أنهى المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بملف الصحراء كريستوفر روس أول أمس الثلاثاء بالعاصمة الموريتانية نواكشوط برنامج جولته الجديدة إلى المنطقة التي تميزت على غير عادتها بالكثير من التكتم و الصمت . المحللون أرجعوا تكتم روس الشديد و عزوفه عن إبداء ملاحظات جوهرية حول ما تحمله أجندته من تصور جديد لخلخلة واقع الجمود الذي يحيط بمهام وساطته الأممية إلى التزامه بتعليمات رئيسه المباشر بان كي مون الذي كان قد تعهد للرباط في وقت سابق بالتزام أجهزة الأممالمتحدة و تمثيلياتها بالحياد و النزاهة و الموضوعية التي تفترضها الأصول الجوهرية لمهام الوساطة كما حددها مجلس الأمن في قرار له . على أن المستجد المفاجىء في تبعات جولة روس للمنطقة هو توجه وفد كبير من قياديي الجبهة الانفصالية أول أمس الثلاثاء الى العاصمة الجزائرية مباشرة بعد مغادرة روس لمخيمات تندوف التي قضى بها ثلاثة أيام كاملة و لقاء الوفد القيادي الانفصالي الذي ضم جميع القيادات النافذة بالجبهة بشكل استعجالي مع الوزير الأول الجزائري عبد المالك سلال بعد تعذر كما تؤكد ذلك مصادر العلم إستقبالهم من طرف رئيس الجمهورية بوتفليقة . مصادر العلم تؤكد أن الخطوة المفاجئة بقرار التوجه الى العاصمة الجزائرية تعبر في واقع الأمر عن حالة قلق و إحباط قيادة الرابوني من رفض المبعوث الشخصي مجاراتها في مطلبها بتضمين تقريره الذي سيرفعه قريبا الى بان كي مون توصية بتمكين بعثة المينورسو من مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء و مواجهته الوفد الانفصالي بحقائق تتصل بصعوبة إنسياق الأممالمتحدة بشكل منهجي مع أطروحات و مطالب جبهة الرابوني غير الواقعية . أمام التكتم الشديد لروس و مسارعة البوليساريو للاستغاثة مجددا بالجزائر تبرز العديد من القراءات الموضوعية لما يمكن أن تحمله جعبة المبعوث الشخصي من توليفات جديدة لتعبيد الطريق نحو جولات جديدة بمسلسل التفاوض تحت إشراف و رعاية الأممالمتحدة و إن كانت جل الخلاصات و التحاليل تتجه إلى أن كريستوفر روس يحاول جاهدا إجتياز إمتحان أبريل المقبل بأقل الخسائر الممكنة عبر تدبيج تقريره الذي سيرفعه إلى مجلس الأمن و الذي على أساسه سيصدر قرار جديد بتمديد ولاية بعثة المينورسو و غير وضع كهذا سيكون روس مضطرا كسابقيه من مبعوثي الأمين العام إلى تقديم استقالته من مهام الوساطة المسندة إليه أو ترقب إعفائه منها. المحلل السياسي و الخبير في ملف الصحراء الدكتور عبد الفتاح الفاتحي يعتبر أن جولة و تحركات روس بالمنطقة لا يعدو أن يكون لغاية تقنية لاسياسية تستدعيها عملية تهيئ مضامين التقرير الذي سيعرضه الأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء نهاية أبريل المقبل لأن شروط إنضاج حل سياسي يضيف الخبير غير متوافرة اليوم البتة، من أجواء الثقة –(في الوسيط)-، فضلا عن تربصات البوليساريو للوقيعة بين المغرب والأممالمتحدة وبالتالي إعادة الروح إلى موقفهما التفاوضي . ولهذه الاعتبارات يخلص الدكتور الفاتحي إلى أن يكون تقرير المرتقب حاسما في صيرورة النزاع المفتعل من منطلق أن المبعوث الشخصي وطبيعة التقرير الذي سيقدمه إلى الأمين العام للأمم المتحدة في منتصف أبريل المقبل سيحدد الملامح المستقبلية لرؤية الأممالمتحدة للنزاع في الصحراء، ومستقبل روس كوسيط مقبول في النزاع. و ضمن هذا السياق تبدو وضعية الرباط مريحة الى حد ما طالما أنها تتوفر على ضمانات واضحة و صريحة من بان كي مون حول أصول و مقومات جهود الوساطة الأممية لكن هذا لا يمنع من ترقب ردود فعل الطرف الآخر ممثلا في جبهة الرابوني و من ورائها الجزائر التي لن تقف طبعا مكتوفة الأيدي و يمكن توقع كل أشكال المناورات الدبلوماسية و السياسية من طرفها بما فيها تكرار أسطوانة التهديد بحمل السلاح و التي قد تبلغ الى مستوى حماقة جديدة لقيادة الانفصاليين بسحب الثقة مستقبلا من روس إذا لم يمتثل تقريره لحد أدنى من الأطروحات الانفصالية في الوقت الذي سيتوجه فيه روس قريبا الى عواصم مجموعة أصدقاء الصحراء لحشد دعمها لتقريره لدى مجلس الأمن .