامارتين ذلك الزوج في قصته تلك على انه عالم من العلماء كان كبير السن و كان يعطف على مدام جولي و بان زواجهما كان صوريا ، و لو قرن كاتبه الخاص عثوره على الدفاتر الخاصة للشاعر المرهف و اخراج الذنب الجميل كان عليه من باب إسناد ظروف التخفيف له ان يقرن ذالك بواقعة الزواج الصوري احتراما لروح تلك المرأة الجميلة و الشاعر المرهف . الا ان نقاد الأدب و كتاب السيرة و هم الصحافة الأدبية لا يرعوون في تتبع اخبار الشعراء و الأدباء و التعليق عليها وما هو طريف في هذا النقد هو استعمال تلك العبارة الذنب الجميل للعاشقين Lebeau péché فهل هناك ذنوب جميلة و اخرى قبيحة و كان هناك حسنات جميلة و حسنات قبيحة ! لكن ما ذنب السلاح الذي تستعمله المرأة اذا كان فعلا الرجل قد تخلى على جميع أسلحته و عتاده امام العين كما فعل نزار القباني : سيأتي نهار أصحح فيه شعوري و أغسل إرث القبيلة في داخلي و أعلن فيه الخروج على شهريار سيأتي نهار أسرح فيه جنودي و اطلق فيه سراح خيولي و اختم فيه فتوحي و اخبر شعبي بان الوصول لشاطئ عينيك كان اهم انتصار كان ذلك عند نزار في 5 نيسان ابريل 1991