حرّك الهجوم الإرهابي الذي استهدف الأربعاء الماضي المتحف الوطني التونسي بضاحية باردو جنوب العاصمة، لغما أمنيا خطيرا يتعلق بملف "جهاديي تونس" في سوريا والعراق، الذي أصبح يؤرق غالبية دول المنطقة، وكذلك أوروبا التي سارعت إلى اتخاذ إجراءات وقائية صارمة. وتناثرت شظايا هذا اللغم لتمس من قريب الأوساط الأمنية، أيضا السياسية التي كثيرا ما حذرت من تداعياته وسط إجماع على الخطر الداهم الذي يمثله "الجهاديون" التونسيون الذين يقاتلون في صفوف تنظيم "داعش". في هذا الصدد، يرى مراقبون أن هذا الملف الحارق المفتوح على سيناريوهات مُتعددة ومُتنوعة، يرتقي إلى مستوى التحدي الأمني الخطير لأنه بمثابة "قنابل موقوتة" لو انفجرت ستتجاوز تأثيراتها تونس لتشمل الجغرافيا الإقليمية. وتُقرّ السلطات التونسية بهذا الخطر، ولكنها تُقدم أية أرقام تختلف عن الأرقام المتداولة إعلاميا، أو تلك التي تُقدمها التقارير الدولية بهذا الشأن، والتي تُقدر عدد "الجهاديين" التونسيين الذين يُقاتلون حاليا في المنطقة السورية العراقية بنحو 3 آلاف جهادي. وفي المقابل، قالت الأممالمتحدة في تقارير نشرتها في وقت سابق إن نحو 40 بالمائة من إجمالي "الجهاديين" في سوريا والعراق يحملون الجنسية التونسية، أي أن عددهم يترواح بين 3500 و4 آلاف تونسي. بيد أن أخطر ما في هذا الملف، هو عودة الكثير منهم إلى تونس، حيث أكدت وزارة الداخلية التونسية أن أجهزتها رصدت عودة حوالي 500 منهم، وأن البعض الآخر اختار التمركز في ليبيا. ولم توضح السلطات التونسية الإجراءات التي اتخذتها لدرء المخاطر والتهديدات المحتملة لعودة هؤلاء "الجهاديين" إلى أراضييها، واكتفت بالإشارة إلى أنها منعت العديد من الشباب التونسي من الالتحاق بصفوف "داعش"، حيث بلغ عددهم نحو 8 آلاف شاب خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وبعد الهجوم الإرهابي لباردو، الذي خلف العشرات بين قتيل وجريح، بينت التحقيقات الأولية أن أحد الإرهابيين هو واحد من الذين عادوا من سوريا إلى تونس، لترتفعَ الانتقادات للسلطات الأمنية، كما تعالت الأصوات المطالبة بضرورة بلورة إستراتيجية واضحة لمواجهة هذا الوضع الخطير. وبحسب الدكتور نصر بن سلطانة، المؤسس والرئيس السابق للمركز التونسي للدراسات الأمنية، فإن "هذه العناصر الإرهابية التي شاركت في القتال في سوريا والعراق، هي "قنابل موقوتة" تُهدد أمن واستقرار تونس". نفس المتحدث انتقد عدم إخضاع السلطات التونسية هؤلاء العائدين لإجراءات أمنية وقضائية صارمة، وقال إن الخطر أصبح بما اكتسبوه من خبرة قتالية يتجاوز تونس والمصالح الغربية فيها ليشمل دول الإقليم، وكذلك أيضا أوروبا التي تبقى هي الأخرى معنية مباشرة بهذا الخطر. وأكد في هذا السياق أنه تم رصد عدد هام من التونسيين الذين تمركزوا في معسكرات تدريب بليبيا غير بعيد عن الحدود مع تونس، لافتا إلى أنهم قدموا من سوريا، وهم الآن يترصدون الفرصة لدخول لتونس. ومن جهته، دعا المحلل السياسي التونسي، هشام الحاجي، إلى ضرورة إخضاع هؤلاء "الجهاديين" الذين عادوا إلى تونس لإجراءات أمنية مشددة لدرء خطرهم والتوقي منهم باعتبارهم يشكلون خطرا جسيما على أمن واستقرار البلاد. وتُجمع الأوساط السياسية والأمنية التونسية على ضرورة نزع فتيل تلك القنابل الموقوتة بإجراءات واضحة وفعالة، خاصة أن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، سبق له أن حذر من هذا الخطر، وأكد أن "تونس لن تُحكم أبدا من خلال الشريعة" وأنها "ستبقى ملاذا للديمقراطية".