كانت الأغنية المغربية قوية ومحبوبة تشنف الأسماع، بما يبدعهُ صانعوها من كتاب الكلمات والشعراء والملحنين والمغنيين والمغنيات والعازفين المهرة بالأجواق الوطنية، خلال فترة سميت بالزمن الجميل، يحن عشاق هذه الأغنية من عباد الله المغاربة لأيامه ولفنانيه الأفذاذ، الذين ما خبت شهرتهم حتى الآن، بل ازدادت أسهم إنتاجاتهم ارتفاعا في زمن المسخ الذي تعيشه أغنيتنا المغربية حاليا، وهي تعرف حالة تدهور أفقدها رونقها وقوتها، بل حتى نمطها الذي أعطاها في الماضي الجميل، مكانتها المتميزة بين أنماط الأغنية العربية. قد يتساءل المهتمون بشأن أغانينا المغربية، عن دواعي هذا التدهور الذي أصابها ، علما أن الجواب بسيط ، ذلك منها أن أطوار إنتاجها كانت في زمن عمالقتها، تمر عبر لجن تقييم مكوناتها بدءا بلجنة الكلمات وأخرى للألحان وثالثة للغناء، وأي أغنية لاتخرج للوجود والوصول إلى أذن المستمع إلا بعد الموافقة النهائية لهذه اللجن، وكان أمر هذا التدقيق والتمحيص موكولا للإذاعة الوطنية المركزية والإذاعات الجهوية والتي كان بها جميعا لجن تقييم وأجواق وطنية، وقسم موسيقى به قطب فني مرموق يراقب سير الأغنية منذ قبولها ومراحل إنتاجها، حتى مرحلة التسجيل النهائي والموافقة على إذاعتها على أسماع المغاربة. فأين لنا من هذه الصرامة التي كانت وراء إنتاج أغاني خالدة كلمة ولحنا وغناء وعزفا؟ ولماذا تخلت الإذاعة الوطنية وإذاعاتها الجهوية عن هذا الدور الفعال؟ مما تسبب في فسح المجال أمام الإنتاجات غير المراقبة وتغيب عناصر الجودة فيها، والإكتفاء بتلقي إنتاجات وبثها دون الإكتراث بمقوماتها الكفيلة بقبول سماعها أو رفضها من طرف المتلقين. خاصة وأن الإذاعات الخاصة التي لا لجن بها ولا أجواق، تقبل أي أغنية كيفما كان موضوعها وسخافة كلماتها السوقية وألحانها المفبركة وأداؤها النشاز. مما زاد الميوعة تمييعا والضعف ضعفا، واستنكار ذوي الذوق الرفيع إلى درجة من السخط ثم الاستسلام والسكوت عن هذا الوضع المخجل..! وأخيرا سمعنا أن دعما كبيرا ومهما بأرقامه المالية سوف يخصص لإصلاح أمور الإذاعة الوطنية وجهوياتها، ولكن قلما يتم التفكير في إعادة التوهج للأغنية المغربية بإعادة لجن تقييمها مركزيا وجهويا، وإعادة الروح لأجواقها، فهذا كفيل بعودة الروح لكيان الأغنية المغربية، بل إخراجها من غرفة الإنعاش التي دخلته ولم تغادرها منذ انقضاء زمن الرواد الذين ما أحوجنا اليوم لنفحات من إبداعاتهم..!